জাতিগত মানসিক ঐতিহ্য এবং উন্নয়ন
السنن النفسية لتطور الأمم
জনগুলি
ومن اجتماع العناصر الروحية المختلفة المذكورة آنفا ونموها نموا متقابلا يتألف من الأمزجة النفسية ما يستعان به في تقسيم الأفراد والعروق.
ومن تلك العناصر الروحية ما هو خاص بالخلق، ومنها ما هو خاص بالذكاء.
وتختلف العروق العليا عن العروق الدنيا بالخلق كما تختلف عنها بالذكاء، وبالخلق - على الخصوص - تختلف بعض الأمم العليا عن بعض، ولهذا الأمر أهمية اجتماعية عظيمة، فيجب بيانه بوضوح.
يتألف الخلق من امتزاج مختلف العناصر التي يطلق عليها علماء النفس المعاصرون اسم المشاعر عادة؛ وذلك على نسب مختلفة، ومن بين تلك العناصر ذات الشأن المهم أذكر الثبات والنشاط وقابلية ضبط النفس بوجه خاص؛ أي الصفات المشتقة من الإرادة. ومن عناصر الخلق الأساسية نذكر الأدب أيضا، وإن كان الأدب خلاصة مشاعر مركبة، وأقصد بكلمة الأدب احترام القواعد التي تقوم عليها حياة المجتمع، وتدل حيازة الأمم أدبا على حيازتها قواعد ثابتة للسير وعدم ابتعادها عنها، وتختلف هذه القواعد باختلاف الأزمنة والبلدان، ويلوح الأدب بهذا أنه كثير التغير، والأدب كثير التغير بالفعل، غير أنه يجب أن يكون أدب الأمة في زمن معين غير متغير، وإذ كان الأدب وليد الخلق، لا الذكاء، لا يكون وطيدا إلا إذا صار وراثيا، ومن ثم غير شعوري، وعظمة الأمم بوجه عام خاضعة لمستوى أدبها على الخصوص.
وقد تتغير الصفات الذهنية بالتربية تغيرا قليلا، وتتفلت الصفات الخلقية من سلطان التربية تفلتا تاما تقريبا، وعندما تؤثر التربية في الصفات الخلقية لا يكون هذا التأثير إلا عند ذوي الطبائع المحايدة الذين يكادون يكونون عاطلين من الإرادة والذين يسهل عليهم أن يميلوا إلى حيث يساقون، وترى هذه الطبائع المحايدة لدى الأفراد، وهي قلما ترى في أمة بأسرها، وهي إذا وجدت في الأمة لا يكون وجودها ذلك إلا في أيام انحطاطها.
ومن السهل أن تنتقل اكتشافات الذكاء من أمة إلى أخرى، وأما الصفات الخلقية فلا تنتقل، وهذه هي العناصر الأساسية الثابتة التي يختلف بها مزاج الأمم العليا النفسي، وتمثل الاكتشافات المدينة للذكاء تراث البشرية المشترك، ويتألف من صفات الخلق ومساوئه في كل أمة تراث هذه الأمة الخاص، ويعد الخلق كالصخرة الثابتة التي تلطمها الأمواج يوما بعد يوم في عدة قرون قبل أن تتمكن هذه الأمواج من ثلم أطرافها، ويعدل الخلق عنصر النوع الراسخ، وزعنفة السمك، ومنقار الطير، وناب الضاري.
وخلق الأمة، لا ذكاؤها، هو الذي يعين تطورها في التاريخ وينظم مصيرها، وهو يوجد، دائما، خلف الأهواء الظاهرة للمصادفة العاجزة، وللعناية السبحانية الوهمية، وللقدر الحقيقي الذي يسير الرجال في أعمالهم وفق مختلف العقائد.
وللأخلاق نفوذ ذو سلطان قوي على حياة الأمم، على حين يبدو الذكاء ذا نفوذ ضعيف في الغالب، أجل، كان للرومان في دور الانحطاط ذكاء أرفع من ذكاء أجدادهم الأشداء، بيد أنهم كانوا في ذاك الدور قد أضاعوا صفاتهم الخلقية من ثبات ونشاط وعناد واستعداد للتضحية في سبيل مثل عال، ومن احترام وثيق للقوانين؛ أي أضاعوا هذه الصفات التي كانت سبب عظمة أجدادهم، وبفضل الخلق يضع ستون ألف إنكليزي تحت نيرهم 250 مليون هندوسي، مع أن كثيرا من الهندوس يعدل الإنكليز ذكاء على الأقل، ومع أن كثيرا من الهندوس يفوق الإنكليز إلى ما لا حد له من الذوق الفني وعمق المباحث الفلسفية. وبالخلق غدا الإنكليز على رأس أعظم إمبراطورية استعمارية عرفها التاريخ، وعلى الخلق تقوم متانة المجتمعات والنظم والإمبراطوريات، والخلق هو الذي يجعل الأمم تشعر وتسير، والأمم لم تظفر قط بكبير طائل من إعمال عقلها وقدح زناد فكرها كثيرا.
1
ومن مزاج العروق النفسي يشتق تصورها للعلم وللحياة، ومن ثم سيرها، وسنأتي بأمثلة على ذلك عما قليل، والفرد، إذ يتأثر بالأمور الخارجية من بعض الوجوه، يحس ويعمل على وجه يختلف عما يشعر به الأفراد الذين لهم مزاج نفسي مختلف عن مزاجه، ويفكرون فيه ويصنعونه، وهذا يؤدي إلى النتيجة القائلة: إن الأمزجة النفسية القائمة على مثل شديدة الاختلاف لا يدرك بعضها كنه بعض، وما كان من تنازع العروق المتأصل مصدره ما بين هذه العروق من تناقض في الأخلاق، ومن المتعذر فهم شيء من التاريخ ما لم يقم في الذهن، دائما، ذلك المبدأ القائل: إن العروق المختلفة لا تقدر على الشعور ولا على التفكير ولا على السير على طراز واحد. فلا يدرك بعضها أمر بعض لهذا السبب، ومما لا شك فيه أن في لغات مختلف الأمم ألفاظا مشاعة فتظن هذه الأمم أن هذه الألفاظ مترادفة، بيد أن هذه الألفاظ المشاعة تثير من المشاعر والخيالات وطرز التفكير ما يباين التي تساور سامعيها، ولا بد من العيش بين أمم ذات مزاج نفسي مخالف لمزاجنا مخالفة محسوسة لتبين مدى الهوة التي تفصل بين أفكار مختلف الأمم، حتى لو وقع الاختيار في تلك الأمم على أناس نالوا تربيتنا ويتكلمون بلغتنا، ويمكن الباحث، من غير أن يحتاج إلى بعيد الأسفار، أن يستجلي ذلك عند تحقيقه الفرق النفسي الكبير بين الرجل المتمدن والمرأة؛ ولو كانت هذه المرأة عظيمة التعليم، وقد يكون هذان ذوي مصالح متماثلة ومشاعر متماثلة، ولكنهما لا يتشابهان في تسلسل أفكارهما أبدا، فهما قد فطرا على مثالين بلغا من التباين ما يتعذر أن يتأثرا معه على وجه واحد بالأمور الخارجية، وما بين منطقهما من اختلاف يكفي لإحداث هوة بينهما لا يمكن اقتحامها.
অজানা পৃষ্ঠা