فقالت في العدد التالي:
لقد صدقت السيدة نبوية موسى حسن ظننا فيها، وعابت على الخطيب ما قاله، ونحن نشكر لها تمسكها بالعادات الشرقية، ومن أهمها الحجاب.
وهكذا وفرت على نفسي ما كان سينالني من فحش القول إن أنا كتبت في الحجاب، ودعوت إلى السفور، ولكني مع ذلك أعطيت تلميذاتي مثالا صادقا للسفور الذي أريده، وهو ظهور المرأة سافرة، ولكن في منظر يدل على حشمتها ووقارها؛ فهي تخرج لعملها سافرة حتى لا يعوقها الحجاب عن حسن تأدية ذلك العمل، ولكنها تظهر في ملبسها بمظهر الجد؛ فلا زينة ولا تبرج، والوجه كما خلقه الله لا فتنة فيه، وإذا كان الله قد صنع فيه شيئا من الفتنة فلا شأن لنا فيما صنع، وكان على البشر أن يعودوا إلى الخالق، على أن القرآن لم يأمرنا بالحجاب، بل أمرنا بالابتعاد عن الزينة، فقال سبحانه وتعالى:
وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن .
فأمر الله بستر الصدر لا بستر الوجه ، وهو موضع الحلي في الجاهلية.
وقد أمر الدين الإسلامي المرأة أمرا صريحا بكشف وجهها في ثلاثة أمور: الحج والخطبة والشهادة، ولم يأمرها صراحة بستره مطلقا، فلا معنى إذن لستر الوجه، وفيه مضايقة كبيرة لمن يردن هذا العمل.
قابلني في إدارة الأهرام يوما أحد الكتاب الذين كانوا يكثرون الكتابة في مسألة الحجاب والحض عليه، وجعل يناقشني في آرائه، وكان يعتقد كل الاعتقاد أني متفقة معه، ولكنه دهش لما قلت له: «إنك يا سيدي من القرى، وأمك وأختك وبنت عمك يخرجن بزيي هذا؛ أي بخمار لا يغطي إلا الرأس والصدر، فما هو الحجاب الذي تدعو المدنيات إليه؟ أتدعوهن إلى ذلك النقاب الشفاف الذي يزيد صبغة الوجوه ظهورا وبهاء؟» قال: كلا لا أريد ذلك. قلت: أنت إذن تدعو إلى حجاب مجهول لم يره أحد؟ قال: نعم أريد أن تضع المرأة فوق رأسها غطاء كثيفا يستر وجهها كله، وفيه ثقبان لتنظر منهما. قلت: يا سبحان الله! وماذا تفعل المسكينة إذا اضطرت للعمل؟ قال: يجب أن تضحي بكل شيء في سبيل منع الفتنة، فإن في وجهها فتنة. قلت: إنك يا سيدي تدعي أن الرجال أكثر عقلا وحكمة من النساء، وإذا كانت النساء لا يفتن بوجوهكم أنتم وفيكم الجميل ولا شك، فكيف تفتنون أنتم بوجوههن، وأنتم أكثر عقلا وإدراكا، لقد كان الواجب أن تتقنعوا أنتم، وأن تسفر النساء ما دام فيكم من العقل ما يمنعكم من الفتنة، أما هن فلا عقل لهن ولا إدراك.
آلمه هذا القول مني، وأراد أن يؤلمني، فقال: إذا كانت النساء في خلقتك فلا بأس من السفور. وظن بذلك أنه أغاظني، فقلت له ضاحكة: يا شيخ انطق، وهذا ما أريده، النساء في شكلي يسفرن، والرجال في جمالك يجب أن يتقنعوا؛ أي إنك من تضع من الغد على وجهك شوالا فيه ثقبان، وسأهنئك بتلك النتيجة.
وحدث أن قابلتني إحدى السيدات في الترام، فقالت لي في دهشة: أمسيحية أنت؟ قلت: كلا إني مسلمة. قالت: وكيف تكشفين عن وجهك؟ فنظرت إليها ضاحكة وقلت: وهل سترت أنت وجهك بذلك النقاب الشفاف؟ إني أرى ملامحك واضحة حتى إني أستطيع أن أعد أسنانك المذهبة، وليت الأمر اقتصر عند هذا الحد فكشفت عن وجهك فقط كما أكشف أنا، بل لقد تجاوزت يا سيدتي الحد وكشفت عن صدرك إلى آخره، فأنا أرى في صدرك ما لا يجوز لي أن أراه، كما أرى ذراعيك إلى نهايتهما، أما أنت فلا ترين إلا وجهي فما معنى انتقادك إذن؟!
عجبت المرأة من جوابي هذا، وقالت: لقد صدقت! فأنا أقرب إلى النصارى منك.
অজানা পৃষ্ঠা