أراد أن من لم يجتنب الشرك لم يحصل له أمن ولا اهتداء بالكلية. وأما من سلم منه فيحصل له من الأمن والاهتداء بحسب مقامه في الإسلام والإيمان. فلا يحصل الأمن التام والاهتداء التام إلا لمن لم يلق الله بكبيرة مصرا عليها. وأما إن كان للموحد ذنوب لم يتب منها حصل له من الأمن والاهتداء بحسب توحيده. وفاته منه بقدر معصيته، كما قال: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ ١.
فالظالم لنفسه هو الذي خلط عملا صالحا وآخر سيئا. فهو تحت مشيئة الله إن شاء غفر له وإن شاء أخذه بذنبه ونجاه بتوحيده من الخلود في النار.
وأما المقتصد فهو الذي عمل بما أوجب الله عليه، وترك ما حرم عليه فقط، وهذه حال الأبرار.
وأما السابق فهو الذي حصل له كمال الإيمان باستفراغه وسعه في طاعة الله علما وعملا.
فهذان لهم الأمن التام والاهتداء التام في الدنيا والآخرة، فالكل للكل والحصة للحصة، لأن كمال الإيمان يمنع صاحبه من المعاصي وعقوباتها، فلم يلق ربه بذنب يعاقب به، كما قال تعالى: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ﴾ ٢. وهذا الذي ذكرته في معنى هذه الآية هو ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -، وابن القيم ﵀ في معناها، وهو الذي دل عليه القرآن، وهو قول أهل السنة والجماعة، خلافا لأهل البدع من الخوارج والمعتزلة ونحوهم.
قوله: "من شهد" لا ريب أن الشهادة لا تكون شهادة إلا إذا كانت عن علم ويقين وصدق، وأما مع الجهل والشك فلا تعتبر ولا تنفع، فيكون الشاهد والحالة هذه كاذبا لجهله بمعنى الذي شهد به، وقد تضمنت هذه الكلمة العظيمة نفيا وإثباتا، فنفت الإلهية عن كل ما سوى الله بقولك: "لا إله"، وأثبتت الإلهية لله وحده بقولك: "إلا الله". قال تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ ٣.
فكم ضل بسبب الجهل بمعناها من ضل وهم الأكثرون، فقلبوا حقيقة المعنى فأثبتوا الإلهية المنفية لمن نفيت عنه من المخلوقين أرباب القبور والمشاهد والطواغيت والأشجار والأحجار والجن وغير ذلك. واتخذوا ذلك دينا وشبهوا وزخرفوا واتخذوا التوحيد بدعة.
_________
١ سورة فاطر آية: ٣٢.
٢ سورة النساء آية: ١٤٧.
٣ سورة آل عمران آية: ١٨.
1 / 13