অবক্ষয়ের যুগ: আরব জাতির ইতিহাস (ষষ্ঠ খণ্ড)
عصر الانحلال: تاريخ الأمة العربية (الجزء السادس)
জনগুলি
ولما كان أصحاب هذه الفكرة ضعافا أول الأمر، لم تأبه بهم الخلافة العباسية، فتركتهم وشأنهم، أو وكلت بهم رجال العقائد وأصحاب المقالات الإسلامية، يبينون عوار عقيدتهم ويشنعون عليهم وعلى ما انطوت عليه فكرتهم من مخالفات شرعية وعقلية، ويظهر أنهم أنفسهم قد انزووا يعملون في الخفاء على نشر دعوتهم حتى يتيح لها الزمن أن تخرج قوية قاهرة.
ولما كانت الدعوتان، الإسماعيلية والفاطمية، تشربان من معين واحد، وكان نجاح الفاطمية في المغرب ومصر والشام قويا، رأى الإسماعيليون أن الفرصة مواتية لهم لنشر دعوتهم والدعاية لها في سائر أرجاء الإسلام، وكان من عادة الفاطميين أن يبعثوا الدعاة لنشر مذهبهم والدعوة لهم سرا، وكان للدعاة في مصر رئيس هو «داعي الدعاة» الذي يلي «قاضي القضاة» في المكانة والمرتبة، وكان يجمع الدعاة، ويطلعهم على أسرار الدعوة، ويبثهم في الأقطار الإسلامية. وقد اهتم الفاطميون بنشر دعوتهم في العراق وإيران لأن الإيرانيين والعراقيين يميلون إلى آل علي. وكان غرض الفاطميين هو نشر عقيدتهم أولا، والقضاء على العباسيين ثانيا.
ومما تجدر الإشارة إليه أن أصحاب هذه الدعوة قد انقسموا منذ زمن الخليفة المستنصر (487ه/1094م) إلى قسمين؛ قسم يقول إن المستنصر أوصى بالأمر بعده لابنه نزار، وقسم قال بل إنه أوصى بها لابنه المستعلي، واتخذت الفرقة الأولى بلاد المشرق مركزا لها برعاية الحسن بن الصباح، وبقيت الثانية في مصر والمغرب.
4
وتفصيل ذلك أن الحسن بن الصباح قدم إلى مصر لدراسة الدعوة وتتبع أحوالها، وأعطاه المستنصر أموالا وبعثه للدعوة في المشرق، ورأى بعد وفاة المستنصر أن ابنه نزارا أولى من أخيه المستعلي بولاية أبيه لكفايته، ورأى وزير المستنصر، وهو بدر الجمالي، أن المستعلي أفضل، واختلف الرجلان واضطر الحسن أن يستقل بفكرته، ومنذ ذلك الحين انقسمت الفاطمية إلى هذين القسمين. أما معلوماتنا عن الحسن بن الصباح وأحواله فهي أنه كاتب ذكي، نشأ في خدمة ألب أرسلان ولمع اسمه في عهد ملكشاه، وكان شيعيا متحمسا، ولكنه كان يكتم فكرته لتعصب السلاجقة ولسنيتهم، فلما اكتشفوا أمره طردوه من خدمتهم، فأعلن اعتناقه المذهب الإسماعيلي، وبعثه عبد الملك بن عطاش رئيس الدعوة الإسماعيلية في العراق داعية إلى أصفهان فذهب إليها، ثم رأى أن يسافر إلى مصر ليتعمق في دراسة العقيدة الفاطمية على يد فلاسفتها وعلمائها في القاهرة، فخرج من أصفهان سنة 469ه/1076م عن طريق أذربيجان وميافارقين وعكا، ومنها ركب البحر متخفيا في زي تاجر إلى أن بلغ مصر، وما زال قدره يسمو هناك ويتغلغل في شئون الدعوة والدولة إلى أن مات الخليفة المستنصر، وأريد تسمية الخليفة الجديد، فقال الوزير بدر الجمالي: إن المستنصر قد عهد بالأمر إلى ابنه الأصغر وهو المستعلي، وما ذلك إلا لأنه جده لأمه، ولأنه يريد إبقاء نفوذه وسيطرته على الدولة، وخالفه الحسن بن الصباح في ذلك وقال: لا، إن الولاية للابن الأكبر وهو الأمير نزار،
5
وهكذا اضطر الحسن بن الصباح أن ينشق عن المذهب الفاطمي المصري ويؤسس حركته الباطنية الجديدة، وقد قويت حركة الحسن بن الصباح في عهد السلاجقة حتى أضحت خطرا يهدد سلامة البلاد، قال البنداري: «وكان بينهم (أي الإسماعيلية) رجل من أهل الري - هو الحسن بن الصباح - ساح في العالم، وكانت صناعته الكتابة، فخفي أمره حتى ظهر وقام، فأقام من الفتنة كل قيامة واستولى في مدينة قريبة على حصون وقلاع منيعة ، وبدأ من القتل والفتك بأمور شنيعة، وخفيت عن الناس أحوالهم، ودامت حتى استتبعت على الاستتار بسبب أنه لم يكن للدولة صاحب أخبار، وكان الرسم في أيام الديلم (البويهيين) ومن قبلهم من الملوك أنهم لم يخلوا جانبا من صاحب بريد، فلم يخف عندهم أخبار الأقاصي والأداني، وحال الطائع والعاصي، حتى ولي أمر الدولة السلجوقية ألب أرسلان محمد بن داود، ففاوضه نظام الملك في هذا الأمر، فأجابه أنه لا حاجة بنا إلى صاحب خبر؛ فإن الدنيا لا تخلو كل بلد فيها من أصدقاء لنا وأعداء ... فلم يشعر إلا بظهور القوم، وقد استحكمت قواعدهم واستوثقت معاقدهم وأخافوا السبل، وأجالوا على الأكابر الأجل.»
6
والحق أن الحسن قد استطاع أن ينشر في برهة وجيزة دعوته في أرجاء المشرق من فارس إلى العراق، كما استطاع أن يستولي على بعض الحصون والقلاع، ويتخذها مقرا لرجاله، وكان استيلاؤه سنة 483ه على قلعة الموت
7
অজানা পৃষ্ঠা