তাসাউউফ: ইসলামে আধ্যাত্মিক বিপ্লব
التصوف: الثورة الروحية في الإسلام
জনগুলি
وحلوا من قلوبهم عقد الهوى ومحبة الدنيا، ولم يعودوا إلى ما خرجوا منه من ذلك. فإذا قالوا «لبيك لا شريك لك» لا يجيبون بعد ذلك دواعي النفس والشيطان والهوى بما أجابوا الحق بالتلبية وأقروا أنه لا شريك له.
فإذا استلموا الحجر الأسود وقبلوه، علموا أنهم يبايعون الله بأيمانهم، فمن الأدب ألا يمدوا بعد ذلك أيمانهم إلى مراد وشهوة. فإذا جاءوا إلى الصفا، فمن الأدب ألا تعترض بعد ذلك كدورة الصفا قلوبهم. فإذا هم هرولوا بين الصفا والمروة وأسرعوا في مشيهم، فمن الأدب أن يسرعوا في الفرار من عدوهم ويهرولوا من متابعة نفوسهم وهواهم وشيطانهم.
والذهاب إلى «منى» رمز للتأهب للقاء لعلهم يصلون إلى مناهم، وطلوعهم عرفات رمز لتعرفهم على معروفهم وهو الحق، وكسرهم للحجارة رمز لكسر الإرادات والشهوات، ورميهم الحجارة رمز لترك ملاحظة الأعمال ومشاهدة النفوس لها، والتعلق بأستار الكعبة رمز للتعلق بالله دون غيره، إلى غير ذلك من مناسك الحج.
فهنا نجد لكل عمل من أعمال الجوارح عملا يوازيه من أعمال القلوب، ونجد الحج سفرا روحيا أكثر منه سفرا بدنيا ومجموعة من الأقوال والأفعال، ولا شك في أنها نظرة عميقة في الدين متى التزمت في حدود الدين ولم تخرج عنه، ومتى جمع بين الرمز والمرموز إليه، ولكنها نظرة محفوفة بالخطر؛ لأنها قد تؤدي إلى المبالغة فيما اعتبر روحانيا أو باطنيا في شعائر الدين إلى الحد الذي يؤدي إلى إسقاط التكاليف وإحلال التكاليف الروحية محل التكاليف الشرعية، كإحلال «الحج بالهمة» محل الحج إلى البيت الحرام، أو إحلال «الذكر» محل الصلاة، أو نحو ذلك، وممن نزع هذه النزعة في الحج خاصة الحسين بن منصور الحلاج وصاحبه وتلميذه أحمد بن سهل بن عطاء الآدمي.
وهنالك طائفة أخرى هم «الملامتية»
6
يتعمدون الظهور بين الناس بما يشعر أنه مناف لظاهر الشرع استجلابا للذم والملامة؛ وذلك لأنهم يعتبرون الدين معاملة بينهم وبين الله، وسرا لا يطلع عليه أحد سواه. بل لا تطلع عليه نفوسهم؛ لأن رؤية الأفعال في مذهبهم مبطلة للأفعال. فهم لا يظهرون للخلق خيرا ولا يدعون لأنفسهم طاعة؛ ولذلك خالف الملامتية الصوفية في كثير من تعاليمهم وطقوسهم، فلم يلبسوا خرق الصوفية ولم يحضروا مجالس السماع ولم يبيحوا لمريديهم التواجد والظهور بمظهر الجذب أو أي مظهر يشعر بالدعوى أو يجلب الشهرة؛ وذلك سترا لأحوالهم. •••
هذه كلها وجهات نظر للصوفية في الشريعة والحقيقة، وكلها - ما عدا الأولى - اتجاهات في الدين وراء الحدود التي رسمها الفقهاء، وإخراج له عن الدائرة التي حصر الفقهاء الدين فيها، وهي نزعات عملت - عندما صدقت - على توسيع الأفق الروحي للعبادات، وإن أفسد جمالها في بعض الأحيان ضعفاء الإيمان من الصوفية أنفسهم أو من الدخلاء عليهم.
ولذلك لم يكن بد من أن يدب الخلاف بين الصوفية والفقهاء ويتهم الفقهاء الصوفية بالابتداع في الدين ويتهم الصوفية الفقهاء بالجمود وضعف الروحانية؛ وذلك للاختلاف الجوهري بين الطائفتين في المنزع والغاية، ولم يكن بد من أن يثور الصوفية في أوجه الفقهاء الذين أصبح الدين على أيديهم مجموعة من الرسوم والأشكال والأوضاع التي لا حياة فيها، ولم يكن بد أيضا من أن يثور الفقهاء في وجه الصوفية لأنهم اعتبروا أنفسهم حماة الشرع الذائدين عنه، والشرع لم يأت إلا بأحكام الظاهر، ولم يضع حدودا لأحكام الباطن، فلم يضع حدا للنفاق والرياء، والشرك الخفي أو عدم الإخلاص، أو ما شاكل ذلك من أعمال القلوب، بل ترك أمر ذلك إلى الله.
ومن القصص التي لها مغزاها في إظاهر الفرق بين فهم الفقهاء للدين وفهم الصوفية، وبيان أن الفقهاء اعتبروا أنفسهم دائما حراسا قوامين على الدين، ما روي من أن أحمد بن حنبل كان عند الشافعي يوما فمر شيبان الراعي الصوفي، فقال أحمد: أريد يا أبا عبد الله أن أنبه هذا على نقصان علمه ليشتغل بتحصيل بعض العلوم، فقال الشافعي: لا تفعل، فلم يقتنع وقال لشيبان: ما تقول فيمن نسي صلاة من خمس صلوات في اليوم والليلة ولا يدري أي صلاة نسيها، ما الواجب عليه يا شيبان؟ فقال شيبان: يا أحمد هذا قلب غفل عن ذكر الله تعالى، فالواجب أن يؤدب حتى لا يغفل عن مولاه. فغشي على أحمد، فلما أفاق قال الشافعي رحمه الله: ألم أقل لك لا تحرك هذا؟»
অজানা পৃষ্ঠা