قال ابن القيم×في معرض كلامه على المسألة الماضية: =وجرت هذه المسألة بحضرة شيخ الإسلام ابن تيمية فسمعته يحكي هذه الأقوال الثلاثة حكاية مجردة؛ فإما سألته، وإما سئل عن الصواب منها فقال: الصواب أن من التائبين من يعود إلى مثل حاله، ومنهم من يعود إلى أكمل منها، ومنهم من يعود إلى أنقص مما كان؛ فإن كان بعد التوبة خيرا مما كان قبل الخطيئة وأشد حذرا، وأعظم تشميرا، وأعظم ذلا وخشية وإنابة_عاد إلى أرفع مما كان.
وإن كان قبل الخطيئة أكمل في هذه الأمور ولم يعد بعد التوبة إليها_عاد إلى أنقص مما كان عليه.
وإن كان بعد التوبة مثل ما كان قبل الخطيئة رجع إلى منزلته.
هذا معنى كلامه+(140).
وعلى هذا فإنه ينبغي التفطن لهذه المسألة خصوصا من كان له حال مع الله، وكان ذا خشية ، وعلم، وتأله، وإنابة، ومسارعة إلى الخيرات، ثم طاف به طائف من الشيطان، فأزله، وأغواه، وطوح به عن قصد السبيل، أو أنزله عن منزلته السابقة؛ ففقد أنسه بربه، ودب إليه الضعف والفتور، وترك ما كان يقوم به من خير ومسارعة.
وهذه مسألة تعتري كثيرا من الناس، فيستسلمون لها، ويركنون إلى خاطر اليأس من العودة إلى الحال السابقة، فيظنون أن لا رجعة إلى ما كانوا عليه من الخير والقرب من الله.
فعلى من وقعت له تلك الحال ألا يستسلم للشيطان، وألا ييأس من رجوعه إلى ما كان عليه من منزلة، بل عليه أن يجتهد بالتوبة النصوح، وأن يشمر عن ساعد الجد؛ لتدارك ما فات بالأعمال الصالحات؛ فلربما عاد إلى مقامه السابق، بل ربما عاد أكمل مما كان عليه.
وليس ذلك ببعيد على من كان ذا نفس شريفة، وهمة عالية، [إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم] الرعد: 11.
ولا بعد من خير وفي الله مطمع
পৃষ্ঠা ৫৯