العفو): صلة القاطعين، والصفح عن الظالمين، وإعطاء المانعين.
وفي (الأمر بالعرف): تقوى الله وصلة الأرحام، وصون اللّسان عن الكذب، وغضّ الطّرف عن الحرمات.
وإنما سمّي هذا وما أشبهه (عرفا) و(معروفا)، لأن كل نفس تعرفه، وكل قلب يطمئنّ إليه.
وفي (الإعراض عن الجاهلين): الصبر، والحلم، وتنزيه النفس عن مماراة السّفيه، ومنازعة اللّجوج.
وقوله تعالى: إذ ذكر الأرض فقال: أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (٣١) [النازعات: ٣١] كيف دلّ بشيئين على جميع ما أخرجه من الأرض قوتا ومتاعا للأنام، من العشب والشجر، والحب والثمر والحطب، والعصف واللّباس، والنّار والملح، لأن النار من العيدان، والملح من الماء.
وينبئك أنه أراد ذلك قوله: مَتاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٣) [النازعات: ٣٣] .
وفكّر في قوله تعالى حين ذكر جنات الأرض فقال: يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ [الرعد: ٤] كيف دلّ على نفسه ولطفه، ووحدانيته، وهدّى للحجّة على من ضلّ عنه، لأنه لو كان ظهور الثمرة بالماء والتّربة، لوجب في القياس ألا تختلف الطعوم، ولا يقع التّفاضل في الجنس الواحد، إذا نبت في مغرس واحد، وسقي بماء واحد، ولكنّه صنع اللطيف الخبير.
ونحو قوله: وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ [الروم: ٢٢] يريد اختلاف، اللّغات، والمناظر، والهيئات.
وفي قوله تعالى: وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ [النمل: ٨٨] يريد:
أنها تجمع وتسيّر، فهي لكثرتها كأنها جامدة واقفة في رأي العين، وهي تسير سير السحاب.
وكل جيش غصّ الفضاء به، لكثرته، وبعد ما بين أطرافه، فقصر عنه البصر- فكأنه في حسبان الناظر واقف وهو يسير.
وإلى هذا المعنى ذهب الجعديّ في وصف جيش فقال «١»:
_________
(١) البيت من الطويل، وهو للنابغة الجعدي في ديوانه ص ١٨٧، ولسان العرب (صرد)، وتاج العروس (صرد) والمعاني الكبير ص ٨٩١.
1 / 12