مقدمة
...
كتاب التوحيد وقرة عيون الموحدين في تحقيق دعوة الأنبياء المرسلين
تأليف: عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وبعد: فهذا كتاب "قرة عيون الموحدين" للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، المتوفي سنة "١٢٨٥ " هـ، وقد وضع فيه بعض الحواشي المفيدة على كتاب جده شيخ الإسلام في عصره الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي التميمي المتوفى سنة "١٢٠٦ " هـ، الذي دعا إلى توحيد الله ﷿ وعدم الإشراك به، وقد تبعه في ذلك حفيده الشيخ عبد الرحمن، فوضع بعض الحواشي المختصرة في كتابه هذا الذي سماه "قرة عيون الموحدين "، وإنه بحق قرة عيون الموحدين في تحقيق دعوة الأنبياء والمرسلين، الذين دعوا إلى عبادة الله وحده وعدم الإشراك به، فبين الشيخ عقيدة التوحيد، وحذر مما يعد من الشرك الذي تساهل الناس فيه في عصرنا الحاضر، كالتمائم، والتبرك بالأحجار والأشجار وغيرهما، وبين أنه لا تجوز العبادة إلا لله تعالى، وأن الذبح أيضا لا يجوز إلا لله، وكذلك النذور لا تجوز إلا لله، وأن من الشرك أن يستغيث الإنسان بغير الله تعالى وأنه ينبغي أن لا يسأل غير الله تعالى، ولا يستعين إلا بالله، وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لابن عمه عبد الله بن عباس ﵄: " وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله " ١ وقال تعالى في القرآن الكريم: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ ٢.
وبين ﵀ أن سبب كفر بني آدم، الغلو في الصالحين حتى صارت كالأوثان تعبد من دون الله، وحذر الناس من السحر والكهانة، والتطير والتنجيم والاستسقاء بالأنواء، وبين أن من الشرك الحلف بغير الله تعالى، وأن على المؤمن أن يسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، وبين أيضا ﵀ أن رسول الله صلي الله عليه وسلم حمى التوحيد وسد طرق الشرك، ومن أراد في هذا شرحا وافيا فعليه أيضا بكتاب "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" الذي هو شرح أيضا للمؤلف نفسه
_________
١الترمذي: صفة القيامة والرقائق والورع (٢٥١٦)، وأحمد (١/٢٩٣،١/٣٠٣،١/٣٠٧) .
٢ سورة يونس آية: ١٠٧.
1 / 1
على كتاب جده "التوحيد"، فإنه قد أجاد فيه، وأفاد، جزاه الله تعالى خيرا.
وإننا نقدم للناس هذه الرسالة في وقت أحوج ما نكون فيه إلى تصحيح عقائد المسلمين والرجوع بها إلى النبع الصافي من كتاب الله ﷿ وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم وهي تعطينا صورة صادقة لما كانت عليه عقيدة الأمة الإسلامية في قرونها الخيرة التي تلقوها عن أئمتهم، وهي عقيدة السلف الصالح، وهي العقيدة السليمة والطريقة المستقيمة التي ينبغي على كل مسلم أن يسلك سبيلها، وأن يسير على منهاجها، نسأل الله ﵎ أن يميتنا على عقيدة أهل السنة والجماعة، وأن يحشرنا مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا، ذلك الفضل من الله وكفي بالله عليما.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه خادم السنة النبوية
عبد القادر الأرناؤوط
مقدمة المحقق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا إله إلا هو وحده، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه، وبعد، اعتمدت في تحقيق كتاب "قرة عيون الموحدين" على طبعة الأستاذ محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى، الذي هو حاشية على "كتاب التوحيد" لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، المطبوعة بمطبعة المنار سنة ١٣٤٦هـ، وقد رأينا أن الفائدة لا تتم من الكتاب إلا إذا كان مصدر بكتاب التوحيد كاملا فكان عملنا:
١- صدرت "كتاب التوحيد" في أعلى الصفحات.
٢- جعلت "كتاب قرة عيون الموحدين" حاشية له وبحرف مغاير للأول.
خرجت أحاديث الكتابين، وذلك بالرجوع إلى كتب السنة المطهرة، وإلى كتب الشيخين محمد ناصر الدين الألباني وعبد القادر الأرناؤوط، وألحقت بالكتاب فهرسا لأطراف الحديث وآخر لموضوعات الكتاب.
وأسأل الله تعالى أن ينفع بهذا الكتاب ويقر به عيون الموحدين، الذين يتبعون رسالاته ويخشونه ولا يخشون أحدا سواه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
بشير محمد عيون
1 / 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم
١- باب " حق الله على العباد وحق العباد على الله "
وقول الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾ ١.
وقوله: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ ٢ الآية.
..................................................................................................
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وأعن يا كريم
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ الكلام على البسملة بين مذكور في الشرح، والبداءة بها سنة، كما فعل البخاري وغيره من العلماء اتباعا للسنة في مراسلات النبي صلي الله عليه وسلم للملوك وغيرهم، وفي الأمر بالبداءة بها حديث معروف٣. "كتاب التوحيد"المراد بالتوحيد توحيد العبادة، وكل رسول يفتتح دعوته لقومه بهذا التوحيد: ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ ٤ كما في سورة الأعراف وهود وغيرهما. وقول الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾ ٥ دلت الآية على أن الله تعالى خلق الخلق لحكمة عظيمة، وهي القيام بما وجب عليهم من عبادته وحده بترك عبادة ما سواه، ففعل الأول وهو خلقهم ليفعلوا هم الثاني وهي العبادة.
قال شيخ الإسلام: العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. وقال أيضا: والعبادة اسم يجمع كمال الحب لله ونهايته، وكمال الذل لله ونهايته،
_________
١ سورة الذاريات آية: ٥٦.
٢ سورة النحل آية: ٣٦.
٣ الحديث ضعيف لاضطراب الرواة فيه عن الزهري، وكل من رواه عنه موصولا ضعيف أو السند إليه ضعيف، والصحيح عنه مرسلا. والله أعلم. انظر الإرواء رقم (١) و"الأذكار" للنووي طبعتنا رقم (٣٣٩) .
٤ سورة المؤمنون آية: ٣٢.
٥ سورة الذاريات آية: ٥٦.
1 / 3
وقوله: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ
..................................................................................................
فالحب الخلي عن ذل والذل الخلي عن حب لا يكون عبادة، وإنما العبادة ما يجمع كمال الأمرين. وقال أيضا: وأما ما خلقوا له من محبة الله تعالى ورضاه فهو إرادته الدينية، فذلك مذكور في قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾ ١ ٢.
وقول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ ٣ الآية. يخبر تعالى أنه بعث في كل قرن وطائفة من الأمم رسولا يدعوهم إلى عبادة الله وحده، وينهاهم عن عبادة ما زينه الشيطان لهم وأوقعهم فيه من عبادة ما سواه، فمنهم من هدى الله ووحده تعالى بالعبادة وأطاع رسله، ومنهم من حقت عليه الضلالة فأشرك مع الله غيره بعبادته، ولم يقبل هدى الله الذي جاءت به الرسل، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ ٤. وهذا التوحيد الذي خلقوا له ودعوا إليه هو توحيد الإلهية، توحيد القصد والطلب.
وأما توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات وتوحيد الأفعال، فهو توحيد العلم والاعتقاد، وأكثر الأمم قد أقروا به لله. وأما توحيد الإلهية فأكثرهم قد جحدوه، كما قال تعالى عن قوم هود لما قال لهم: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ ٥ ﴿أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ﴾ ٦ وقال مشركو قريش: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ ٧، وهذه الآية وهي قوله: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ ٨، هذه الآية تبين معنى الآية قبلها وكذلك الآيات بعدها، وأن المراد بالعبادة التي خلقوا لها هي العبادة الخالصة التي لم يلبسها شرك بعبادة شيء سوى الله كائنا ما كان، فلا تصح الأعمال إلا بالبراءة من عبادة كل ما يعبد من دون الله، والله تعالى خلق الثقلين ليعبدوه، فمنهم من فعل، ومنهم من أشرك وكفر، كما قال تعالى في هذه الآية: ﴿فَمِنْهُمْ
_________
١ سورة الذاريات آية: ٥٦.
٢ انظر: كتاب العبودية ص ٤٥٤ المطبوع ضمن مجموعة التوحيد ص ٤٥٤، طبعتنا.
٣ سورة النحل آية: ٣٦.
٤ سورة الأنبياء آية: ٢٥.
٥ سورة اأعراف آية: ٦٥.
٦ سورة الأعراف آية: ٧٠.
٧ سورة ص آية: ٥.
٨ سورة النحل آية: ٣٦.
1 / 4
مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ﴾ ١.وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ ٢ يبين أن حكمة الرب في خلقه للجن والإنس لا تقتضي أن كلا يفعل ما خلق له وأرسلت الرسل لأجله، ولهذه الحكمة أهلك الله من لم يعبده وحده، ولم يقبل ما جاءت به رسله، وشرع قتالهم لنبيه صلي الله عليه وسلم وأتباعه، فمنهم من أطاع وهم الأقلون، ومنهم من عصى وهم الأكثرون.
وهذا التوحيد هو دين الإسلام الذي لا يقبل الله من أحد دينا سواه، كما قال الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف ﵈: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ﴾ ٣، وهذا هو الدين الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، وأمر الرسل أن يقيموه، كما قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ ٤، وقال لنبيه محمد صلي الله عليه وسلم: ﴿قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ﴾ ٥، فأمره أن يعبده وحده وأن يدعو الأمة إلى ذلك. والقرآن كله في هذا التوحيد وبيانه وجزائه والرد على من جحده، كما قال تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. هْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ٦ وفي حديث معاذ الذي رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، قال: قلت يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، فقال: "سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان- وذكر الحج - ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ " قلت: بلى يا رسول الله. قال: "رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروه سنامه الجهاد في سبيل الله " ٧.
فدل على أن الإسلام هو التوحيد، والفرائض من حقوقه. وقد أجمع الفقهاء على أن الإسلام شرط لصحة الصلاة وغيرها من الأعمال، وهو
_________
١ سورة النحل آية: ٣٦.
٢ سورة النساء آية: ٦٤.
٣ سورة يوسف آية: ٤٠.
٤ سورة الشورى آية: ١٣.
٥ سورة الرعد آية: ٣٦.
٦ سورة المائدة آية: ١٥-١٦.
٧ لم يروه أبو داود، وإنما الترمذي رقم (٢٦١٩) في الإيمان: باب ما جاء في حرمة الصلاة، وأحمد في "المسند" ٥/ ٢٣١ و٢٣٤ و٢٣٧ و٢٤٥ و٢٤٦، وابن ماجه رقم (٣٩٧٣) في الفتن: باب كف اللسان في الفتنة، وصححه الحاكم ٢ / ٤١٣ ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قالوا. انظر "الإرواء" رقم (٤١٣) .
1 / 5
﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ ١ الآية. وقوله: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ ٢الآيه. وقوله: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾
..................................................................................................
مقتضى الشهادتين شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمدا رسول الله. فمعنى شهادة أن لا إله إلا الله: نفي الشرك والبراءة منه وممن فعله، وإخلاص العبادة لله وحده، والإيمان بالرسول وطاعته وهو معنى الآية الثالثة، وهي قوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ﴾ ٣ أي أمر ووصى. فقوله: " أَلا تَعْبُدُوا " فيه معنى "لا إله" وقوله: " إِلا إِيَّاهُ " فيه معنى " إِلا اللَّهَ ". وهذا معنى كلمة الإخلاص كما قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا﴾ ٤ فقوله: " أَلا تَعْبُدُوا " فيه معنى "لا إِلَهَ" وقوله: " إِلا اللَّهَ " هو المستثنى في كلمة الإخلاص فسبحان الله كيف خفي هذا مع بيانه ووضوحه على الأذكياء من متأخري هذه الأمة؟.
وقول الله تعالى: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ ٥ - الآية.
وهذه الآية تبين العبادة التي خلقوا لها أيضا، فإنه تعالى قرن الأمر بالعبادة التي فرضها بالنهي عن الشرك الذي حرمه وهو الشرك في العبادة، فدلت هذه الآية على أن اجتناب الشرك شرط في صحة العبادة، فلا تصح بدونه أصلا، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ٦، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ ٧، فتقديم المعمول يفيد الحصر، أي بل الله فاعبد وحده لا غير، كما في فاتحة الكتاب ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ٨.
وقرر تعالى هذا التوحيد بقوله: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ ٩.
والدين هو العبادة بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى:
والأمر والنهي الذي هو دينه وجزاؤه يوم المعاد الثاني.
وتقدم أن أصله وأساسه توحيد العبادة، فلا تغفل عما تقدم.
قوله: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ
_________
١ سورة الإسراء آية: ٢٣.
٢ سورة النساء آية: ٣٦.
٣ سورة الإسراء آية: ٢٣.
٤ سورة آل عمران آية: ٦٤.
٥ سورة النساء آية: ٣٦.
٦ سورة الأنعام آية: ٨٨.
٧ سورة الزمر آية: ٦٥-٦٦.
٨ سورة الفاتحة آية: ٥.
٩ سورة الزمر آية: ١١.
1 / 6
إِحْسَانًا﴾ ١ أي حرم عليكم الشرك الذي نهاكم عنه بقوله: ﴿أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ ٢ فالشرك أعظم ذنب عصي الله به أكبره وأصغره.
وقد وقع الأكثر من متأخري هذه الأمة في هذا الشرك الذي هو أعظم المحرمات، كما وقع في الجاهلية قبل مبعث النبي صلي الله عليه وسلم، عبدوا القبور والمشاهد والأشجار والأحجار والطواغيت والجن، كما عبد أولئك اللات والعزى ومناة وهبل وغيرها من الأصنام والأوثان، واتخذوا هذا الشرك دينا ونفروا إذا دعوا إلى التوحيد أشد نفرة، واشتد غضبهم لمعبوداتهم، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ ٣، وقال تعالى: ﴿وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا﴾ ٤، وقال: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ. وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾ ٥.
علموا أن لا إله إلا الله تنفي الشرك الذي وقعوا فيه، وأنكروا التوحيد الذي دلت عليه، فصار أولئك المشركون أعلم بمعنى هذه الكلمة: "لا إله إلا الله" من أكثر متأخري هذه الأمة، لا سيما أهل العلم منهم الذين لهم دراية في بعض الأحكام وعلم الكلام، فجهلوا توحيد العبادة، فوقعوا في الشرك المنافي له وزينوه، وجهلوا توحيد الأسماء والصفات وأنكروه، فوقعوا في نفيه أيضا. وصنفوا فيه الكتب لاعتقادهم أن ذلك حق وهو باطل.
وقد اشتدت غربة الإسلام حتى عاد المعروف منكرا، والمنكر معروفا، فنشأ على هذا الصغير، وهرم عليه الكبير، وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم: " بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ" ٦.
_________
١ سورة الأنعام آية: ١٥١.
٢ سورة الأنعام آية: ١٥١.
٣ سورة الزمر آية: ٤٥.
٤ سورة الإسراء آية: ٤٦.
٥ سورة الصافاتآية: ٣٥-٣٦.
٦ رواه مسلم رقم (١٤٥) (١٤٦) في الإيمان: باب بيان الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب ﵄، وتمامه: " وهو يأخذ يأرز بين المسجدين، كما تأرز الحية في حجرها "، ورواه أحمد ٢/ ٣٨٩، وابن ماجه رقم (٣٩٨٧) من حديث أبي هريرة ﵁، وتمامه: " فطوبى للغرباء"، وأحمد ٤/٧٣ من حديث عبد الرحمن بن سنة وتمامه: " قيل: يا رسول الله! من الغرباء؟ قال: " الذين يصلحون إذا فسد الناس"، ورواه أحمد ١ / ١٨٤ من حديث سعد بن أبي وقاص ﵁، ورواه أحمد ١ / ٣٩٨، والدارمي (٢٧٥٨)، والترمذي رقم (٢٦٣١)، وابن ماجه رقم (٣٩٨٨) من حديث عبد الله بن مسعود ﵁. وللحافظ ابن رجب الحنبلي ﵀ رسالة في هذه الأحاديث وشرحها سماها " كشف الكربة في وصف أهل الغربة" وقد طبعت أكثر من مرة.
1 / 7
قال ابن مسعود ﵁: "من أراد أن ينظر إلى وصية محمد صلي الله عليه وسلم التي عليها خاتمه، فليقرأ تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ ١ إلى قوله: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا﴾ " الآية.٢.
..................................................................................................
وقد قال صلي الله عليه وسلم: " افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: "من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي" ٣.
وهذا الحديث قد صح من طرق، كما ذكره العماد ابن كثير وغيره من الحفاظ، وهو في "السنن" وغيرها، ورواه محمد بن نصر في "كتاب الاعتصام".
وقد وقع ما أخبر به النبي صلي الله عليه وسلم بعد القرون الثلاثة، فلهذا عم الجهل بالتوحيد الذي هو أصل دين الإسلام، فإن أصله أن لا يعبد إلا الله، وأن لا يعبد إلا بما شرع، وقد ترك هذا وصارت عبادة الأكثرين مشوبة بالشرك والبدع، لكن الله تعالى - وله الحمد - لم يخل الأرض من قائم له بحججه، وداع إليه على بصيرة؛ لكي لا تبطل حجج الله وبيناته التي أنزلها على أنبيائه ورسله، فله الحمد والشكر على ذلك.
قوله: "التي عليها خاتمه " شبه هذه الوصية بوصية كتبت فختمت، أي فلم تتغير ولم تتبدل، أراد أن النبي صلي الله عليه وسلم لم يزل يدعو الأمة من حين بعثه الله تعالى إلى أن توفاه - صلوات الله وسلامه عليه - إلى ما تضمنته هذه الآيات المحكمات أمرا ونهيا، كما قال تعالى عن خليله ﵇: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. وَوَصَّى بِهَا
_________
١ سورة الأنعام آية: ١٥١.
٢ رواه الترمذي رقم (٣٠٧٢) في التفسير من سورة الأنعام، والطبراني في الأوسط رقم (١٢٠٨)، وقال الترمذي: وهذا حديث حسن غريب.
٣ قال الألباني في " الأحاديث الصحيحة" رقم (١٤٩٢): رواه ابن ماجه رقم (٣٩٩٢) وابن أبي عاصم. في "السنة" (٦٣)، واللالكائي في " شرح السنة" (١/٢٣/١) من طريقين عن عباد بن يوسف حدثني صفوان بن عمرو عن راشد بن سعد عن عوف بن مالك مرفوعا قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات معروفون غير عباد بن يوسف وهو الكندي الحمصي، وقد ذكره ابن حبان في "الثقات" ووثقه غيره، وروى عنه جمع. وللحديث شواهد اهـ.
1 / 8
إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ وعن معاذ بن جبل ﵁ قال: " كنت رديف النبي صلي الله عليه وسلم على حمار فقال لي: " يا معاذ! أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ " فقلت: الله ورسوله أعلم. قال: " فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا"، فقلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال: " لا تبشرهم فيتكلوا " أخرجاه في " الصحيحين"١.
..................................................................................................
قوله: " وعن معاذ بن جبل رضي عنه، قال: كنت رديف النبي صلي الله عليه وسلم على حمار فقال لي: يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد، على الله.".
فساقه المصنف - رحمه الله تعالى - هنا لتضمنه معنى الآيات التي تقدمت، وذلك قوله: " حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا "٢.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى:
حق الإله عبادة بالأمر لا ... من غير إشراك به شيئا هما
لم ينج من غضب الإله وناره ... والناس بعد فمشرك بالهه
بهوى النفوس فذاك للشيطان ... سبب النجاة فحبذا السببان
إلا الذي قامت به الأصلان ... أو ذو ابتداع أو له الوصفان
"وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا"، ليس على الله حق واجب
_________
١ البخاري رقم (٢٨٥٦) في الجهاد: باب اسم الفرس والحمار، ورقم (٥٩٦٧) في اللباس: باب حمل صاحب الدابة غيره بين يديه، ورقم (٦٢٦٧) في الاستئذان: باب من أجاب بـ لبيك وسعديك، ورقم (٦٥٠٠) في الرقاق: باب من جاهد نفسه، ورقم (٧٣٧٣) في التوحيد: باب ما جاء في دعاء النبي ﷺ أمته إلى توحيد الله ﵎، ومسلم رقم (٣٠) في الإيمان: باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا، والترمذي رقم (٢٦٤٥) في الإيمان: باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، وأحمد في " المسند " ٣/ ٢٦٠ و٢٦١، وابن ماجه رقم (٤٢٩٦) في الزهد: باب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة.
٢ البخاري: الجهاد والسير (٢٨٥٦)، ومسلم: الإيمان (٣٠)، والترمذي: الإيمان (٢٦٤٣)، وابن ماجه: الزهد (٤٢٩٦)، وأحمد (٣/٢٦٠،٥/٢٢٨،٥/٢٢٩،٥/٢٣٠،٥/٢٣٤،٥/٢٣٦،٥/٢٣٨،٥/٢٤٢) .
1 / 9
فيه مسائل:
الأولى: الحكمة في خلق الجن والإنس.
الثانية: أن العبادة هي التوحيد، لأن الخصومة فيه.
الثالثة: أن من لم يأت به لم يعبد الله، ففيه معنى قوله: ﴿وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ﴾ ١.
الرابعة: الحكمة في إرسال الرسل.
الخامسة: أن الرسالة عمت كل أمة.
السادسة: أن دين الأنبياء واحد.
السابعة: المسألة الكبيرة أن عبادة الله لا تحصل إلا بالكفر بالطاغوت; ففيه معنى قوله: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ﴾ ٢ الآية.
الثامنة: أن الطاغوت عام في كل ما عبد من دون الله.
التاسعة: عظم شأن ثلاث الآيات المحكمات في سورة الأنعام "١٥١-١٥٣" عند السلف، وفيها عشر مسائل، أولها النهي عن الشرك.
العاشرة: الآيات المحكمات في سورة الإسراء، وفيها ثماني عشرة مسألة، بدأها الله بقوله: ﴿لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا﴾ ٣ وختمها بقوله: ﴿وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا﴾ ٤، ونبهنا الله سبحانه على عظم شأن هذه المسائل بقوله: ﴿ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ﴾ ٥.
بالعقل كما تزعم المعتزلة، لكن هو سبحانه أحق ذلك على نفسه تفضلا وإحسانا على الموحدين المخلصين الذين لم يلتفتوا في إرادتهم ومهماتهم ورغباتهم ورهباتهم إلى أحد سواه، ولم يتقربوا بما يقولونه ويعملونه من الطاعات إلا إليه وحده، والله أعلم.
_________
١ سورة الكافرون آية: ٣ و٥.
٢ سورة البقرة آية: ٢٥٦.
٣ سورة الإسراء آية: ٢٢.
٤ سورة الإسراء آية: ٣٩.
٥ سورة الإسراء آية: ٣٩.
1 / 10
الحادية عشرة: آية سورة النساء التي تسمى آية الحقوق العشرة، بدأها الله تعالى بقول: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ ١
الثانية عشرة: التنبيه على وصية رسول الله صلي الله عليه وسلم عند موته.
الثالثة عشرة: معرفة حق الله تعالى علينا.
الرابعة عشرة: معرفة حق العباد عليه إذا أدوا حقه.
الخامسة عثرة: أن هذه المسألة لا يعرفها أكثر الصحابة.
السادسة عشرة: جواز كتمان العلم للمصلحة.
السابعة عشرة: استحباب بشارة المسلم بما يسره.
الثامنة عشرة: الخوف من الاتكال على سعة رحمة الله.
التاسعة عشرة: قول المسئول عما لا يعلم: الله ورسوله أعلم.
العشرون: جواز تخصيص بعض الناس بالعلم دون بعض.
الحادية والعشرون: تواضعه صلي الله عليه وسلم لركوب الحمار مع الإرداف عليه.
الثانية والعشرون: جواز الإرداف على الدابة.
الثالثة والعشرون: فضيلة معاذ بن جبل.
الرابعة والعشرون: عظم شأن هذه المسألة.
_________
١ سورة النساء آية: ٣٦.
٢- باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب وقول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ ١ الآية. .................................................................................................. "باب فضل التوحيد " الباب هو المدخل إلى الشيء. قوله: "وما يكفر من الذنوب". "ما " مصدرية أي وتكفيره الذنوب. ويجوز أن تكون موصولة والعائد محذوف، أي والذي يكفره من الذنوب، والمراد بالتوحيد توحيد العبادة، وهو إفراد الله تعالى بأنواع العبادة الباطنة والظاهرة. كالدعاء والذبح والنذر ونحوه، كما قال تعالى: _________ ١ سورة الأنعام آية: ٨٢.
٢- باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب وقول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ ١ الآية. .................................................................................................. "باب فضل التوحيد " الباب هو المدخل إلى الشيء. قوله: "وما يكفر من الذنوب". "ما " مصدرية أي وتكفيره الذنوب. ويجوز أن تكون موصولة والعائد محذوف، أي والذي يكفره من الذنوب، والمراد بالتوحيد توحيد العبادة، وهو إفراد الله تعالى بأنواع العبادة الباطنة والظاهرة. كالدعاء والذبح والنذر ونحوه، كما قال تعالى: _________ ١ سورة الأنعام آية: ٨٢.
1 / 11
عن عبادة بن الصامت ﵁ قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل " أخرجاه١.
ولهما في حديث عتبان: " فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله " ٢.
﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ ٣، وقال تعالى: ﴿فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ ٤.
..................................................................................................
وقول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ ٥. واللبس الخلط. والمراد بالظلم هنا الشرك الأكبر؛ لما ثبت في حديث ابن مسعود وغيره مرفوعا: "إنما هو الشرك ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ " ٦.
_________
١ البخاري رقم (٣٤٣٥) في الأنبياء: باب قول الله تعالى: ﴿يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم﴾، ومسلم رقم (٢٨) في الإيمان: باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا، والترمذي رقم (٢٦٤٠) في الإيمان: باب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله، وأحمد في "المسند" ٥ / ٣١٤.
٢ البخاري رقم (٤٢٥) في الصلاة: باب المساجد في البيوت، ورقم (١١٨٦) و(٥٤٠١) و(٦٤٢٣) و(٦٩٣٨)، ومسلم في الإيمان: رقم (٣٣) و(٢٦٣) في المساجد: باب الرخصة في التخلف عن الجماعة، وأحمد في " المسند" ٤ / ٤٤ و٥ /٤٤٩.
٣ سورة غافر آية: ١٤.
٤ سورة غافر آية: ٦٥.
٥ سورة الأنعام آية: ٨٢.
٦ البخاري رقم (٣٢) في الإيمان: باب ظلم دون ظلم، ورقم (٣٣٦٠) في الأنبباء: باب قول الله تعالى: ﴿واتخذ الله إبراهيم خليلا﴾ ورقم (٣٤٢٨ و٣٤٢٩) باب: قول الله تعالى: ﴿ولقد آتينا لقمان الحكمة﴾ ورقم (٤٦٢٩) في التفسير سورة الأنعام: باب (ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) ورقم (٤٧٧٦) وفي تفسير سورة لقمان: باب " لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم " ورقم (٦٩١٨) في استتابة المرتدين: باب إثم من أشرك بالله وعقوبته في الدنيا والآخرة، ورقم (٦٩٣٧): باب ما جاء في المتأولين، ومسلم رقم (١٢٤) في الإيمان: باب بيان حكم عمل الكافر إذا أسلم بعد، والترمذي رقم (٣٠٦٩) في التفسير: باب ومن سورة الأنعام، وأحمد في " المسند" ١ / ٤٢٤ من حديث عبد الله بن مسعود ﵁.
1 / 12
أراد أن من لم يجتنب الشرك لم يحصل له أمن ولا اهتداء بالكلية. وأما من سلم منه فيحصل له من الأمن والاهتداء بحسب مقامه في الإسلام والإيمان. فلا يحصل الأمن التام والاهتداء التام إلا لمن لم يلق الله بكبيرة مصرا عليها. وأما إن كان للموحد ذنوب لم يتب منها حصل له من الأمن والاهتداء بحسب توحيده. وفاته منه بقدر معصيته، كما قال: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ ١.
فالظالم لنفسه هو الذي خلط عملا صالحا وآخر سيئا. فهو تحت مشيئة الله إن شاء غفر له وإن شاء أخذه بذنبه ونجاه بتوحيده من الخلود في النار.
وأما المقتصد فهو الذي عمل بما أوجب الله عليه، وترك ما حرم عليه فقط، وهذه حال الأبرار.
وأما السابق فهو الذي حصل له كمال الإيمان باستفراغه وسعه في طاعة الله علما وعملا.
فهذان لهم الأمن التام والاهتداء التام في الدنيا والآخرة، فالكل للكل والحصة للحصة، لأن كمال الإيمان يمنع صاحبه من المعاصي وعقوباتها، فلم يلق ربه بذنب يعاقب به، كما قال تعالى: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ﴾ ٢. وهذا الذي ذكرته في معنى هذه الآية هو ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -، وابن القيم ﵀ في معناها، وهو الذي دل عليه القرآن، وهو قول أهل السنة والجماعة، خلافا لأهل البدع من الخوارج والمعتزلة ونحوهم.
قوله: "من شهد" لا ريب أن الشهادة لا تكون شهادة إلا إذا كانت عن علم ويقين وصدق، وأما مع الجهل والشك فلا تعتبر ولا تنفع، فيكون الشاهد والحالة هذه كاذبا لجهله بمعنى الذي شهد به، وقد تضمنت هذه الكلمة العظيمة نفيا وإثباتا، فنفت الإلهية عن كل ما سوى الله بقولك: "لا إله"، وأثبتت الإلهية لله وحده بقولك: "إلا الله". قال تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ ٣.
فكم ضل بسبب الجهل بمعناها من ضل وهم الأكثرون، فقلبوا حقيقة المعنى فأثبتوا الإلهية المنفية لمن نفيت عنه من المخلوقين أرباب القبور والمشاهد والطواغيت والأشجار والأحجار والجن وغير ذلك. واتخذوا ذلك دينا وشبهوا وزخرفوا واتخذوا التوحيد بدعة.
_________
١ سورة فاطر آية: ٣٢.
٢ سورة النساء آية: ١٤٧.
٣ سورة آل عمران آية: ١٨.
1 / 13
وأنكروه على من دعاهم إليه، فلم يعرفوا منها ما عرف أهل الجاهلية من كفار قريش ونحوهم١ فإنهم عرفوا معناها وأنكروا ما دلت عليه من الإخلاص، كما قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ. وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾ ٢. والمشركون من أواخر هذه الأمة أنكروا ما أنكره أولئك على من دعاهم إلى ترك عبادة ما كانوا يعبدونه من دون الله من القبور والمشاهد والطواغيت ونحوها، فأولئك عرفوا هذا المعنى وأنكروه، وهؤلاء جهلوا هذا المعنى وأنكروه، فلهذا تجده يقول لا إله إلا الله، وهو يدعو مع الله غيره.
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: الإله هو الذي تألهه القلوب محبة وإجلالا وإنابة وإكراما وتعظيما، وذلا وخضوعا وخوفا ورجاء وتوكلا.
وقال الوزير أبو المظفر - رحمه الله تعالى - في "الإفصاح" قوله: شهادة أن لا إله إلا الله يقتضي أن يكون الشاهد عالما بأن لا إله إلا الله، كما قال تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ﴾ ٣. قال: واسم الله مرتفع بعد إلا من حيث إنه الواجب له الإلهية، فلا يستحقها غيره سبحانه. قال: وجملة الفائدة في ذلك أن تعلم أن هذه الكلمة مشتملة على الكفر بالطاغوت وعلى الإيمان بالله، فإنك لما نفيت الإلهية وأثبت الإيجاب لله كنت ممن كفر بالطاغوت، وآمن بالله.
وقال ابن رجب رحمه الله تعالى: الإله هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة له وإجلالا ومحبة وخوفا ورجاء وتوكلا عليه وسؤالا منه ودعاء له، ولا يصلح ذلك كله إلا لله ﷿، فمن أشرك مخلوقا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان قدحا في إخلاصه في قول لا إله إلا الله، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك.
وقال البقاعي: "لا إله إلا الله"، أي انتفى نفيا عظيما أن يكون معبود بحق غير الملك الأعظم قال: وهذا العلم هو من أعظم الذكرى المنجية من أهوال الساعة، وإنما
_________
١ قال الأستاذ محمد رشيد - رحمه الله تعالى -: سبب ذلك أن عرب الجاهلية هم أهل لغة القرآن الفصحاء فلا يجهلون شيئا من معنى التوحيد الذي قرره. وأما هؤلاء الذين فشا فيهم شرك العبادة فليسوا من أهل ملكة هذه اللغة، وإنما يدينون بالاصطلاحات التي تلقاها بعضهم من بعض من كلامية وعامية، وإذا كان مثل الفخر الرازي من أكبر أئمة متكلميهم وأصوليهم أخطأ في فهم معنى الإله في تفسير: " قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة "، فما الظن بمن دونه من علمائهم، دع عامهم ودهماءهم؟ هل يستغرب منهم الجهل بأن من دعا ميتا أو صالحا حيا فيما لا يدعى فيه إلا الله، أو طاف بقبره ونذر له يكون عابدا له، ومتخذا له إلها اهـ.
٢ سورة الصافات آية: ٣٥-٣٦.
٣ سورة محمد آية: ١٩.
1 / 14
يكون علما إذا كان نافعا، وإنما يكون نافعا إذا كان مع الإذعان والعمل بما تقتضيه، وإلا فهو جهل صرف.
"قلت ": وهؤلاء المتأخرون جهلوا معنى الإله، وقلبوا حقيقة المعنى إلى معنى توحيد الربوبية، وهو القدرة على الاختراع فأثبتوا ما نفته "لا إله إلا الله" من الشرك، وأنكروا ما أثبتته من إخلاص العبادة لله جهلا منهم، وقد قال تعالى: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ ١.
قال محيي الدين النووي: اعلم أن باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قد ضيع من أزمان متطاولة، ولم يبق في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جدا، وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه، وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح.
قوله: في هذه الأزمان يعني القرن الخامس والسادس، وإذا كان كذلك فما الظن بالقرن العاشر وما بعده، وقد استحكمت فيها الغربة، ولشيخنا محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الكلمة كلام بديع واضح لم يسبق إلى مثله، فليراجع لمسيس الحاجة إليه.
قوله في الحديث: "وحده لا شريك له " تأكيد لمعنى لا إله إلا الله الذي دلت عليه ووضعت له من باب اللف والنشر المقدم والمؤخر، وهو بيان لمعنى هذه الكلمة؛ لأنها دلت بجملتها على التوحيد، فلا إله تنفي الشرك في العبادة قليله وكثيره، وبينه بقوله: "لا شريك له" في إلهيته وهي العبادة.
وقوله: "وحده " هو معنى "إلا الله" فهو الإله الحق وحده دون كل ما سواه من أهل السماوات والأرض، كما دلت على ذلك الآيات المحكمات ومتواتر الأحاديث، فتدبر هذا البيان يطلعك على بطلان قول من يقول بجواز دعوة غير الله، والله تعالى يقول لنبيه: ﴿فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾ ٢ وغيرها من الآيات الآتي ذكرها إن شاء الله تعالى.
فقوله: " وحده" تأكيد للإثبات.
وقوله: " لا شريك له " تأكيد للنفي.
وقوله: "وأن محمدا عبده ورسوله " أي وشهد أن محمدا عبده ورسوله، أي بصدق ويقين، وذلك يقتضي اتباعه وتعظيم أمره ونهيه ولزوم سنته صلي الله عليه وسلم، وأن لا تعارض بقول أحد؛ لأنه غيره صلي الله عليه وسلم يجوز عليه الخطأ، والنبي صلي الله عليه وسلم قد عصمه الله تعالى وأمرنا بطاعته والتأسي به، والوعيد على ترك طاعته بقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ
_________
١ سورة الزمر آية: ٢.
٢ سورة الشعراء آية: ٢١٣.
1 / 15
أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ ١ الآية. وقال: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ ٢.
قال الإمام أحمد - رحمه الله تعالى -: أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك.
وقد وقع في التفريط في المتابعة وتركها وتقديم أقوال من يجوز عليهم الخطأ على قوله صلي الله عليه وسلم لا سيما من العلماء كما لا يخفى.
قوله: "وأن عيسى عبد الله ورسوله " فيه بيان الحق الذي يجب اعتقاده كما في الآيات المحكمات، وما فيه من الرد على كفار النصارى وهم ثلاث طوائف: طائفة قالوا: إن عيسى هو الله. وطائفة قالوا: ابن الله. وطائفة قالوا: ثالث ثلاثة: يعنون عيسى وأمه، فبين تعالى في كتابه الحق وأبطل الباطل فقال: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾ ٣ والآيات بعدها.
وقال تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ في مواضع من المائدة ٤.
وأخبر تعالى عما قاله المسيح ﵇ وهو في المهد فقال تعالى: ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا. يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا. فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا. قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا. وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا. وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا. وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا. ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ. مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ ٥.
فبين تعالى الصراط المستقيم الذي من سلكه نجا ومن خرج عنه هلك، وقال تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ ٦ فبين تعالى الصراط المستقيم بيانا شافيا ووافيا وأقام حججه على توحيده فأحق الحق وأبطل الباطل ولو كره المشركون.
قوله: ﴿وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ﴾ أي قوله: كن، فخلقه بكن فكان، ففيه إثبات صفة
_________
١ سورة الأحزاب آية: ٣٦.
٢ سورة النور آية: ٦٣.
٣ سورة النساء آية: ١٧١.
٤ آية: ١٧، ٧٢.
٥ سورة مريم آية: ٢٧-٣٦.
٦ سورة آل عمران آية: ٥٩-٦٠.
1 / 16
الكلام لله تعالى خلافا للجهمية أيضا.
قوله: ﴿وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ أي من الأرواح التي استخرجها من صلب آدم ﵇، وأخذ عليها العهد على أنه تعالى ربهم وإلههم، كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا﴾ ١ الآيات. وروح عيسى من تلك الأرواح التي خلقها الله تعالى.
وذكر ابن جرير عن وهب بن منبه قال: نفخ جبريل في جيب درع مريم حتى وصلت النفخة إلى الرحم فاشتملت. وعن السدي أن النفخة دخلت في صدرها فحملت. وقال ابن جريح: يقولون إنما نفخ في جيب درعها وكمها. انتهى مختصرا. فجبريل نفخ والله خلق يقول كن فكان كما قال تعالى: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ ٢، فسبحان من لا يخلق غيره ولا يعبد سواه، وقد أورد بعض النصارى على بعض علماء المسلمين قول الله تعالى: ﴿وَرُوحٌ مِنْهُ﴾، فقال في الجواب: هذا ليس خاصا بعيسى ﵇ بل المخلوقات كذلك كلها كما قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ ٣ أي خلقا وإيجادا، وعيسى كذلك خلقه وأوجده كسائر مخلوقاته، وفي هذا الحديث الرد على اليهود أعداء الله وأعداء أنبيائه ورسله فإنهم كانوا هم والنصارى في طرفي نقيض، فنسبوه إلى أنه ولد بغي قاتلهم الله فأكذبهم الله تعالى في كتابه وأبطل قولهم كما أبطل قول الغلاة من النصارى فيما تقدم من الآيات ونحوها.
فالنصارى غلوا في عيسى ابن مريم ﵇ أعظم الغلو والكفر والضلال، واليهود جفوا في حقه غاية الجفاء، وكلاهما قد ضل ضلالا بعيدا، نبه الله تعالى في مواضع كثيرة من كتابه، وبين تعالى الحق والصدق ورفع قدر المسيح ﵇، وجعله من أولي العزم الخمسة المذكورين في سورة الأحزاب والشورى، وأمر نبيه صلي الله عليه وسلم أن يصبر كما صبروا فقال: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ ٤ فهم أفضل الرسل على التحقيق، والنبي صلي الله عليه وسلم أفضلهم صلوات الله وسلامه عليه، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
قوله: "وأن الجنة حق" أعدها الله للمؤمنين يوم القيامة، وما فيها من القصور والثمار والفواكه والنعيم المقيم والنظر إلى وجه الله الكريم، كما قال تعالى: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ ٥، وقال: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ٦.
"والنار حق" أعدها الله تعالى لمن كفر به وأشرك في إلهيته وربوبيته، وألحد في أسمائه وصفاته. ومن لم يؤمن بالجنة والنار فقد كفر بالقرآن والرسل، فإن الله تعالى بين
_________
١ سورة الأعراف آية: ١٧٢ - ١٧٤.
٢ سورة الحجر آية: ٢٩.
٣ سورة الجاثية آية: ١٣.
٤ سورة الأحقاف آية: ٣٥.
٥ سورة هود آية: ١٠٨.
٦ سورة السجدة آية: ١٧.
1 / 17
الجنة وما أعد فيها من النعيم المقيم، وذكر أنها دار المتقين، وذكر النار وما فيها من العذاب وأنه أعدها لمن كفر به وأشرك.
قوله: "أدخله الله الجنة على ما كان من العمل" جواب من الشرطية أي من شهد أن لا إله إلا الله إلى آخره أدخله الله الجنة، أي بإخلاصه وصدقه والإيمان برسوله وما أرسل به، وخالف النصارى واليهود في الغلو والجفاء في حق عيسى، وعلم يقينا أنه عبد الله ورسوله، وآمن بالجنة والنار، فمن كان كذلك أدخله الله الجنة، وإن كان مقصرا وله ذنوب فهذه الحسنة العظيمة ترجح بجميع السيئات، فتدبر هذا الحديث فإنه عظيم والله أعلم.
قوله: "ولهما" أي البخاري ومسلم وهذا حديث طويل اختصره المصنف وذكر منه ما يناسب الترجمة وهو قوله: "من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله"، وهذا هو حقيقة معناها الذي دلت عليه هذه الكلمة من الإخلاص ونفي الشرك، والصدق والإخلاص متلازمان لا يوجد أحدهما بدون الآخر، فإن من لم يكن مخلصا فهو مشرك، ومن لم يكن صادقا فهو منافق، والمخلص أن يقولها مخلصا الإلهية لمن لا يستحقها غيره وهو الله تعالى، وهذا التوحيد هو أساس الإسلام الذي قال الخليل ﵇: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ﴾ ١. وقالت بلقيس: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ﴾ ٢، وقال الخليل ﵇: ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ ٣ والحنيف هو الذي ترك الشرك رأسا وتبرأ معه وفارق أهله وعاداهم، وأخلص أعماله الباطنة والظاهرة لله وحده، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ ٤ فإسلام الوجه هو إخلاص العبادة المنافي للشرك والنفاق وهو معنى الآية ونحوها إجماعا، فهذا هو الذي ينفعه قول: "لا إله إلا الله "، ولهذا قال تعالى: ﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ ٥، وهذا بخلاف من يقولها وهو يدعو غير الله ويستغيث به من ميت أو غائب لا ينفع ولا يضر، كما ترى عليه أكثر الخلق فهؤلاء وإن قالوها، فقد تلبسوا بما يناقضها فلا تنفع قائلها إلا بالعلم بمدلولها نفيا وإثباتا، والجاهل بمعناها وإن قالها لا تنفعه لجهله بما وضعت له الوضع العربي الذي أريد منها من نفي الشرك، وكذلك إذا عرف معناها بغير تيقن له، فإذا انتفى اليقين وقع الشك.
ومما قيدت به في الحديث قوله صلي الله عليه وسلم: " غير شاك" فلا تنفع إلا من قالها بعلم ويقين لقوله صدقا من قلبه خالصا من قلبه، وكذلك من قالها غير صادق في قوله، فإنها لا تنفعه لمخالفة القلب اللسان كحال المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وكذلك حال المشرك فلا تقبل من مشرك لمنافاة الشرك للإخلاص، ولما دلت عليه هذه الكلمة
_________
١ سورة البقرة آية: ١٢٨.
٢ سورة النمل آية: ٤٤.
٣ سورة الأنعام آية: ٧٩.
٤ سورة لقمان آية: ٢٢.
٥ سورة البقرة آية: ٢٥٦.
1 / 18
وعن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " قال موسى: يا رب، علمني شيئا أذكرك وأدعوك به. قال: قل يا موسى: لا إله إلا الله. قال: يا رب كل عبادك يقولون هذا، قال: يا موسى، لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري، والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة، مالت بهن لا إله إلا الله " رواه ابن حبان، والحاكم وصححه ١.
مطابقة، فإنها دلت على نفي الشرك والبراءة منه، والإخلاص لله وحده لا شريك له مطابقة، ومن لم يكن كذلك لم ينفعه قوله لا إله إلا الله، كما هو حال كثير من عبدة الأوثان يقولون لا إله إلا الله وينكرون ما دلت عليه من الإخلاص، ويعادون أهله وينصرون الشرك وأهله، وقد قال الخليل ﵇ لأبيه وقومه: ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ. إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ. وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ ٢. وهي لا إله إلا الله، وقد عبر عنها الخليل بمعناها الذي وضعت له ودلت عليه، وهو البراءة من الشرك وإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، كما تقدم تقريره، وكذلك من قالها ولم يقبل ما دلت عليه من الإخلاص كان قوله لهذه الكلمة كذبا منه، بل قد عكس مدلولها فأثبت ما نفته من الشرك، ونفي ما أثبتته من الإخلاص.
فهذا الذي ذكرناه هو حال الأكثرين من هذه الأمة بعد القرون الثلاثة، وسبب ذلك الجهل بمعناها واتباع الهوى، فيصرفه عن اتباع الحق، وما بعث الله به رسله من توحيده الذي شرعه لعباده ورضيه لهم.
قوله: لا إله إلا الله ف "لا" نافية للجنس نفيا عاما إلا ما استثنى، وخبرها محذوف تقديره لا إله إلا الله. قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ ٣ فإلهيته تعالى هي الحق، وكل ما سواه من الآلهة فإلهيته باطلة، كما في هذه الآية ونظائرها فهذه كلمة عظيمة هي العروة الوثقى، وكلمة التقوى وكلمة الإخلاص، وهي التي قامت بها السماوات والأرض، وشرعت لتكميلها السنة
_________
١ رواه النسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (٨٣٤) و(١١٤١)، وقال الحافظ في " الفتح " ١١ / ٢٠٨: أخرجه النسائي بسند صحيح، وصححه ابن حبان رقم (٢٣٢٤)، والبغوي في " شرح السنة" ٥ / ٥٤ و٥٥ من حديث دراج أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري، ورواية دراج عن أبي الهيثم ضعيفة، ومع ذلك فقد صححه الحاكم ١ / ٥٢٨ ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في " المجمع " ١٠/ ٨٢: رواه أبو يعلى ورجاله وثقوا، وفيهم ضعف.
٢ سورة آية: ٢٦-٢٧.
٣ سورة الحج آية: ٦٢.
1 / 19
والفرض ولأجلها جردت سيوف الجهاد، وبها ظهر الفرق بين المطيع والعاصي من العباد. فمن قالها وعمل بها صدقا وإخلاصا، وقبولا ومحبة وانقيادا، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل، وفي الحديث الصحيح: " أفضل الدعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير " ١. وفي حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا: " يصاح برجل من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة، فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر ثم يقال: أتنكر من هذا شيئا؟. فيقول: لا يا رب فيقال: ألك عذر أو حسنة؟ فيهاب الرجل فيقول: لا، فيقال: بلى إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك، فيخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: إنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة " رواه الترمذي وحسنه٢.
قوله: " لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري "أي كل من في السماوات والأرض. وقوله "غيري" استثنى ممن في السماوات نفسه لأنه العلي الأعلى تعالى وتقدس كما قال تعالى ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ ٣ علو القهر وعلو القدرة وعلو الذات، فالثلاثة كلها صفته ودلت على كماله، كما قال تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ ٤ ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ﴾ ٥ في سبعة مواضع من كتابه كما قال تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ ٦. وقال تعالى: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ ٧ وقال تعالى: ﴿تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ ٨، وقال تعالى: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ ٩، وأمثال هذه الآيات. فمن سلب علو الله تعالى على خلقه فقد خالف صريح الكتاب والسنة وألحد في أسمائه وصفاته، ومعنى هذه الكلمة نفي الإلهية عن كل شيء
_________
١ رواه مالك في " الموطأ " ١ / ٢١٤ - ٢١٥ في القرآن: باب ما جاء في الدعاء، من حديث طلحة بن عبيد الله بن كريز وهو مرسل صحيح الإسناد، والترمذي رقم (٣٥٧٩) في الدعوات: باب في دعاء يوم عرفة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وفي سنده عند الترمذي: محمد ابن أبي حميد ابراهيم الأنصاري الزرقي أبو ابراهيم المدني، لقبه حماد وهو ضعيف كما قال الحافظ في "التقريب". فالحديث ثابت بمجموع شواهده كما قال الألباني في "الأحاديث الصحيحة". رقم (١٥٠٣) .
٢ الترمذي رقم (٢٦٤١) في الإيمان: باب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله، وأحمد في "المسند" ٢/ ٢١٣، وابن ماجه رقم (٤٣٠٠) في الزهد: باب ما يرجى من رحمة الله ﷿ يوم القيامة، وإسناده صحيح، وصححه ابن حبان رقم (٢٥٢٤) "موارد"، والحاكم ١ / ٦ و٥٢٩. انظر " الأحاديث الصحيحة " رقم (١٣٥) .
٣ سورة البقرة آية: ٢٥٥.
٤ سورة طه آية: ٥.
٥ سورة الفرقان آية: ٥٩.
٦ سورة فاطر آية: ١٠.
٧ سورة النحل آية: ٥٠.
٨ سورة المعارج آية: ٤.
٩ سورة آل عمران آية: ٥٥.
1 / 20