অবক্ষয়ের যুগ: আরব জাতির ইতিহাস (ষষ্ঠ খণ্ড)
عصر الانحلال: تاريخ الأمة العربية (الجزء السادس)
জনগুলি
عصر الانحلال الأول
الدولة العباسية في دوري انحلالها وسقوطها
1 - في عصر الانحلال الأول، وعرض شئون الخلافة
2 - في بيان مظاهر الضعف والانحلال في الدولة ونتائج ذلك
3 - مجالي الانحلال في جسم الدولة
4 - في نتائج الانحلال
5 - الوضع الإداري والوزاري
6 - وضع الجيش ومشاهير القادة في هذا العصر
7 - الوضع العلمي والثقافي في تلك الفترة من عهد الانحلال
8 - الوضع الاجتماعي في هذا العصر
অজানা পৃষ্ঠা
عصر الانحلال الثاني
1 - عرض موجز لشئون الخلافة وأحوال الخلفاء منذ عهد المقتدر إلى نهاية عهد الطائع
2 - مظاهر الضعف ومجالي الانحلال في الدولة ونتائج ذلك
3 - ظهور دويلات جديدة
4 - الوضع الوزاري والإداري في عصر الانحلال الثاني
5 - وضع الجيش في هذا العهد
6 - الوضع العلمي والثقافي في هذا العهد
7 - في الوضع الاجتماعي
عصر السقوط
1 - عرض موجز لشئون الخلافة وأحوال الخلفاء من عهد القادر إلى عهد المستنصر آخر الخلفاء
অজানা পৃষ্ঠা
2 - مظاهر الانحلال وأسباب السقوط في الدولة
3 - في نتائج الانحلال وظهور دول جديدة
4 - أحوال البلاد الداخلية
5 - في الأحوال الخارجية
6 - الوضع العلمي والثقافي
7 - في الوضع الاجتماعي
عصر الانحلال الأول
الدولة العباسية في دوري انحلالها وسقوطها
1 - في عصر الانحلال الأول، وعرض شئون الخلافة
2 - في بيان مظاهر الضعف والانحلال في الدولة ونتائج ذلك
অজানা পৃষ্ঠা
3 - مجالي الانحلال في جسم الدولة
4 - في نتائج الانحلال
5 - الوضع الإداري والوزاري
6 - وضع الجيش ومشاهير القادة في هذا العصر
7 - الوضع العلمي والثقافي في تلك الفترة من عهد الانحلال
8 - الوضع الاجتماعي في هذا العصر
عصر الانحلال الثاني
1 - عرض موجز لشئون الخلافة وأحوال الخلفاء منذ عهد المقتدر إلى نهاية عهد الطائع
2 - مظاهر الضعف ومجالي الانحلال في الدولة ونتائج ذلك
3 - ظهور دويلات جديدة
অজানা পৃষ্ঠা
4 - الوضع الوزاري والإداري في عصر الانحلال الثاني
5 - وضع الجيش في هذا العهد
6 - الوضع العلمي والثقافي في هذا العهد
7 - في الوضع الاجتماعي
عصر السقوط
1 - عرض موجز لشئون الخلافة وأحوال الخلفاء من عهد القادر إلى عهد المستنصر آخر الخلفاء
2 - مظاهر الانحلال وأسباب السقوط في الدولة
3 - في نتائج الانحلال وظهور دول جديدة
4 - أحوال البلاد الداخلية
5 - في الأحوال الخارجية
অজানা পৃষ্ঠা
6 - الوضع العلمي والثقافي
7 - في الوضع الاجتماعي
عصر الانحلال
عصر الانحلال
تاريخ الأمة العربية (الجزء السادس)
تأليف
محمد أسعد طلس
عصر الانحلال الأول
من سنة 232ه إلى سنة 320ه
الدولة العباسية في دوري انحلالها
অজানা পৃষ্ঠা
وسقوطها
الكتاب الأول
عصر الانحلال من سنة 232ه إلى سنة 320ه.
عرض موجز لشئون الخلافة وأحوال الخلفاء من عهد المتوكل إلى نهاية عهد المقتدر.
الفصل الأول
في عصر الانحلال الأول، وعرض شئون
الخلافة
يعتبر عهد المتوكل على الله جعفر بن المعتصم (232-247ه/847-861م) بداية دور الانحلال في الدولة العباسية؛ فقد كان ضعيف الإرادة، محدود الفكر، يكره البحث والمناظرة، ويميل إلى التقليد والتسييب، وحب اللعب واللهو، والحياة اللينة والمضاحك، هذا إلى ما كان عليه من سذاجة وتسييب لأمور الدولة، والاعتماد في إدارتها على كبار القادة الأتراك، الذين قوي سلطانهم في عهده، وامتد نفوذهم إلى كل مرافق الدولة، حتى بلغ بهم أن تآمروا عليه مع ولي عهده محمد المنتصر، فقتلوه شر قتلة، وقد تولى كبر ذلك بغا الصغير المعروف بالشرابي ووصيف وباغر ففتكوا به، وولوا ابنه محمدا المنتصر صبيحة مقتل أبيه، وقد أراد الخليفة الجديد أن يحافظ على عرشه، ولكن جهوده ذهبت سدى، ولم يطل عهده أكثر من ستة أشهر، سمه المتغلبون الأتراك بعدها، ثم أجمع أمر قادتهم على ألا يولوا أحدا من أولاد المتوكل لئلا يطالبهم بدم أبيه، فولوا المستعين أحمد بن المعتصم (سنة 248)، ثم لم يلبث الأتراك أن استولوا على أمر المستعين كله وتولى وزارته أتامش أحد القواد، فكان هو صاحب الحل والعقد، حتى إذا حكم أربع سنوات، مل القواد حكمه، واضطروه على أن يخلع نفسه ثم قتلوه سنة 252، وولوا بعده المعتز بالله محمد بن المتوكل، وكان عاقلا حازما، أراد أن يستعيد للسلطان أبهته، فلم يمكنه القادة الأتراك، ومن أطرف ما يروى في هذا المقام ما حكاه ابن طباطبا في الفخري قال: «لم يكن بسيرته ورأيه وعقله بأس، إلا أن الأتراك كانوا قد استولوا منذ قتل المتوكل على المملكة، واستضعفوا الخلفاء؛ فكان الخليفة في يدهم كالأسير، إن شاءوا أبقوه، وإن شاءوا خلعوه، وإن شاءوا قتلوه. ولما جلس المعتز على سرير الخلافة، قعد خواصه وأحضروا المنجمين وقالوا لهم: انظروا كم يعيش وكم يبقى في الخلافة؟ وكان بالمجلس بعض الظرفاء، فقال: أنا أعرف من هؤلاء بمقدار عمره وخلافته. فقالوا له: فكم تقول إنه يعيش وكم يملك؟ قال: مهما أراد الأتراك. فلم يبق في المجلس إلا من ضحك.»
وقد حاول المعتز بالله أن يتخذ حرسا من عنصر جديد غير الأتراك، لعلهم يقفون في وجههم، فاتخذ حرسا من المغاربة، وأمر بإسقاط اسمي وصيف وبغا من قوائم القادة، وكتب بذلك إلى الأقاليم، ولكنهم استطاعوا أن يتغلبوا عليه وتآمروا مع الجنود المغاربة على خلعه، فدخلوا عليه باب حجرته وهو مريض، قد أخذ الدواء، فجروه برجله ثم خرقوا جسم المريض بالدبابيس وأقاموه في الشمس حتى مات عطشا بسر من رأى 255ه/869م، ثم ولوا بعده المهتدي بالله محمد بن الواثق، وكان متدينا ناهجا على منهج الخلفاء الراشدين، ورووا عنه أنه قال (كما في تاريخي النبراس، والفخري): إني أستحيي من الله ألا يكون في بني العباس مثل عمر بن عبد العزيز في بني أمية، وقد أراد أن يسير بالناس سيرة حسنة، ويعيد للخلافة مجدها، ويقضي على نفوذ الأتراك، فأمر بقتل زعيمهم «بايكباك» التركي فلما قتل هاجت الأتراك، ووقعت الحرب بينهم وبين المغاربة، وقتل من الفريقين عدد كبير، واشتدت الفتنة حتى خرج المهتدي فيها والمصحف في عنقه، وهو يدعو الناس إلى نصرته والقضاء على الأتراك المتغلبين، وقد أبلى الجنود المغاربة والفراغنة في ذلك بلاء حسنا، ولكن القائد «طببغا» أخا «بايكباك» استطاع أن يتغلب عليهم، وانهزم الخليفة والسيف في يده وجراحه تسيل دما، فلحق به بعض الأتراك وقتلوه شر قتلة وولوا مكانه المعتمد بن المتوكل سنة 256 وكان ضعيفا.
وفي تلك الأيام طمع أصحاب المطامع بالاستقلال بالأقاليم لما رأوا ما في العاصمة من الفوضى والاضطراب، فقويت في نفوسهم فكرة القيام بالثورات؛ ففي سنة 249 ثار عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي في الكوفة، واجتمعت إليه الزيدية ودعا إلى «الرضا من آل محمد». وفي سنة 250 ثار الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن علي في طبرستان ، فتملكها، كما تملك جرجان إلى سنة 270، ثم قام أخوه محمد بن زيد من بعده فضم إليه مملكة الديلم أيضا، وبقي يحكمها إلى أن قضى عليه السامانيون سنة 287. وفي سنة 255 كانت ثورة صاحب الزنج التي أقلقت بال الخليفة، وقلقلت أركان الدولة وكاد الثوار أن يفوزوا على جيش الخليفة، ولكن أخا الخليفة الموفق طلحة استطاع سنة 270ه/883م أن يقضي على تلك الثورة التي دامت أكثر من أربع عشرة سنة، وتركت وراءها ويلات وآثارا مخيفة من التدمير والفساد.
অজানা পৃষ্ঠা
1
ولما مات المعتمد بالله سنة 279ه تولى الأمر المعتضد أحمد بن الموفق بن المتوكل، وكان فتى شجاعا نبيلا عاقلا حازما، ولكنه ولي الأمر والدنيا خراب والثغور مهملة، فقام قياما مرضيا، حتى عمرت مملكته، وكثرت الأموال وضبطت الثغور، وكان قوي السياسة، شديدا على أهل الفساد، حاسما لمراد أطماع عساكره عن أذى الرعية ... وكانت أيامه أيام فتوق وخوارج كثيرين، منهم: عمرو بن الليث الصفار الذي كان قد عظم شأنه واستولى على أكثر بلاد العجم
2
كما سنرى تفصيل ذلك بعد.
ولما مات المعتضد سنة 289 تولى الأمر ابنه المكتفي بالله، وكان من أفاضل الخلفاء، وقد أراد أن يعيد للخلافة عزها، ولكنه لم يفلح؛ ففي أيامه خرج القرامطة، وكانت فتنتهم عظيمة، لقي الإسلام بها بلاء جسيما. وفي أيامه استقر الأمر للدولة الساسانية في بلاد خراسان، فاقتطع جزء كبير من أملاك الخلافة، ولما مات المكتفي سنة 295 تولى الأمر بعده المقتدر بن المعتضد، وكان فتى لم يتجاوز الثالثة عشرة، وقد أثار توليه الخلافة - وهو غير بالغ - بعض الاضطراب بين أهل الرأي، وانقسم الفقهاء والمحدثون في جواز ذلك أو عدمه،
3
ولم ينته هذا الاضطراب إلا بعزله وتولية عبد الله بن المعتز، ولكنه لم يلبث إلا يوما وليلة، ثم استطاع أنصار المقتدر، وعلى رأسهم القائد «مؤنس» المظفر أن يعيدوه إلى دست الخلافة، وفي أيام المقتدر قوي شأن القرامطة وضعف شأن الخلافة ضعفا لا مزيد عليه؛ فقد كان شابا غرا لا يعرف شيئا من الكياسة ولا السياسة، وكانت تدير الأمر أمه السيدة «شغب» وقهرمانة (ثمل)، فهما اللتان كانتا تقومان بشئون الدولة، وتأخذان الرشى، وهو لاه ساه كما كان مواليه من الأتراك، كمؤنس ومحمد بن ياقوت هم الذين يدبرون الدولة، والحق أن أيامه كانت أسوأ عهد مرت به الدولة العباسية منذ تأسيسها؛ لأن النساء والخدم والأشرار كانوا هم المسيطرين، وقد استمرأ هؤلاء الأشرار لذة الحكم في عهد هذا الصبي الذي انصرف - حتى بعد أن بلغ سن الرشد - إلى اللهو والإسراف والانغماس في الشهوات، ومن سوء حظ الأمة أن عهده قد دام طويلا، فاستشرى الفساد، وأخذ الوزراء والكتاب والقادة يتناطحون ويتآمرون، حتى عم البلاء وانتشر الشر ووقعت الفتنة في البلاد داخلها وخارجها، وكان خاتمة ذلك كله مقتل الخليفة سنة 320ه/932م، وبقتله عمت الفوضى، وطغت على الدولة العباسية موجة فتن وجراح لم تلتئم إلا بعد فترة طويلة.
الفصل الثاني
في بيان مظاهر الضعف والانحلال في
الدولة ونتائج ذلك
অজানা পৃষ্ঠা
الواقع أن التعمق في دراسة التاريخ العباسي في هذه الفترة ما بين سنة 232 و320ه له شأن كبير في تفهم تاريخ هذه الدولة بصورة خاصة، وتفهم التاريخ الإسلامي بصورة عامة؛ فإن الهزات التي حلت بالعالم الإسلامي في ذلك القرن كانت هزات عميقة الأثر، قوية النتائج، وما يزال العرب والمسلمون حتى الآن يتحملون نتائج تلك الهزات، وإن الأحداث السياسية والاجتماعية والدينية والعقائدية التي وقعت في هذه الفترة هي أحداث خطيرة، غيرت كثيرا من مجرى التاريخ الإسلامي وطورته بشكل خاص، ويتجلى لنا ذلك في النقاط الخمس الآتية: (1)
إن استكثار الخلفاء من العنصر التركي في الدولة، قد كان عاملا أساسيا في زعزعة أركانها، وقلقلة دست الخلافة، وقد كان عمل الواثق بالله، الذي استكثرهم وقربهم وسلطهم، عملا أحمق، كان من نتائجه تسلط هذا العنصر الهدام الغريب على مرافق الدولة والتطويح بالمبادئ السامية التي قامت الدعوة العباسية من أجلها، من سياسية، وإدارية، وثقافية، ودينية. (2)
برز في هذا العصر عنصر جديد، كان له أثر كبير في تهديم أركان الدولة، ألا وهو عنصر النساء الجاهلات، من أمهات الخلفاء وقهرماناتهم، وجواري قصورهم، أمثال: أم المستعين، وأم المعتز، وأم المقتدر، وقهرمانته «ثمل» وغيرهن من النساء الغريبات عن البيئة العربية، واللواتي ما كان يهمهن سوى أغراضهن الخاصة وحب السلطان والحكم والمال. (3)
كان من نتائج هذا الضعف في الإدارة والاستكثار من الأتراك وسيطرة النساء والانحلال في مقر الخلافة أن قويت مطامع الطامعين في الأمصار والأقاليم النائية والقريبة، واشتدت رغبات الطامحين إلى الحكم والاستقلال ببلادهم، وفصلها عن جسم الدولة العباسية، وقوي تذمر المتذمرين فانسلخ عن جسم الدولة كثير من الأقاليم، كانسلاخ اليمن على يد يعفر بن عبد الرحيم، وانسلاخ سجستان على يد الأسرة الصفارية، واستقلال خراسان وما وراء النهر بزعامة الطاهريين والسامانيين، وانفصال مصر أيام بني طولون والإخشيد، وتقلص الموصل وشمالي الشام وديار بكر وما إليها بزعامة بني حمدان، أو كسيطرة نفر على مركز الخلافة نفسه، كما فعل فيما بعد البويهيون والسلاجقة ثم المغول. (4)
رأى العلويون على اختلاف فرقهم من جعفرية، وزيدية، وإسماعيلية، ضعف الدولة، فقاموا يطالبون بحقهم السليب بقوة وعلنية، وكان من نتائج ذلك أن قام الإمام الحسن بن زيد الأطروش بحركته الزيدية في جرجان وطبرستان، تلك الحركة التي قوي نشاطها حتى امتدت إلى بغداد، وقام صاحب الزنج بحركته في البصرة وما إليها، وثار الإسماعيلية والقرامطة على مغتصبي حقوقهم، وكان من أمرهم ما هو معروف. (5)
حين قوي الانقسام بين القادة من الأجناد الأتراك، وضعف أمرهم بعض الشيء وأراد الخلفاء إيجاد عنصر قوي في مجال السياسة، برز عنصر جديد هو عنصر الكتاب والوزراء، وقد كان لهذا العنصر القوي من رجال العلم أثر واضح في إدارة البلاد، أمثال بني خاقان، وبني الفرات، وبني وهب، وبني مقلة، وبني مخلد، وقد كان هؤلاء الكتاب الوزراء يختصمون فيما بينهم، ففسدت أمور الدولة من جديد فسادا لا يقل عن فسادها بالقادة الأتراك؛ لأن طمعهم بجمع الأموال والسيطرة على مرافق الدولة قد أفسد الأمر، وسار بالدولة نحو الخراب والإفلاس.
هذه هي بعض مظاهر الضعف الخطيرة التي حلت بالدولة العباسية في الفترة التي نؤرخها، وهي كما نرى مظاهر ذات أثر واضح في السير بالدولة في طريق الانحلال فالانهيار، ولو لم يسبغ العباسيون على خلافتهم ذلك الثوب الإلهي والرداء الديني المحمدي لاضمحل أمرها سريعا، ولم تستطع البقاء ولو بذلك المظهر الصوري إلى أن قضى عليها هولاكو.
الفصل الثالث
مجالي الانحلال في جسم الدولة
لم تتبدل أكثر الأوضاع العامة من إدارية واجتماعية وفكرية وسياسية في هذا العصر، عما كانت عليه في العصر العباسي الأول تبدلا ذا معالم بارزة، ولكن هناك مجالي جديدة ظهرت في تلك الحقبة، ولا بد لنا من وقفة أمام بعض الأوضاع التي تبدلت لتبين حقيقة ما كانت عليه وما طرأ عليها من تطور، أو ما حدث ولم يكن من قبل، وإن من أبرز ما يلحظ المرء في هذه الفترة من مجالي انحلال الدولة وتبدلها عما كانت عليه، يمكن إجماله في النقاط السبع الآتية: (1) ضعة شأن الخلافة وانحطاط مركز الخليفة انحطاطا ملموسا
অজানা পৃষ্ঠা
لقد كان لتدخل القواد الأتراك، ثم الوزراء والكتاب، ثم النساء أثر واضح في إيجاد تلك الضعة؛ فكثير من الخلفاء قتل وأهين، وكثير منهم سملت عيناه وعذب، وكثير منهم خلع، حتى أصبح الخليفة شبحا يؤمر فيطيع، ويطلب إليه أن يولي من يريده القادة أو الوزراء، فيوليه دون أية مناقشة، ويأمرونه أن يعزل من لا يرضون عنه فيعزله، وقد يكون كارها لذلك. ويحفظ لنا التاريخ كلمة للخليفة الراضي تبين سوء حال مركز الخليفة، قال: وكأني بالناس تقول: «رضي هذا الخليفة بأن يدبر أمره عبد تركي حتى يتحكم في المال، وينفرد بالتدبير، ولا يدرون أن هذا الأمر قد فسد قبلي، وأدخلني فيه قوم بغير شهوتي، فسلمت إلى ساجية وحجرية،
1
يتسحبون علي، ويجلسون في اليوم مرات، ويقصدونني ليلا، ويريد كل واحد منهم أن أضعه دون صاحبه وأن يكون له بيت المال، وكنت أتوقى الدماء في تركي الحبل عليهم إلى أن كفاني الله أمرهم، ثم دبره ابن رائق فدبره أشد تسحبا في باب المال وانفرد بشربه ولهوه.»
فإننا نرى أن الراضي كان ضاق ذرعا مما صارت إليه منزلة الخلافة، وأنه يتبرأ أن يكون هو الذي تساهل فأوصل منزلة الخلافة إلى ذلك الدرك، فيقول: إن هذا أمر كان منذ القديم، فهو لا يستطيع أن ينجي الخلافة منه. (2) ظهور منصب «إمارة الأمراء»
وهي وظيفة استخلصها لنفسه «زعيم القادة الأتراك»، وصار بموجبها أكبر رئيس في الدولة الإسلامية، يتولى أمورها فعلا، ويترك المظاهر الشكلية للخليفة، وأول من تولى هذا المنصب هو ابن رائق آمر الجيش وقائده الأعلى؛ فقد اتفق هو والقواد الكبار سنة 304ه، على أن يتولى هو بنفسه إدارة الدولة ورئاسة الجيش، ويدير المملكة فكان له ذلك، وخطب له مع الخليفة على جميع منابر الممالك التابعة للدولة، واستطاع أن يسيطر على أموال الدولة، بينما صار الخليفة شبه موظف يتسلم راتبه آخر الشهر، وينقش اسمه على السكة مع اسم أمير الأمراء، وقد استمر هذا الأمر حتى دخول بني بويه إلى بغداد سنة 334ه، كما سنرى تفصيل ذلك. (3) اضطراب شأن «ولاية العهد»
لم يبق لولاية العهد إلا شكلها الظاهري بعد أن استقر الأمر نهائيا على أن يكون الترشيح لمنصب الخلافة بيد المتنفذين من قادة الجيش وكبار الوزراء، يولون الأمر من يشاءون ويخلعون من يشاءون، ويسمون لولاية العهد من يشاءون، ثم يبدلونه حين يريدون، فهم أصحاب السلطة الحقيقية، وهم الذين يبدءون بمبايعة الخليفة (البيعة الخاصة)، فإذا انتهوا من ذلك، أذنوا للناس أن تبايعه (البيعة العامة). (4) على الرغم من ضعة شأن الخلافة بقيت بعض المزايا للخليفة
يلاحظ أنه على الرغم من ضعة شأن الخلافة وظهور أمير الأمراء قد بقيت بعض المزايا الخاصة بالخليفة، مثل تمتعه باحترام جمهور المسلمين، وولائهم له، والنظر إليه على أنه مرجعهم الديني الأعلى، يلجئون إليه في الملمات ويتوسلون به إلى الله؛ ولذلك حرص أمير الأمراء، الذي استحوذ على السلطة الفعلية، على أن يحفظ للخليفة من المظاهر الشكلية بما لا يجرح شعور العامة أو يطعن عواطفهم تجاه هذا المنصب الديني الرفيع؛ ولهذا ظلت المراسيم والقوانين والمشاريع كلها تصدر باسم الخليفة. بينما كانت يداه مغلولتين، وهو مغلوب على أمره، وقد كان لهذا الأمر أثره في بقاء نوع من التماسك في كيان الدولة الإسلامية على تفكك أوصالها، كما أشرنا إليه فيما مضى؛ فقد ظل كل المسلمين في كافة أجزاء الدولة المتفككة، المستغلة أجزاؤها، ينظرون إلى الخليفة كأنه هو القوة الجامعة لهم جميعا، الموحدة لآمالهم، وشعورهم الديني؛ لأنه إمامهم الديني وحامي حمى عقيدتهم. (5) قوة نفوذ منصب الوزارة
فقد كان الوزير في السابق كاتبا، يتلقى أوامر الخليفة فيبلغها من يريد أو يستكتبه فيكتب له، أو يستشيره فيشير عليه، وحيثما كان يحس الخليفة بتعاظم نفوذ وزيره أو يشعر بأية ريبة منه يقصيه عن منصبه أو يصادره ويقتله، أما في هذه الفترة فقد صارت الوزارة إلى مكانة سامية، وربما نافست صاحب السلطة العسكرية نفسه، أمير الأمراء، وخصص لصاحبها دار ومقر إلى جانب دار الخلافة، إن لم يكن في دار الخلافة نفسها، يتصرف بما يريد، ويحكم بما يشاء، ووجدت فترة أصبحت الوزارة فيها وراثية في بعض البيوتات أو كالوراثية، يتناقلها آل بيت واحد، كابرا عن كابر، كآل الفرات، وبني وهب، وبني متلة، وغيرهم ممن سبق ذكرهم، وقد أضفي على الوزارة في هذه الفترة كثير من ألقاب التضخيم والإطناب، ومنح صاحبها أسمى الرتب، وأعلى الامتيازات والشارات، التي كان بعضها قبلئذ من خصائص الخليفة. (6) ظهور نوع من الدواوين الجديدة
ظهر نوع من الدواوين الجديدة التي اقتضتها تطورات الحالة العامة في البلاد مثل «ديوان الاستخراج»، شقيق «ديوان المصادرات» وهو الديوان الذي كان يتولى صاحبه التحقيق عن الأموال المصادرة للكتاب والوزراء والقادة، الذين يفصلون عن أعمالهم، وقد عظم شأن هذا الديوان في أخريات هذا العصر لكثرة المصادرات، واضطراب الأمور، وحاجة الدولة إلى الأموال لقلة الوارد وكثرة النفقات، وسوء الإدارة وكثرة ارتشاء العمال والقادة والوزراء ومن إليهم، ومثل «ديوان ضريبة الإرث» التي أحدثت في خلافة المعتمد فيما يظهر. (7) قوة شأن أصحاب العقائد والأفكار الدينية والاجتماعية والفلسفية
كانت الدولة في العصر الماضي تحمل على هذه الأفكار بقوة كالزنادقة والقرامطة والخوارج؛ فقد تنفس هؤلاء القوم الصعداء، لضعف شأن الخلافة وانصراف أهل الحل والعقد فيها عن الاهتمام بالأمور العقائدية والفكرية والدينية والاجتماعية ، إلى مصالحهم الشخصية، وجمع الأموال وبناء القصور، وتقوية النفوذ والسلطان، فإذا تعرض أصحاب العقائد والحركات إلى شيء من مصالح أولي الحل والربط، قاموا عليهم وفتكوا بهم، وإلا ألقوا حبلهم على غاربهم.
অজানা পৃষ্ঠা
الفصل الرابع
في نتائج الانحلال
نتج من انحلال الدولة العباسية في هذا الحين أمران خطيران رئيسيان؛ الأول: انقسام الدولة إلى دويلات. والثاني: قوة أمر أصحاب العقائد والمذاهب المخالفة لمذهب الخلافة.
وإليك تفصيل هذين الأمرين: (1) ظهور الدويلات الجديدة وهي (1) الدولة الطاهرية. (2) الدولة الزيادية. (3) الدولة الزيدية. (4) الدولة الصفارية. (5) الدولة السامانية. (6) الدولة الساجية. (7) دولة الأدارسة. (8) دولة الأغالبة. (9) دولة الطولونيين. (10) دولة الإخشيديين.
فقد كان طبيعيا، بعد هذا الانحلال الذي رأينا مظاهره ومجاليه، أن تتجزأ الدولة الكبرى وتنفصل عنها دويلات ترتبط بها اسما، وما هي في الحقيقة إلا دولة مستقلة، استقل أصحابها ببلادهم، وتمتعوا بخيراتها وأبقوا للخليفة الاسم الوهمي الذي لا طائل تحته، ولم يبقوا له إلا النفوذ الروحي والأثر الديني، والحق أن أولى هذه الدويلات التي استقلت في المشرق استقلالا حقيقيا عن دولة الخلافة، هي الدولة الصفارية، أما الدولة الطاهرية، التي يرجع عهدها إلى ما قبل العصر الذي نؤرخه، فقد أبقت بعض العلائق القوية بينها وبين المركز في بغداد، وإنما نذكرها ها هنا؛ لأنها هي أولى الدول التي ابتدعت بدعة الانفصال، وقد أشرنا إلى بعضها في «عصر الازدهار». (1-1) الدولة الطاهرية (205-259ه/820-872م)
أول من أسس هذه الدولة هو الأمير طاهر بن الحسين بن مصعب الخراساني، وهو من بيت عريق في إيران، ولد ببوشنج من أعمال مرو سنة 159ه، وكان جده مصعب بن زريق بن ماهان، واليا عليها وعلى هراة، وكان قبل ذلك كاتبا وصاحب سر سليمان بن كثير الخزاعي أحد دعاة الدولة العباسية.
نشأ طاهر ببوشنج كما ينشأ أبناء الوجوه، وكان شجاعا أديبا، وهو أحد قواد المأمون، لعب دورا هاما في الفتنة بين الأمين والمأمون، وكانت له يد كبيرة في فوز المأمون على أخيه، فكافأه المأمون على بلائه الحسن لما تم له النصر على الأمين، وذاعت شهرته وسمت مكانته، فولاه الجزيرة وجانبي بغداد ، وأحسن القيام بأعماله هذه. وفي سنة 205ه ولاه أمر خراسان، وما إليها إلى أقصى المشرق فسار بالناس أحسن سيرة، وحمد له المأمون والأهلون دهاءه وعقله وأمانته، قال ابن طيفور في تاريخ بغداد، نقلا عن يحيى بن أكثم إن المأمون قال: «ما حابى طاهر في جميع ما كان فيه أحدا، ولا مالأ أحدا، ولا داهن ولا وهن ولا وني ولا قصر في شيء، وفعل في جميع ما ركن إليه ووثق به أكثر مما ظن له وأمله، وأنه لا يعرف أحدا من نصحاء الخلفاء وكفاتهم فيمن سلف عصره ومن بقي في دولته، على مثل طريقته ومناصحته وغنائه وإجزائه.» ويظهر أن الثقة التي وثقها المأمون بعامله، جعلت طاهرا يغتر بنفسه بعد أن أقام فترة في خراسان؛ فقد طمحت نفسه إلى الانفصال عن الدولة، وأعلن عصيانه على الخليفة سنة 207ه، ولما كتب إليه الخليفة بغضه على بعض ما بلغه عنه، أجابه طاهر بن الحسين جوابا أغلظ فيه، ثم تطور الأمر بين الخليفة وطاهر، فقطع طاهر في الخطبة للخليفة، وساءت الأمور. روى صاحب بريد المأمون في مرو قال: حضرت مرة صلاة الجمعة فصعد طاهر المنبر، فخطب، فلما بلغ إلى ذكر الخليفة أمسك عن الدعاء له وقال: اللهم أصلح أمة محمد
صلى الله عليه وسلم
بما أصلحت به أولياءك،
1
অজানা পৃষ্ঠা
ولما وصل صاحب البريد إلى المأمون وأخبره بخبر طاهر غضب، وأراد أن يفتك به، ولكنه أدرك قوة سلطانه في إقليمه، فأحجم عن ذلك، ثم إن طاهرا لقي حتفه فجأة، وعلى الرغم من اضطراب أقوال المؤرخين في سبب وفاته، فيظهر أن المأمون قد سلط عليه من دس له السم فهلك.
قال صاحب الفخري، ص199: «كان المأمون، لما ولى طاهر بن الحسين خراسان استشار فيه أحمد بن أبي خالد الأحول وزيره، فضرب أحمد الرأي في توليته طاهر، فقال المأمون لأحمد: إني أخاف أن يغدر ويخلع ويفارق الطاعة. فقال أحمد: الدرك في ذلك علي. فولاه المأمون. فلما كان بعد مدة أنكر المأمون عليه أمورا، وكتب إليه كتابا يتهدده، فكتب طاهر جوابا أغلظ فيه للمأمون، ثم قطع اسمه من الخطبة ثلاث جمع، فبلغ ذلك المأمون، فقال لأحمد: أنت الذي أشار بتولية طاهر، وضمنت ما يصدر منه، وقد ترى ما صدر منه من قطع الخطبة ومفارقة الطاعة، فوالله لئن لم تتلطف لهذا الأمر وتصلحه كما أفسدته، وإلا ضربت عنقك. فقال أحمد: يا أمير المؤمنين طب نفسا، فبعد أيام يأتيك البريد بهلاكه، ثم إن أحمد أهدى لطاهر هدايا فيها كوامخ
2
مسمومة، وكان طاهر يحب الكامخ فأكل منها فمات من ساعته.»
وقد رأى المأمون ألا يقصي آل طاهر عن الحكم لما رآه من قوة سيطرتهم على تلك البلاد، فولى طلحة بن طاهر موضع أبيه، وقد احتفظ أبناء طاهر بسلطانهم على تلك الديار فترة غير قصيرة، وكان هذا أول حدث في تجزئة الإمبراطورية الإسلامية.
وأبرز أمراء آل طاهر هو عبد الله بن طاهر، وكان عمره حين لمع اسم أبيه في حوادث الأمين نحو ست عشرة سنة، وتربى في كنف المأمون، وكان يحبه ويحسن إليه، فلما كبر ولاه محاربة شيث بن ربعي، ثم ولاه شرطة بغداد، ثم بعث به إلى مصر لما ثار أميرها عبيد الله بن السري، فوضع الأمن في نصابه، لما كان عليه من الدهاء والسياسة والإدارة. وفي سنة 213ه ولاه خراسان وما إليها من بلاد المشرق، فثبت أركان الدولة كما وطد دعائم حكم الأسرة الطاهرية فيها. ثم تتابع على الحكم جماعة من آل طاهر، كانوا يدينون للخلافة اسما وهم مستقلون بالبلاد فعلا، يستغلونها لأنفسهم، ويوسعون حدودها، حتى بلغت تخومهم الهند، ونقلوا عاصمتهم من مرو إلى نيسابور وظلوا في الحكم إلى أن أجلاهم الصفارون واستولوا على بلادهم.
3
وهكذا انتهت أيام هذه الدولة، التي هي أولى الدول الفارسية المنفصلة عن جسم الإمبراطورية الإسلامية، والتي شجعت أصحاب المطامع من الفرس وغيرهم عن الانفصال، واستطاع الطاهريون بمواهبهم وذكائهم أن يستمروا في الحكم عهدا طويلا، لما كانوا يتمتعون به من مواهب وكفايات وحب للعلم وأهله، ولما لهم من مكانة محلية بين أهل تلك الديار، ولما عزم المعتصم، الذي كان يكره عبد الله بن طاهر، على أن ينقله من خراسان إلى ولاية أخرى لم يستطع تنفيذ إرادته، بل عمل على قتله في الخفاء، وحين هلك عبد الله وأراد الواثق أن يولي إسحق بن إبراهيم المصعبي لم ينفذ فكرته لخشيته من ألا تتم. ولو لم يكن آخر الطاهريين - وهو محمد بن طاهر - ضعيف الإرادة، ميالا إلى اللهو، لما استطاع يعقوب بن الليث الصفار أن يقصيه عن إمارته ويقضي على دولته.
ويجب أن نعلم أن عهد الطاهريين في خراسان كان على العموم عهدا طيبا؛ فقد كانوا - وخصوصا عبد الله - على جانب عظيم من الثقافة وحسن الإدارة، وحب الخير، فنشروا العلم وقربوا العلماء، وأحيوا الأرض الموات، ونظموا الري والسقاية، وجمع عبد الله جماعة من أئمة الفقهاء وأهل الرأي وطلب إليهم دراسة أوضاع الري ومشاكله من الناحية الفقهية والقضائية، فألفوا له كتاب «القني» ولكن فقد مع الأسف.
ولم تكن صلات الطاهريين بالخليفة في بغداد - على الغالب - صلات جفاء، بل كانوا حسني الصلة مع المركز، يقدمون ما عليهم لبيت المال، ويذكر قدامة بن جعفر أن مقدار الخراج الذي كان يدفعه الطاهريون بلغ «48 ألف ألف درهم»، وكان الطاهريون على استقلالهم بإمارتهم لا يقطعون صلتهم ببغداد وأهلها، وهذا ما جعلهم يحرصون على استبقاء ولاية الشرطة في بغداد بأيديهم، حتى بعد أن أجلاهم الصفارون عن ولايتهم في خراسان والري وطبرستان وجرجان وكرمان وسجستان، كما سنرى تفصيل ذلك بعد. (1-2) الدولة الزيادية (203-253ه)
অজানা পৃষ্ঠা
كان أهل اليمن منذ نشأة دولة بني العباس لا يقرون بدولتهم؛ لأنهم يميلون إلى «آل علي» ويرون أن «آل العباس» قد ظلموا العلويين وفتكوا بهم؛ فلذلك لم يخضعوا لحكمهم خضوعا تاما، وكانوا يتحينون الفرص لخلع طاعتهم وتأسيس دولة علوية مستقلة، فكانت الثورات في اليمن لا تهدأ؛ ولذلك بعث إليهم المأمون بقائد عربي قوي هو محمد بن إبراهيم الزيادي، أحد أبناء زياد بن أبي سفيان، فولاه اليمن في سنة 203ه، وكان إنسانا قويا فاتكا، فتوجه إلى مكة للحج، ثم قصد اليمن ففتح تهامة، واختط مدينة زبيد، ثم شرع في تتمة فتح بلاد اليمن حتى أخضعها جميعها، وقضى على روح الثورة، وأرجع الخطبة للعباسيين، وما زال أمر الزيادي هذا في نمو، وسلطانه في قوة، حتى صار كالملك المستقل، إلا أنه استمر في ولائه للعباسيين، وفي حمل الهدايا والخراج إليهم.
وقد طال ملكه إلى سنة 245ه، ثم انتقل الأمر إلى أبنائه وأحفاده فمواليهم إلى سنة 253ه، وهذه الدولة هي أولى الدول التي انفصلت عن بغداد في الجزيرة العربية، ولم يعد للخلفاء العباسيين ومن بعدهم من حكام العراق وغيره، سيطرة على اليمن منذ ذلك الحين؛ فقد قامت بعد الدولة الزيادية دول علوية الهوى زيدية المذهب، استمرت في السيطرة على اليمن إلى أيام الفتح العثماني. (1-3) الدولة الزيدية (250-355ه)
كان العلويون ينتهزون كل فرصة للقيام بحركات طلبا لحقهم في الخلافة؛ ففي أيام الفتنة بين «الأمين والمأمون»، قاموا يطالبون بحقوقهم، ويعلنونها ثورة على العباسيين، وكانت لهم حركات أخرى، منها حركة أبي السرايا السري بن منصور، الذي ثار بالكوفة ومعه ابن طباطبا سنة 199ه وهو محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن، وامتد نفوذه حتى بلغ واسطا والحجاز، ولولا موت ابن طباطبا، ثم موت أبي السرايا نفسه سنة 201ه، لكان لهذه الحركة العلوية شأن آخر. وفي أيام المعتصم ثار منهم محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي في الكوفة، وعظم أمره إلى الطالقان في خراسان، وهو يدعو إلى «الرضا من آل محمد» فاجتمع إليه خلق كثير، ووقعت بينه وبين عبد الله بن طاهر أمير خراسان وقعات، ثم أسر محمد، وسيق إلى المعتصم، فحبسه بسامراء سنة 219ه، ثم تمكن من الهرب ولم يعرف له خبر، ويعتقدون أنه حي غائبا، وأنه يعود ويملأ الأرض عدلا.
وفي أيام المتوكل، الذي كان يعلن عداءه لآل علي وشدة كراهيته لهم، وهدم قبر الحسين وما حوله، ثار يحيى بن عمر بن يحيى بن زيد بن علي بن الحسين، فتمكن المتوكل منه وحبسه في سجن المطبق ببغداد، ثم تمكن من الفرار، فتجمع حوله نفر كبير من الزيدية والأعراب، ولكنه لم يوفق إلى الوصول لهدفه وقضى على حركته سهل بن هارون. وفي أيام المستعين خرج ثانية وتمكن من الاستيلاء على الكوفة، وبلغت دعوته بغداد، فانضم إليه كثير من أهلها وقوي سلطانه إلى أن كانت سنة 250ه فخرج وبعث إليه الخليفة بالحسين بن إبراهيم المصعبي، والتقى جمعاهما ظاهر الكوفة، ودارت الدائرة على يحيى فقتل ومثل به، فلما بلغت أخباره الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن ثار بطبرستان واستولى على عاصمتها آمل، ثم على سارية وسائر بلاد طبرستان والديلم، واستطاع بما أوتي من قوة وعلم أن يؤسس دولة قوية دامت نحو قرن، تولى فيها الحسن بن زيد 250-270ه، ومحمد بن زيد القائم بالحق 270-278ه، وحكم فترة طويلة استطاع فيها أن يقوي نفسه، ويرتب بعوثه ودعاته لنشر دعوته الزيدية حتى تغلب السامانيون عليها، كما سنرى. وفي سنة 301ه تمكن الحسن الأطروش بن علي بن الحسين بن علي بن عمر بن زين العابدين أن يعيد سلطان الزيدية من جديد على بلاد طبرستان والديلم وظل إلى سنة 304ه، ثم خلفه الحسن بن القاسم بن علي بن عبد الرحمن، ومعه أولاد الأطروش من سنة 304 إلى سنة 355 وفي هذه السنة انتهى أمر الدولة الزيدية. (1-4) الدولة الصفارية (247-289ه)
كان الخوارج قد استقروا في سجستان وثبتوا أقدامهم فيها منذ زمن بعيد، ويظهر أنهم منذ أوائل القرن الثالث قد انقلبوا إلى عصابات تفتك بالناس، وتقطع السبيل، حتى لقي الأهلون منهم عناء كبيرا، فألفوا فرقا متطوعة للدفاع عن أنفسهم، ومحاربة هؤلاء الخوارج القساة، الذين لم تتمكن الدولة من إخضاعهم، وقد استطاع صالح بن النضر الكناني، أحد قادة هذه الفرق المتطوعة، أن يستولي على العاصمة، ويطرد عامل آل طاهر عنها، وكان بين أجناد صالح أخوان كانا يشتغلان في حداثتهما بعمل الصفر، وهما يعقوب بن الليث وأخوه عمرو بن الليث، وقد استطاع يعقوب بذكائه ودهائه أن يتقرب من صالح وتسمو مكانته بين الجند، لما كان له من بلاء حسن في قتال الخوارج وقطع دابر المفسدين. وحدث في سنة 247ه أن مات صالح، وتولى إمرة المتطوعة رجل ضعيف اسمه درهم بن الحسين، وكان درهم هذا لا يساوي شيئا ولا يصلح للإمرة، فرأى المتطوعة أن يعزلوه ويولوا يعقوب بن الليث مكانه، فلما أن تولى قيادتهم، وكان ذلك في 6 محرم سنة 247، أبلى أحسن البلاء في قتال الخوارج والشراة، واستولى على هراة وبوشنج وما إليهما سنة 253ه، ثم وجه همته إلى قتال أمراء الترك والديالم بتخوم سجستان فانتصر على كثير من ديارهم، وأذعن له أمراء الملتان وذابلستان والسند ومكران، وفي سنة 256ه استولى على كرمان، وكان الخليفة المعتز بالله قد أعطاها له، ولوالي فارس علي بن الحسين، وقد حاول علي أن يسبق يعقوب إلى احتلال كرمان، ولكن يعقوب سبقه فتغلب عليها وهزم جنده، وما زال يطارده حتى ألجأه إلى شيراز عاصمة إقليم فارس، وانتهز يعقوب مناسبة نصره هذا فبعث بحلائل الهدايا إلى الخليفة يؤكد له ولاءه، ويرجوه أن يوليه على بلاد فارس، وأن يعزل عنها علي بن الحسين، على أن يقرر عليه خمسة عشر ألف درهم، ثم شخص على أثر كتابته بذلك للخليفة متوجها إلى كرمان فاستولى عليها، ثم توجه إلى شيراز فحاصر الحسين بن علي واستولى عليها في جمادى الأولى سنة 255ه، وضم إقليم فارس إلى دولته فارتفع ذكره، وسما قدره، وفي سنة 259ه قصد نيسابور عاصمة آل طاهر فاستسلم له محمد بن طاهر، وهكذا انتهت الدولة الطاهرية، فانتهز يعقوب هذه الفرصة لإرسال وفد إلى الخليفة المعتمد في سامراء مع كتاب إلى الخليفة يذكر فيه ما تناهى إليه من حال أهل خراسان، وأن الخوارج والشراة المخالفين قد استولوا عليها، وأن محمد بن طاهر قد غلب على أمره، وأن أهل خراسان قد سألوه القدوم عليهم، وأنه سار إليهم وأقر نصاب العدل والأمن فيها؛ ولذلك جاء يطلب من الخليفة تأميره عليها، وكان المدبر لشئون الخلافة وقتئذ الموفق طلحة أبو أحمد، فقال لرئيس وفد يعقوب: إن الخليفة لا يقر يعقوب على ما فعل، وأنه يأمره بالانصراف إلى عمله الذي ولاه إياه - وهو إقليم فارس فقط - فلما بلغت هذه الرسالة يعقوب لم يأبه لها، واستمر في عمله وتوطيد سلطانه في إقليم فارس وخراسان كلها. وفي سنة 260ه سار يعقوب بجنده إلى طبرستان جنوبي بحر قزوين يريد طرد الحسن بن زيد منها، فافتتح مدينتي ساري وآمل، وهرب الحسن أمامه فلحقه إلى جبال طبرستان، ولكن قسوة الإقليم وبرده الشديد منعاه من الاستمرار في وقوفه أمام يعقوب، فرجع إلى خراسان، ولكنه فوجئ بعمل أزعجه، وهو أن رجال الخلافة، وعلى رأسهم الموفق طلحة في سامراء، أصبحوا يتخوفون من حركة يعقوب ونفوذه، فأمر الموفق عبيد الله بن طاهر أن يجمع في بغداد حجاج خراسان والري وطبرستان وجرجان، ويقرأ عليهم كتابا للخليفة، يذكر فيه أنه لم يول يعقوب على ما استولى عليه ظلما، ويأمرهم بالبراءة منه والثورة عليه، ولما بلغت هذه الأخبار يعقوب لم يأبه لها، أول الأمر، ثم خاف على نفسه، فأخذ يعمل على تقوية جيشه استعدادا للطوارئ، وبلغ ذلك الخليفة، فاضطر أن يعترف بالأمر الواقع، ويبعث إلى يعقوب بتوليه خراسان وما إليها من بلاد المشرق، ولكن يعقوب كان قد غضب مما عومل به سابقا، فعزم على الثورة، وأنه لا بد له من الاستيلاء على العراق أيضا، وعلى بغداد نفسها، ولم يتأخر عن تنفيذ عزمه، فجمع جيوشه واتجه نحو العراق، فلما رأى الخليفة المعتمد ذلك، خرج إليه بنفسه وعليه بردة الرسول وفي يده القضيب، والتقى الجيشان بالقرب من دير العاقول، وكانت الغلبة أول الأمر لجيش يعقوب، ثم تغلب الجيش العباسي، واستطاع محمد بن طاهر أن ينجو من أسر يعقوب فأحضره الخليفة مجلسه وخلع عليه، وثبته في ولايته، وقرئ على الناس في يوم 11 رجب سنة 262ه كتاب من أمير المؤمنين فيه مثالب يعقوب، وخبر مشاققته لله ورسوله وخليفته وعزله.
أما يعقوب فقد قفل منهزما إلى خراسان وأخذ يرتب أموره ويقوي جنده، وجرت له وقائع مع رجال صاحب الزنج إلى أن مات في 15 شوال سنة 265ه بالأهواز بعد أن ثبت أركان مملكته في خراسان وجنوبي إيران. ومهما يكن من أمر فإن يعقوب، كان عصاميا تطلع إلى معالي الأمور فبلغها، ولكن منشأه الدنيء، وتفكيره الساذج، وعدم معرفته بالسياسة لم تمكنه من توسيع دولته؛ فقد كان جنديا قويا بارعا، وحسب، ولو أنه جمع إلى القوة عقلا وحزما لاستطاع أن يصل بدولته إلى منزلة سامية.
ولما هلك يعقوب بايع الجند أخاه عمرا (265-287) لما كان عليه من القوة فكان أول عمل عمله أن طلب رضاء الخليفة والاعتذار إليه عما قام به أخوه، فرضي عنه الخليفة وولاه على خراسان وفارس وأصفهان وسجستان وكرمان والسند، وسماه حاكما عسكريا لبغداد، وسامراء، تشريفا له، ولكن ما عتمت الأمور أن فسدت بينه وبين بغداد من جديد، حينما أراد طلحة الموفق منه أن يتنازل عن خراسان سنة 272، فرفض وأعلن عصيانه، فجمع الموفق بأمر المعتمد حجاج خراسان وقرأ عليهم كتابا من الخليفة بإقالة عمرو، وبلغه على المنابر، وجهز الموفق طلحة جيشا فتح به بلاد فارس وهزم عمرا، ولكن عمرا استطاع أن يسترد ولايته بحد حسامه، وظل إلى أن توفي المعتمد.
ولما تولى المعتضد في سنة 279 أقر عمرا في ولايته، واستقرت بلاد المشرق لعمرو فطمع في بلاد ما وراء النهر، وطلب من الخليفة أن يوليه إياها، فكانت تلك الولاية سبب القضاء عليه. روى الطبري أن عمرا طلب إلى الخليفة أن يوليه ما وراء النهر، فولاه ذلك، وقرئ في بغداد كتاب من الخليفة بعزل إسماعيل بن أحمد الساماني عن ما وراء النهر وتولية عمرو مكانه، وأرسل رسولا إلى عمرو في نيسابور يحمل إليه الخلع والعهد، فلما وضع العهد بين يدي عمرو قال: ما هذا؟ فقال الرسول: هذا الذي سألت. فقال عمرو: وما أصنع به؟ فإن إسماعيل بن أحمد لا يسلم إلي ذلك إلا بمائة ألف سيف! فقال الرسول: أنت سألته، فشمر الآن لتتولى العمل في ناحيته. وفي ربيع سنة 287ه حطم السامانيون جند عمرو قرب مدينة بلخ، ووقع عمرو أسيرا، ثم أرسله السامانيون إلى بغداد فقتل، وبذلك انتهى عهد هذه الأسرة العسكرية التي حكمت، وهي لا تستند على شيء سوى السيف والقوة، على أن عمرا كان خيرا من أخيه؛ فقد وصفوه بأنه كان على جانب من الدهاء والإدارة، ورووا أنه كان شديد الاهتمام بضبط موارد دولته، وأنه كانت له ثلاثة بيوت للمال؛ أولها بيت المال الوارد من الخراج والضرائب الأخرى، ومنه كان ينفق على الجيش، وثانيها بيت المال الوارد من الضياع والأملاك الخاصة، ومنه تصرف نفقات البلاطات والحاشية، وثالثهما بيت المال الوارد من المكوس والصادرات، ومنه كانت تصرف المنح والهدايا. ورووا عنه أيضا أنه كان عادلا في حكومته، عاملا على المساواة بين رعيته.
وصفوة القول أن هذه الدولة التي ظلت قرابة نصف قرن كانت دولة قوية لم يحاول أمراؤها قطع كل الصلات بالخليفة، وإن كانوا قد استمتعوا باستقلال مملكتهم، وتلقبوا بألقاب الملك، وخطب لهم على المنابر مقرونا اسمهم مع اسم الخليفة، وسكت الدراهم والدنانير باسمهم، ولولا فترات الجفاء التي وقعت بين يعقوب وأخيه، وبين رجالات العاصمة بغداد، لكانت هذه الدولة على أحسن حال. (1-5) الدولة السامانية (261-389ه/874-999م)
كان سامان خداه جد هذه الأسرة، أميرا ينتسب إلى بهرام جور، صاحب كسرى هرمز، أسلم على يد أسد بن عبد الله القسري الأمير الأموي ووالي بلخ، واتصل به وسمى ابنه الأكبر باسمه، وكان لأسد بن سامان أربعة بنين وهم: نوح وأحمد ويحيى وإلياس، وقد ارتفعت أقدارهم في دولة المأمون، فولاهم والي خراسان غسان بن عباد تلبية لأمر الخليفة على بعض المقاطعات، فكان نوح أميرا على سمرقند، وأحمد أميرا على الشاش وأسروشنة، وإلياس أميرا على هراة. وعمر أحمد أكثر من إخوته فصار إليه حكم سمرقند وهراة والشاش وأسروشنة إضافة إلى بلاد فرغانة، وأخذ سلطانه يتسع حتى امتد إلى بلاد الصفد. وفي 261ه/864م مات أحمد فخلفه ابنه نصر وهو أول من حكم استقلالا من رجال هذه الدولة، وكان مقره في سمرقند، واضطر الخليفة المعتمد أن يبعث إليه تقليدا بولايته على كافة بلاد ما وراء النهر.
অজানা পৃষ্ঠা
وفي سنة 271ه اضطربت بخارى، وعاث المفسدون فيها فطلب أهلها من نصر أن ينقذهم من تلك الفوضى، فبعث إليهم أخاه إسماعيل فوطد الأمن فيها، وحكمها بالنيابة عن أخيه. وفي سنة 272ه عهد الخليفة المعتمد بولاية كافة بلاد بخارى والمشرق إلى نصر. وقد استطاع إسماعيل أن يقضي على الثورات المحلية، وينقذ الفلاحين من ظلم أصحاب الأراضي واستبدادهم، فأحبه الناس وقويت مكانته في البلاد، فطمع إلى الاستقلال بها، ووقعت بينه وبين أخيه نصر خطوب وفتن وحروب دامت مدة طويلة. وفي سنة 275 تغلب جيش إسماعيل على جيش نصر، فأخذ أسيرا، ولما التقى الأخوان تصافيا، ورجع نصر حاكما إلى سمرقند إلى أن مات سنة 279، فأوصى لأخيه من بعده بالملك، وقد كان إسماعيل على جانب عظيم من حسن السياسة والدهاء والإدارة، فتوطدت أركان الدولة في عهده، واتسع نطاقها حتى بلغت أقصى حدود المشرق، وقضى على عمرو بن الليث الصفار أمير خراسان، كما قضى على محمد بن يزيد العلوي صاحب طبرستان، وإسماعيل هذا هو أعظم أمراء هذه الدولة، وهو الذي أسس قواعدها ووسع رقعتها، وقضى على خصومها، ولما هلك في سنة 295ه تعاقب الأمراء عليها إلى سنة 389 حين انتهى أمرها على يد دولة آل سبكتكين الغزنوية والأتراك الخاقانية، كما سنرى بعد.
ويجب أن نلاحظ أنه لم يظهر أمير كفء من هذه الأسرة بعد إسماعيل، ولكن متانة الحكم الساماني وحسن الإدارة التي وطدها إسماعيل مكنت أولاده وأحفاده من الاستمرار في الحكم طول تلك المدة. وعلى يد السامانيين هؤلاء، تم للإسلام إخضاع بلاد ما وراء النهر نهائيا، وكادت بخارى عاصمتهم وسمرقند سيدة حواضرهم أن تسبقا بغداد في ميادين العلم والعرفان والحضارة والتأليف، ولم تخلص هذه الدولة من عناصر التخريب وإشاعة الفوضى على الرغم من عناية أمرائها لتوطيد ملكهم على قواعد العدل والعلم والإصلاح، وقد كان السامانيون مسلمين متعصبين لإسلامهم ولسنيتهم، وحدث أن اتهم أحدهم، وهو نصر الثاني بن أحمد (295-301) بأن هواه مع الإسماعيلية، فاضطر إلى أن يتنازل عن الملك لابنه نوح، وكان نوح فتى حدثا لم يستطع أن يضبط الدولة، وكان للمماليك الأتراك، الذين سيطروا على البلاط، نفوذ كبير عليه، ولم يكن الأمراء الذين خلفوه خيرا منه، فتعاظم نفوذ الحرس التركي في البلاد، وأصبح قادته أصحاب الحل والربط، يتداخلون في السياسة، ويسقطون هيبة الوزارة والإمارة، وقد حدثت عوامل أخرى أضعفت شأن الدولة، وهي ظهور آل بويه في الغرب والأتراك القرخانيين في الشرق، وهم الذين نراهم لأول مرة في التاريخ الإسلامي، يبرزون إلى ميدان السياسة بقبائلهم الطورانية الجرارة القادمة من آسيا الوسطى للسيطرة على مقدرات العالم الإسلامي.
وفي سنة 351ه/962م تمكن ألب تكين التركي، أحد قواد السامانيين أن ينفصل عن جسم الدولة السامانية، ويؤسس دويلة مستقلة في غزنة، ثم خلفه في سنة 366ه/977م مولاه سبكتكين فأعلن ولاءه للسامانيين، وفي سنة 384ه/994م استطاع ابنه محمود أن يخمد بعض الفتن التي قامت على السامانيين فكافئوه بتسميته أميرا على خراسان، وكان ذلك مبدأ دولة محمود بن سبكتكين.
وفي سنة 386ه/996م أراد الأتراك (الإيلاق خاينون) (القرخانيون) الانسيال على الأراضي السامانية، فاستنجد السامانيون بسبكتكين وابنه، واستطاعا أن يوقفا سيل القرخانيين، وعقد صلح بين الطرفين على أن تكون منطقة سهول قطوان، منطقة فاصلة بين الحدودين، وتسلط سبكتكين على كافة الأراضي الواقعة جنوب نهر جيحون، وأخذت دولته تنمو. ولما مات سبكتكين 387ه/997م وانشغل ابنه محمود بتوطيد أركان دولته في غزنة، أراد السامانيون إعادة الجزء الذي سلبهم إياه سبكتكين وابنه، ولكنهم فشلوا في محاولتهم، ثم تراجعوا وجيشهم مشتت، فتمكن محمود من الاستيلاء على خراسان كلها سنة 389ه، وقد انتهز الأتراك القرخانيون تضعضع الدولة السامانية، فهاجموا بخارى عاصمتهم، واستطاعوا السيطرة عليها في سنة 389ه، وهكذا قضي على الدولة السامانية.
وصفوة القول في هذه الدولة، أنها كانت دولة سنية متعصبة، انفصلت عن جسم الإمبراطورية الإسلامية، ولكنها ظلت روحيا متصلة بخلافة بغداد، وكانت حملات أمرائها على الإسماعيلية حملات قوية، أقرت عين الخليفة، وقد رأينا أنه لما دخل الأتراك بلاد ما وراء النهر سنة 291ه واستطاع إسماعيل أن يطردهم وبعث إلى الخليفة كتابا يبشره بالقضاء على فتنة الأتراك، فسر بذلك ولقي كتابه أحسن القبول لدى الخليفة.
وعلى الرغم من أن الدولة السامانية كانت دولة سنية متعصبة، إلا أنها أحيت الآداب والثقافة الفارسية، وجعلت اللغة الفارسية اللغة الرسمية للدولة، وشجع أفرادها الشعراء والكتاب، فألفوا بالفارسية، ويعتبر عصر السامانيين هو العصر الذي نشأ فيه الأدب الفارسي الحديث؛ ففيه نظم الفردوسي «الشاهنامة»، وفيه نقل الوزير العالم البلعمي «كتاب تاريخ الطبري» إلى اللغة الفارسية، وهذان الكتابان هما اليوم من أقدم نصوص النثر الفارسي.
يقول بروكلمان: «... وفي هذا الوقت تفتح الوعي القومي عند الفرس من جديد، بعد أن استعبدتهم سيادة العرب السياسية والدينية زمنا طويلا، ومع أن الفرس تفوقوا على العرب في إدارة الدولة وفي النواحي الثقافية تفوقا كبيرا، منذ ابتداء الدولة العباسية؛ فقد كانت خدماتهم ذات فائدة للعرب فيما بعد؛ إذ لم يعد من الممكن إقصاء لغة التنزيل عن الشئون العامة وعن الأدب جميعا، بيد أن الفرس تذكروا - هنا في الشرق لأول مرة - شرف لسانهم القومي وعظمته، وعلى الرغم من أن أشراف الفرس من أصحاب الأراضي لم ينقطعوا يوما عن العناية بمضافرهم القومية في سير ملوكهم وأبطالهم، وعلى الرغم من أن الشعب لم ينس - غير شك - فن إنشاد الشعر، فالحق أن تلقيح هذا الإرث الروحي من جديد لم يتم إلا في بلاط السامانيين، وعلى أيديهم؛ ففي ظل نصر الثاني لمع «رودكي» أول شاعر غنائي فارسي، وصلتنا عنه أخبار على شيء من التفصيل، وعلى الرغم من أن شعره لم يخل من الكلمات العربية، وعلى الرغم من أن الأوزان التي اصطنعها كانت كأوزان جميع شعراء الفرس من بعده مفرغة في القوالب العربية، فقد دعا في منظومته إلى فلسفة في الحياة بعيدة عن الهم والغم ناضجة بالحبور مستوحاة، على الرغم من وصايا الإسلام، لا من حيث النساء والغناء فحسب، بل من حيث الخمر أيضا، وكان رودكي إلى ذلك مؤسس الملحمة التعليمية، وهي أخصب فروع الأدب الفارسي على الإطلاق ... وفي بلاط السامانيين بلغت الجغرافية العربية أوجها العلمي أيضا ... وفي بلاط إسماعيل ألف الوزير الجيهاني كتابا لم يصلنا، استطرد فيه من بحث الضرائب إلى وصف البلدان المجاورة، ثم إن أبا زيد البلخي، وكان في خدمة إسماعيل ببلخ، وضع مصورا جغرافيا وجعله ذيلا لأطلس إسلامي قديم موضوع على أساس اقتبسه كتاب الخوارزمي قبل سنة 846 عن جغرافية بطليموس.»
لقد اعتنوا بالعلوم الإسلامية عامة، وشجعوا العلماء على الكتابة، فوصف عهدهم بأنه من أزهر العصور العلمية. وقد عرف حبهم للعلم وعنايتهم بأهله فقصدهم العلماء من الأرجاء وأفادوا منهم، وقدموا إليهم كتبهم. ومن كبار علماء دولتهم الطبيب الفيلسوف الرازي الأشهر الذي ألف كتابه الطبي المعروف بالمنصوري نسبة للأمير أبي صالح منصور الساماني، ومنهم الفيلسوف ابن سينا الذي زار نوح الثاني فكرمه وفتح له أبواب خزانته الملكية، فأفاد من كنوزها. (1-6) الدولة الساجية
من تلك الدول الدولة الساجية التي حكمت من سنة 266 إلى سنة 318ه، ورأس هذه الدولة هو يوسف بن أبي الساج عامل أرمينية وأذربيجان في عهد المقتدر، وكان يوسف داهية حازما تولى أرمينية وأذربيجان سنة 266ه، وقوي مركزه في عماله فثار على بغداد وأعلن انفصاله عنها، فاضطر علي بن الفرات وزير الخليفة أن ينفق كثيرا من موارد الدولة في سبيل القضاء على ثورة ابن أبي الساج، فلم يفلح، ووقعت الدولة في أزمة مالية كبرى، وتمكن ابن أبي الساج من القضاء على جيش مؤنس التركي، واتهم ابن الفرات بممالأة ابن أبي الساج، فغضب عليه المقتدر، وحاول تبرئة نفسه من ذلك، فأرسل جيشا جديدا للقضاء على ثورة أذربيجان فلم يفلح، واضطرب الخليفة وعزل ابن الفرات ثم سجنه، ولكن ذلك لم يمنع من انفصال ابن أبي الساج ومصادرة أموال الدولة، وقوي نفوذ الساجية في أرمينية وأذربيجان والري، وجرت بينهم وبين أعدائهم المجرية معارك وحروب لاقت البلاد من ويلاتها كثيرا، وقد استمر الحكم في يد الساجية على بلاد أذربيجان إلى سنة 318 حين قضي عليهم نهائيا.
ومن الدول التي ظهرت في هذه الفترة وانسلخت عن جسم الإمبراطورية العباسية: (1-7) دولة الأدارسة في المغرب العربي
অজানা পৃষ্ঠা
وتنسب إلى الأمير العلوي إدريس بن عبد الله من أحفاد الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب؛ فقد أسس ملكا دام قرابة قرنين (172-364ه/788-974م)، وكانت مدينة فاس عاصمتهم وهي أول دولة شيعية قوية في التاريخ. (1-8) دولة الأغالبة
وتنسب إلى الأمير إبراهيم بن الأغلب الذي ولاه هارون الرشيد على إفريقية (أي بلاد تونس)، ولكنه ما لبث أن استقل وأسس دولة عاصمتها القيروان دامت طوال قرن (184-297ه/800-909م)، وقد كانت لهم حملات في إيطالية وفرنسة وقورشيقة وسردينية ومالطة. (1-9) دولة الطولونيين
وتنسب إلى الأمير أحمد بن طولون التركي الذي ولاه المأمون على مصر، فاستقل بها وأسس دولة دامت من 254-292ه/868-905م بعد أن خلفت حضارة رائعة وآثارا جليلة. (1-10) دولة الإخشيديين
وتنسب إلى الأمير محمد بن طغج الإخشيد الذي ولاه الخليفة الراضي على مصر فأسس فيها دولة مستقلة دامت من 324-359ه/935-969م. (2) قوة أمر أصحاب العقائد المخالفة لمذهب الخلافة (1) الحركات العقائدية. (2) الإسماعيلية. (3) القرامطة. (2-1) الحركات العقائدية
كان الخلفاء الأمويون من حيث العقيدة «مسلمين سنيين» يميلون إلى البساطة في اعتقادهم، ولا غرو في ذلك؛ فإنهم عرب تغلب عليهم الفطرة العربية الساذجة، وفي أيامهم نجمت بعض الفرق التي أرادت تعقيد العقيدة التي جاء بها الإسلام كالمعتزلة مثلا، والجبرية فحاربوها، ووقفوا ضد أربابها وحاربوهم بشدة وعنف. يقول ديمومبين: «وقف المعتزلة ضد الأمويين على طول الخط، واعترفوا بأحقية علي في خلافة محمد بعد وفاته، لكنهم مع هذا اعترفوا بشرعية الخلفاء الراشدين الثلاثة الأول وأجلوهم لما قاموا به من أعمال، وهذا ما قلدهم فيه معتدلة الشيعة
4
وبعض الخوارج.» إن هذا الاتجاه الوسط والأموي معا هو الذي أدى إلى توحيد قوى المفكرين، بحسب رأي نيبرج، في النصف الأول من القرن الثاني للهجرة لإسقاط الدولة الأموية، والعمل على إحلال ذرية علي محلهم، تلك الذرية التي اعتقد المتطرفون من المفكرين بأن النور الإلهي قد حل في آل الرسول، بل لإحلال العباسيين الذين يتميزون بالإضافة إلى حذقهم السياسي، بالحكمة الصائبة، والحكم الصحيح، ومهما يكن من أمرها فإن مذهب المعتزلة قد تبنته الخلافة العباسية منذ البداية حتى مجيء المتوكل
5
وهذا حق؛ فإن بساطة العقيدة لدى الخليفة الأموي من جهة، وكرهه للمذاهب المعقدة، وللمواقف العنيفة التي وقفها المعتزلة من القرآن وخلافة الرسول، وصفات الله من جهة أخرى، جعله يحارب أصحاب هذه الفكرة ومن إليهم.
أما الخلفاء العباسيون فقد كان الوضع عندهم غير ذلك؛ فإنهم أيدوا فكرة المعتزلة تأييدا صارخا، وأجبروا الناس على الاعتقاد بها، ولاحقوا أصحاب الأفكار المناوئة، منذ أيام المهتدي (198-218ه) الذي ضيق على كل أصحاب الميول المنحرفة عن مذهب أهل السنة وسمى عمر الكلواذي سنة 167 موظفا مخصصا لتعقيب الزنادقة والمتزندقة من راوندية وخرمية وبابكية للفتك بهم.
অজানা পৃষ্ঠা
6
أما الراوندية:
ففرقة ظهرت في «راوند» بالقرب من «أصبهان» في عهد المنصور كانت تهدف إلى إحياء التقاليد الفارسية من دينية ودنيوية، وخلاصة مذهبهم أنهم يقدسون الملوك ويرفعونهم إلى مرتبة الآلهة، ويعملون على إباحة المحرمات، وقد زعموا أن المنصور هو إلههم، فلما بلغه ذلك تتبعهم وفتك بهم.
وأما المقنعة:
فهي حركة أخرى تشابه الراوندية، سميت بذلك نسبة لصاحب دعوتها «المقنع الخراساني» الذي اتخذ لوجهه قناعا من ذهب، وادعى الألوهية، وأسقط الصوم والزكاة والحج، وأباح أموال الآخرين ونساءهم، ودعا إلى تعاليم «مزدك» الإباحية، وقد فشا أمرهم في عهد المهدي مما اضطره إلى أن يشدد عليهم ويبيدهم.
وأما الخرمية:
فهي طائفة ترجع مبادئها إلى «مزدك» الإباحي أيضا، واسمهم مأخوذ من كلمة «خرم دينان» الفارسية، ومعناها الدين الفرح، وقد مزجوا بين تعاليم الإسلام والمزدكية، من تناسخ، واشتراكية في المال والنساء، والحلول، ومن زعمائهم خداشي الخرمي.
وأما البابكية:
فنسبتهم إلى بابك، وقد كانت حركة من أخطر حركات العقائدية التي قامت في إيران أيام العباسيين، وهي استمرار للحركة الخرمية،
7
অজানা পৃষ্ঠা
والحق أن هذه الحركات كان لها غرضان رئيسان هما: هدم الإسلام أولا، وإرجاع الملك إلى الفرس ثانيا كما فصلناه في تاريخ العصر العباسي الأول من كتابنا هذا، وقد كانت حركتا الإسماعيلية والقرامطة في هذا العصر حركتين لهما تأثير كبير؛ فلذلك خصصناهما بالبحث. (2-2) الإسماعيلية
كان من نتائج الانحلال الذي منيت به الدولة في هذا العصر ظهور حركة الشيعة الإسماعيلية التي ابتدأت بالظهور منذ أوائل القرن الثاني للهجرة وقويت في القرنين الثالث والرابع واستمرت إلى ما بعد، حتى أيامنا هذه.
ولعل الأسباب التي مكنت تلك الحركة من الظهور يمكن إجمالها في النقاط العشرة التالية: (1)
ضعف سلطان الخلافة العباسية وتقلص نفوذها الزمني والديني تقلصا واضحا عن كثير من أجزاء المملكة. (2)
فشل «آل علي» في الوصول إلى الخلافة التي كانوا يأملون في الوصول إليها بعد انقضاء عهد آل أمية، ويبينهم خداع «العباسيين» لهم وعدم إعطائهم حقهم. (3)
فشل العناصر غير العربية في الوصول إلى أهدافهم التي أملوا الوصول إليها في عهد الدولة الجديدة، بعد أن عملوا على هدم الدولة الأموية أملا في أن يعيدوا نفوذهم القديم. (4)
خيبة آمال تلك العناصر غير العربية في الحكم العربي الذي لم يمكنهم، في العهد الأموي ثم في أوائل العهد العباسي، من استعادة تقاليدهم وسلطاتهم التي كانت لهم قبل الإسلام. (5)
انتشار الترجمة والتدوين وإحياء ذكر الحضارات والعقائد القديمة التي أحيت الغرور القومي عند الأمم المفتوحة غير العربية. (6)
انتشار الفلسفات القديمة، وبخاصة الفلسفتان اليونانية والسريانية، انتشارا جعل الناس يفتحون عيونهم وقلوبهم لمناقشة ما جاء به الإسلام والتطلع إلى آفاق جديدة بعيدة عن بساطة الإسلام. (7)
البعد عن روح الإسلام الحقيقية السمحة بانتشار الإسرائيليات والخرافات الفارسية وغير الفارسية، مما جعل العامة تتقبل بسهولة كل فكرة روحية غريبة. (8)
অজানা পৃষ্ঠা
تدخل الخلافة تدخلا عمليا في عقائد الناس ومحاسبتهم عليها، والتضييق على من يعلن زندقة أو هرطقة أو انحرافا عن المذهب الرسمي للدولة وهو الإسلام وطريقة أهل السنة والجماعة، وخاصة حين أخذ المهدي والهادي يضيقان على الناس في محاسبتهم على عقائدهم، أو حين أخذ المأمون يحاسب الناس على عدم اعتناق مذهب المعتزلي القائل بخلق القرآن وغير ذلك، وبإنشاء «ديوان المحنة» لامتحان من أنكر تلك العقيدة. (9)
تبدل المجتمع الإسلامي من مجتمع زراعي وتجاري ساذج إلى مجتمع زراعي وتجاري معقد، ووجود طبقة أرستقراطية مالية، سواء أكان أهلها عربا أو موالي، وقد أحست الطبقات الفقيرة العاملة، من موالي وعرب، بالبؤس المحيط بها من جهة، كما أحس الأغنياء، من موالي وعرب بوجوب اتحادهم حماية لمصالحهم؛ فلذلك حصلت التكتلات من الجانبين، وكان لهذه التكتلات أثرها الواضح في الحركات العقلية والاجتماعية التي ترمي إلى توحيد أهداف المتذمرين على اختلاف نحلهم وعقائدهم وعناصرهم. (10)
تعقد الحياة، وظهور المغالاة في كل شيء من نواحيها؛ فبعد أن كانت في العصر الأموي عربية ساذجة، تعقدت في العصر العباسي جدا وبدا الغلو في كل شيء.
ولقد كان من نتائج هذه الأسباب أن نشأت في البيئة الإسلامية فئة من الرجال اتخذت ذلك ذريعة للقيام بحركة سترتها بفكرة «الانتصار لحق آل علي» واتخذتها وسيلة للدعاية لفكرتها، وقد اتخذ هؤلاء الرجال مدينة الكوفة مقرا لبذر فكرتهم؛ لأنها كانت مركزا فكريا وسياسيا تجمعت فيه الثقافات القديمة من كل صوب، وكل نوع، ولأنها كانت مقر نفر من الأئمة العلويين الذين أحيطت أسماؤهم بكثير من الروايات المتعلقة بمثل هذه الحركات في القديم، ويظهر أنه يمكن تقسيم العلويين الذين قامت حولهم هذه الحركات إلى فريقين: (1) فريق الحنفية. (2) فريق الحسنية والحسينية.
أما الحنفية:
فنسبتها إلى الإمام محمد بن الإمام علي (عليه السلام) المعروف بابن الحنفية، ويذكر المؤرخون وأرباب الفرق أن المختار الثقفي حين قام بحركته الثورية في الكوفة سنة 66ه/685م ادعى أن ابن الحنفية هو «المهدي المنتظر»، وعلى الرغم من القضاء على المختار وموت ابن الحنفية؛ فإن الحركة الشيعية المهدية الحنفية انتشرت بسرعة بعدهما وانقسم أربابها بعدها فرقا ثلاثا، قالت «أولاها» إن الإمام لم يمت بل اختفى، وإنه سيعود ويملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا. وقالت «الثانية»: إنه عهد إلى ابنه أبي هاشم للأمر من بعده، ثم انقسموا إلى فرق؛ «فرقة» قالت إن أبا هاشم أوصى إلى أخيه علي بن محمد، وإن عليا هذا أوصى بالإمامة إلى بني العباس. و«فرقة» قالت إنه أوصى إلى عبد الله بن معاوية من آل علي. وقد اختفت الحركة الحنفية وأربابها بعد أن سيطر العباسيون على الحكم لأنهم ضيقوا عليهم وخنقوا أصواتهم.
وأما الحسنية، الحسينية:
فنسبتها إلى الإمامين «الحسن» و«الحسين» ابني علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد ثار من ذريتهما جماعات على الخلافة منهم: زيد بن علي المعروف بزين العابدين، وولداه يحيى وعيسى من أئمة الفرقة الزيدية التي ما تزال في اليمن، ومنهم محمد بن علي بن زين العابدين، الذي نادى بنفسه إماما وتبعته جماعات، منهم أبو منصور العجلي زعيم الفرقة المنصورية التي لاحقها يوسف بن عمر الثقفي، وقتل زعيمها أبا منصور سنة 125ه، ولما مات الباقر افترق أتباعه إلى فرق لا مجال لتعدادها، ومنهم محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي المعروف بذي النفس الزكية الذي أعلن أنه هو المهدي، ولم تكن سنه يومئذ تجاوز التاسعة عشرة، وقد حبذ له هذه الدعوة المغيرة بن سعيد العجلي ، ولما مات محمد ادعى المغيرة أنه قد غاب وأنه سيرجع، وقد كذبه الإمام جعفر الصادق ورفض هو وأتباعه مؤازرة الداعين إلى هذه الفكرة وقالوا إن الإمامة لجعفر، وكان من أبرز أتباعه رجل اسمه أبو الخطاب أو محمد بن أبي الخطاب، مؤسس الفرقة الخطابية، والتي تعتبر أول حركة باطنية قوية، وقد كان أبي الخطاب داعية لمحمد الباقر ثم لجعفر الصادق، وقد غلا في دعوته لهما، وزعم أن جعفرا قد جعله وصيه من بعده، ثم زعم أنه (أي جعفر) إله ونبي، فأحل المحارم، وقال بالتقية وأول آيات القرآن، فقال: إن الجنة والنار والصلاة والصوم ما هي إلا أسماء رجال بعينهم، وقال بنظرية «النور» و«التناسخ»، ولما قتل ابن أبي الخطاب سنة 138 تحول أصحابه إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، حتى تبرأ جعفر الصادق من ابنه إسماعيل ومن أبي الخطاب
8
ولما مات جعفر الصادق سنة 148 انقسم أصحابه إلى ثلاث فرق: (1)
অজানা পৃষ্ঠা
فرقة الناووسية التي زعمت أنه لم يمت وأنه سيرجع. (2)
الاثنا عشرية، وهم أتباع ابنه موسى الكاظم، وهم المعتدلون منهم. (3)
الإسماعيلية: وهم القائلون بإمامة ابنه إسماعيل ثم ابنه محمد بن إسماعيل.
وقد نظرت المصادر السنية والاثنا عشرية إلى إسماعيل نظرة استخفاف؛ لأنه لم يكن في نظرهم على جانب من الاستقامة والأمانة والنبل،
9
أما المصادر الباطنية والإسماعيلية فإنها رفعته إلى مرتبة الألوهية، وقالت: إن خليفته من بعده هو ميمون القداح، وقد اختلفت المصادر السنية والشيعية والباطنية أيضا في أمر خليفته ميمون هذا وابنه عبد الله؛ فالمصادر السنية تقول: إن ميمونا القداح هو ابن رجل ثنوي ديصاني، وأنه من أصحاب العقائد الغالية التي تكيد الإسلام، وأنه لما مات خلفه ابنه عبد الله الذي كان شرا من أبيه لسعة اطلاعه على الأديان وقوة مكره، وبراعته في الدس، وقد ادعى النبوة واستعمل الشعوذات وأباح المحرمات، وأنه اتخذ سلمية آخر مقر له، وأنه كان يدعو في الظاهر إلى مذهب محمد بن إسماعيل وهو في الباطن يدعو إلى هدم الإسلام.
10
وأما المصادر الشيعية فتقول: إن ميمونا كان راوية جعفر وتلميذه الروحي، وأن ابنه عبد الله كان من المحدثين الثقات والمجتهدين، وأنهما لم يكونا ديصانيين ولا ثنويين أو ما شابه ذلك كما يقول أهل السنة.
11
وأما المصادر الإسماعيلية المعروفة إلى الآن، فلا تعطينا صورة واضحة عنهما لفقدان المصادر الإسماعيلية الكافية، وإنما يعثر الباحث على معلومات عنهما في بعض الكتب السنية أو الكتب الدرزية التي استطاع الباحثون اكتشافها في الآونة الأخيرة، وهي تقول: إن محمد بن إسماعيل هو الناطق السابع، وأن ميمونا القداح هو أساسه،
অজানা পৃষ্ঠা
12
والحق أن القداح قد غمض أمره، واختلفت الروايات فيه اختلافا يصعب تفهم وضعه معه على الرغم من المعلومات المفيدة التي نجدها في مخطوطة «الفرق الإسلامية» المخطوطة في خزانة الأوقاف ببغداد.
13
أما العقيدة الإسماعيلية فمستورة مخفية؛ ولذلك قل العارفون بخفاياها من الباحثين، سواء في ذلك المتقدمون أو المتأخرون، إلا أنه يمكن إجمال المعلومات المعروفة عنها بالنقاط الست الآتية: (1)
إن المذهب الإسماعيلي هو مذهب شمولي في العقيدة
Inter Confessionalism
وهو مذهب متسامح لا يحارب العقائد مزدكية أو مانوية أو صابئية أو نصرانية أو يهودية، أو إسلامية مخالفة لهم. (2)
إن المذهب الإسماعيلي هو مذهب اشتراكي في الأموال، وقد ذكر لنا الكاتب الفارسي الإسماعيلي ناصر خسرو
14
الذي زار البحرين في القرن الخامس للهجرة بعض أحوال الإسماعيلية الذين زار عاصمتهم الأحساء، فرأى عندهم نظاما يشبه النظام الاشتراكي. (3)
অজানা পৃষ্ঠা