أيها الناس لقد ضللتم بخذلانكم لنا، وصدفكم عن الحق، فلم تهتدوا بهدينا، ولم تقتدوا إلا بغيرنا، إثرة للدنيا وحبا لها، وركونا إليها، إذ أخرجتم الأمر عن أهله، وجعلتموه في غير محله، فأصبحتم في فتن كقطع الليل المظلم ، مع غير إمام هدى، ولا علم يرى، فقد تفرقت جماعتكم بعد ألفتها، وتصدعت سبلكم بعد انتهائها بإيلاء حكم الظلم والجور والأثرة علينا، منعتمونا سهمنا، وما جعله الله في كتابه لنا، فصار لغيركم ولغيرنا، يقتدي الخلف منكم بالسلف، ويولد مولودنا في الخوف، وينشأ ناشئنا في الغربة، والفقر، ويموت ميتنا بالقتل والذل والصلب، وأنواع المثلات، عمل قوم فرعون في بني إسرائيل، تذبح أبناؤهم لخشية آبائهم، وتستحيا نساؤهم، فهذا حالنا فيكم وبين أظهركم، افتخرت قريش على العرب بأن محمدا قرشي، وافتخرت العرب على العجم بأن محمدا عربي، حتى إذا تمت لقريش النعمة، وللعرب الفضيلة بما سألوا الناس من حقنا أخرونا، وتقدموا، ورأوا لأنفسهم من الفضل علينا مالم يروه لغيرهم من سائر الناس من حقنا، وقالوا: نحن أحق وأولى بتراث نبي الله وسلطانه، فلا هم أنصفونا من أنفسهم إن كان هذا الأمرللقرابة؛ إذكنا أقرب الناس منهم، ولا أنصفنا الناس إن أجازوا مع القرابة لمن هو أبعد رحما ولعمري لو رجت قريش الظهور في البلاد والتمكن بغير التوحيد وتصديق محمد الصادق وما أنزل عليه، والخروج إلى عبادة الأوثان لكتبوا أساطير أهوائهم وأمنية نفوسهم، ثم أظهروا ما في قلوبهم من النفاق والتكذيب، ولكنهم علموا أنهم لايسوغ لهم ذلك ولايستقيم ما طلبوا من التملك والجبرية إلا بتصديق محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإظهار التوحيد، فأظهروا دعوة الإسلام وأسروا النفاق، فتلك آثارهم تنبئ عنهم، وأحكامهم تخالف دعواهم ولو كانوا على شيء من الأمر لحفظوا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم في ذريته، ولم يستأثروا عليهم بفيئهم وخمس ما أفاء الله عليهم، ثم هذا مع تعطيل الأحكام وتغيير الأقسام وإضاعة الحدود؛ وأخذهم الرشا، واتباعهم الهوى، فالله الله أيها الناس ارجعوا إلى الحق وأجيبوا إليه أهله، لاتغرنكم الآمال فإن الآمال هي الاستدراج، قال الله عز وجل: ?سنستدرجهم من حيث لا يعلمون، وأملي لهم إن كيدي متين?[الأعراف:182،183][القلم:44،45]، فقد أملي لمن كان قبلكم من الأمم ثم أخذوا وكانوا في إملائهم إذا أحدثوا لله معصية جدد الله لهم عليها نعمة، «فبذلك» اغتروا واجترؤوا، فبغتهم الله بالعذاب من حيث لم يشعروا فما أغنى عنهم كيدهم وما كانوا يجمعون، وقد قص الله عليكم ما ارتكبت بنو إسرائيل وما حل بهم من سخط الله وعذابه، فتوبوا إلى الله أيها المسلمون وأجيبوا إلى الحق دعاتكم، فلسنا نريد بما ندعوكم «إليه» ملكا نقهركم به، ولا مالا نستأثر به عليكم ولاندعوكم إلا لإقامة أودكم وإماتة البدع وإحياء السنن وحكم الكتاب، لترجع ألفتكم وتكونوا إخوانا؛ وعلى أمر الله أعونا؛ فأبصروا رشدكم قبل أن تقول نفس ?ياحسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين، أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين، أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين?[الزمر:56-58].
وفقنا الله وإياكم لمحابه وجنبنا وإياكم معاصيه، انصروا الله ينصركم. والسلام.
পৃষ্ঠা ৪১০