القسطنطينية: هي المدينة الكبرى عاصمة المملكة العثمانية، وتخت الخلافة العظمى، أسسها بيزنس، رئيس الماغريين قبل التاريخ المسيحي بألف ومائتي سنة، ودعيت بزنتية نسبة إليه، وكانت فيما غبر القرية الأولى بين تعداد قرى طراشيا التي هي الآن قسم من بلاد الروم إيلي. وقد ملكها داريوس الأول أحد ملوك الفرس عام 521 قبل المسيح، وجعلها نزهة للعين في حسن الرونق والانتظام، وعقيب وفاته التي وقعت سنة 485ق.م استولى عليها أهل يونياس من شعب هالان - وهو جنس يوناني قديم العهد يسبق ظهور المسيح بخمسة عشر جيلا - وبعد ذلك اغتنمها الملك أكسرخوس الأول، وهو الخامس من ملوك الفرس قبل المسيح من 472 إلى 485.
ثم خلفه في امتلاكها أهالي مدينة سبارط من بلاد الموره - وهي قاعدة بلاد لاكونيا - ولم يطل زمن امتلاكهم لها حتى انتزعها من أيديهم أهالي مدينة أثينا التي أسسها شيكروب المصري عام 1643 قبل المسيح، وبعد ذلك بمدة طويلة استقلت القسطنطينية، وعظمت قواها البحرية حتى صارت من أعظم المدن منعة واقتدارا؛ فتطاولت إليها أطماع الملوك وحصرها فيليب، ملك مكدونيا - وهو والد إسكندر الكبير المدعو الملك فيليب الثاني الكبير ابن أمنيتاس ثامن ملوك مكدونيا - فلم يستطع امتلاكها. ولما انتشبت الحرب بين الرومان وملك البنطس، ساعدهم أهالي القسطنطينية في ميادين المعركة إلى أن فازوا بالنصر. وفي سنة 193ب.م دخلت القسطنطينية تحت إمرة القائد الروماني المدعو بسنيوس فيجار، وفي عهده حاصرها نحو 3 سنين الملك سبتيم سافار، أحد ملوك الرومانيين، فدخلها بعد حرب عنيفة وعاجلها بالدمار. ولم يتجدد بناؤها إلا على عهد الملك كركللا، ابن الملك سبتيم، الذي أقيم ملكا عليها سنة 211ب.م، غير أن رونقها البهيج لم يعاودها إلا في زمن قسطنطين، ملك الرومانيين الذي أكمل ترميمها في الجيل الرابع سنة 330ب.م، وسميت القسطنطينية باسمه. وهو قسطنطين الأول الملقب بالكبير، ابن الملك قسطنطين من زوجته الملكة هيلانة. ولد عام 274ب.م، وتوفي عام 337 عن ثلاثة أولاد؛ وهم: قسطنطين وقسطنسوس وقسطان. ولقبها فروق؛ لأن فيها تفرقت القياصرة غربا وشرقا. وأقام بها وتملك على الرومانيين في الشرق، ثم جعلها تخت قيصاريته، فصارت كرسيا لملوك الشرق، وما لبثت أن فاقت على رومية التي كانت وقتئذ في مقدمة المدن بعظيم بنائها، ووفرة شعبها، وكثرة ثروتها، واتساع تجارتها.
وفي عام 413ب.م مادت بها الأرض في الطول والعرض، وحدثت فيها زلزلة هائلة فدكتها وصيرتها قاعا صفصفا، فجدد بناءها الملك تاودوسيوس الثاني، وفي عام 857 حدثت فيها أيضا زلزلة فدمرتها ثانية، فجدد بناءها عام 858 قبيلة يونانية من مدينة أركوس، ثم تواترت عليها دهمات الملوك، وعاودتها الحروب، وأغارت عليها الدول من التتار والأعجام وأهل البلغار والصليبية وغيرهم حتى حل بها الخراب المرة بعد الأخرى؛ ففي سنة 593 حاصرتها القبائل غير المتحدة من التتار، فلم يتمكنوا من الاستيلاء عليها، وفي عام 625 حاصرها الفرس، ومن سنة 671 إلى سنة 678 حاصرها العرب الذين أغاروا على إسبانيا، وفي عام 755 حاصرها البلغار، وفي عام 866 حاصرها شعب يدعى فاريك - وهو نورماندي جاء من بلاد ناروج - ثم عقبه الصليبيون واستولوا عليها سنة 1203، وأقاموا عليها ملكا هو ألكسيس الرابع ابن إسحاق، الملقب بألكسيس الصغير - وكان عمه ألكسيس الملك قد طرد أباه إسحاق وأودعه السجن سنة 1195، فأنجاه منه ولده ألكسيس الرابع وجعل له حظا في الملك، ولما علم بذلك ألكسيس الملك تعاصى على أخيه إسحاق وانتزع من يده الملك عام 1195، وما فات من مدة ملكه زمن طويل حتى جاهر بعدوانه ابن أخيه ألكسيس الصغير وخلعه من الملك عام 1203، وتربع مكانه مدة ستة أشهر - ثم خلعه ديكاي مرتزقل المدعو ألكسيس الخامس بعد أن أماته خنقا، وفي أيامه عاد الصليبيون ثانية إلى القسطنطينية، وأسسوا فيها المملكة اللاتينية، ثم قلبوا ديكاي عن منصة الحكم وولوا مكانه «بدوان»، أمير مقاطعة قديمة في فرنسا تدعى فلاندر، وهذا الأمير كان قائدا لجيش الصليبيين. وفي عام 1261 حضر الملك ميخائيل بالولوغوس الثامن، ملك مدينة نيس، واستولى على القسطنطينية بغتة. وهذا الملك هو من أوجه العائلات في الشرق. تولى الملك في مدينة نيسا من أعمال الأناضول، وتوفي عام 1282 بينما كان يجهز جيوشا ليسوقها إلى فتح طراشيا. ثم هجم على إسلامبول مرارا عديدة السلطان أورخان سنة 1337 والسلطان بايزيد والسلطان مراد الأول. أما السلطان أورخان فقد أخذ عدة مدن عنوة، من جملتها مدينة نيسا، وذلك عام 1323، وسلب ما في ضواحي الآستانة عام 1337، وسن شرايع المملكة، ورتب القوانين. أما السلطان مراد الأول فقد أتم تحصين المملكة عام 1362، وأحدث طريقة الإنكشارية. وقد استولت على الآستانة دولتنا العلية، وانتزعتها من الدولة الرومانية في التاسع والعشرين من شهر مايو عام 1453، الموافق لليوم العشرين من جمادى الأولى سنة 857ه، تحت راية السلطان محمد الثاني الملقب بالفاتح.
ويدعوها الأتراك ب «إسلامبول»، وهي من أحسن مدن العالم موقعا، وأجملها مركزا، كائنة على خليج البحر الأسود، ومشادة على سبع تلال من أطراف أوروبا، يفصلها عن آسيا مضيق من البحر عرضه نحو ميل، وهو معروف بالبوغاز، وتبعد عن باريس عاصمة الفرنسيس 660 ميلا، وعن ويانه عاصمة النمسا 275 ميلا، وعن سان بطرسبورج عاصمة بلاد الروس 475 ميلا، يحيطها من جهة الشمال ثلاثة أسوار قديمة، ومن بقية الجهات: البحر. عدد سكانها قد جاوز المليون ونصف، الثلثان منهم إسلام، والباقي نصارى ويهود . وتنقسم باعتبار وضعها إلى أربعة أقسام؛ الأول: هو المدينة الكبيرة القديمة، والثاني: غلطه، والثالث: البوغاز، والرابع: إسكودار. أما المدينة الكبيرة فهي ذات الأبنية العظيمة، والقصور الشاهقة، والقشال الواسعة، وفيها الجوامع العظيمة، التي تنطح السماك، ذات المنارات البديعة المصفحة من النحاس المذهب. وأشهر هذه الجوامع جامع أجيا صوفيا، الذي كان كنيسة عظيمة أيام النصارى بناها المعلم أنتيموس إلى الملك قسطنطين في بحر ثماني سنوات، وهي من أحسن الأبنية القديمة. وقد كان لها قبة عظيمة أخربتها الزلزلة، ثم صار تجديدها فلم تأت كما كانت من حيث ارتفاعها وحسن استدارتها واستوائها، ولأجل زيادة تمكينها وضع تحتها بين العضائد الكبيرة عدة من أعمدة الصب القديمة المصرية، وعقدت عليها قناطر تعتمد عليها القبة، وفي هذه القبة 24 شباكا ينفذ منها الضوء إلى الداخل، ويليها قبتان لطيفتان وست قبب صغار.
وإسلامبول بعيدة عن الوصف، كساها مركزها الطبيعي الهيبة والوقار، وأكسبها البهجة وحسن الرونق، فإنها واقعة على خليج البحر الأسود وبين بحر مرمرا، وكائنة بين أوروبا وآسيا على البوغاز الذي يصل بحر مرمرا بالبحر الأسود. أما بحر مرمرا فيصله بوغاز الدردانيل ببحر جزائر الروم والبحر المتوسط، ويفصل المدينة عن آسيا مضيق من البحر عرضه نحو ميل، له منظر يشرح الصدر، ويبهج الناظر، وهي ممتدة على لسان في البحر مثلث الزوايا موقعه على الشاطئ الغربي من مدخل البوغاز الجنوبي المعروف بالبوسفور، وفي الجانب الشمالي من المدينة فرع من البوغاز يدعى القرن الذهبي، وهو المعروف بالميناء، التي عند آخرها محل يقصده الناس للترويض يدعى كاغد خانة، كائن بالقرب من الترسخانة في بقعة خضراء طولها نصف ميل تجري إليها المياه العذبة في قناة تكتنفها أشجار الحور والسرو والزيزفون وغير ذلك. وفي هذه الروضة قصر للانشراح تحيط به حديقة غناء مطرزة بأشكال الزهور والرياحين، بناها الطيب الذكر السلطان أحمد الثالث عام 1724، وفي تلك القناة يتدفق الماء زلالا، وفي وسطها حاجز تنفجر المياه بالقرب منه، وتصب في ثلاثة مجار مرصوفة بالصدف حتى تنتهي إلى بركة عليها حوض من النحاس الأصفر، وعليه ثلاث حنفيات تجري المياه من أفواهها ، وعلى ذاك الحاجز ثلاثة كشوك من الرخام الأبيض مغشاة بالنحاس المموه بالذهب، ومن هناك تأخذ القناة في الضيق بالتتابع إلى أن تختلط مع ماء آخر. وهذا ما يدعى القرن الذهبي؛ حيث تسير الزوارق حاملة رجالا ونساء بقصد التنزه والانشراح في ذلك الوادي، ولا سيما يوم الجمعة.
ثم إن مرسى المينا لفي غاية الطمأنينة والسعة، ويفصلها مضيق من البحر طوله نحو ميلين، وعرضه نحو نصف ميل، وفيها ترسو السفن، وهي من أحسن مراسي الدنيا موقعا وأمنا، وعلى جانبها المحلات الخارجة عن المدينة، وهي المعروفة بالصوائح الخارجة الكبيرة، وهي بيريه وغلطه ومحلة الطوبخانة وقاسم باشا والفنار محلة الأروام. أما بيريه المشهورة باسم بك أوغلي، فهي محلة الإفرنج واقعة في الجهة الشمالية، وبها مركز التجارة، ولا يقطنها إلا الوجوه من الغرباء؛ كقناصل الدول ونحوهم، وبها كنائس الإفرنج والأرمن والمطابع ومستشفيات الإفرنج والمدارس والمراسح والفنادق، وفي وسط هذه المحلة غلطه سراي، وهي مدرسة الطب التي احترقت عام 1848ب.م، وأمامها محل تياترو واسع الأرجاء، متقن البناية، يقصده مشخصو الإفرنج من عواصم أوروبا.
وفي الآستانة عدة مدارس لنشر العلوم والفنون؛ منها: طبية، وأخرى حربية، ومكاتب للملاحين، وما ينوف عن خمسمائة وثلاثين مدرسة تحوي نيفا وأربعين مكتبة، فيها مؤلفات شتى أكثرها بخط اليد، وفيها عدة مطابع، وجملة معامل لصنع الطرابيش والجوخ وخلاف ذلك. أما غلطه فقد شادها أهالي جينوا، وما برحت إلى اليوم محاطة بالسور المنسوب إليهم، ومحيطه مقدار 8000 قدم، وموقعها في القسم المجاور للبحر على الجهة الجنوبية من بيريه، وسكانها أغلبهم من الأروام واليهود، وفيها محل للجمرك، ومخازن لشحن الوابورات، وبها الجوامع الكثيرة، وترسخانة الطوبخانة، ومعامل لسبك المدافع ومعدات الحرب والدمار، وفيها برج يدعى برج المسيح - أو برج الحرس - علوه 140 قدما، بناه أهالي جينوا عام 1446 بعد المسيح، والغرض من بنائه كان التنبيه على أهالي القسطنطينية عند حدوث الحريق بما يتفقون عليه من العلامات، إشارة إلى أن الحريق في موضع كذا.
وفي محلة قاسم باشا توجد الترسخانة الكبيرة والترسخانة البحرية وحوش البحرية، والمسافر عند دنوه من المدينة بحرا ينظرها ذات منظر بهج ورائق؛ إذ يشاهد رءوس المآذن المذهبة، وقبب الجوامع المسنمة، وشوامخ الأبنية الجميلة، والأبراج المزخرفة، والمنابر العالية، وفي معاليها أكاليل من ورق السرو الأثيث، وما شاكل ذلك من الأشجار التي تظلل المدافن العظيمة المحتفرة في جوانب الأسوار، غير أن المسافر عندما يدخلها ويتوغل فيها يتعذر عليه أن يعرف من أين دخل وكيف يخرج.
أما أبنيتها فأكثرها من الأخشاب والقرميد واللبن، ثم إن البوغاز المعروف بالبوسفور يفصل بين آسيا وأوروبا، ويصل البحر الأسود بالبحر الأبيض، وهو ممتد على مسافة 20 ميلا بالطول وبالعرض من ميل إلى ميل ونصف، ينحدر فيه الماء بشدة منصبا في بحر مرمرا المتصل بالبحر الأبيض، وعلى ساحله من كلتا الجهتين قرى شهيرة كل قرية منها تضاهي مدينة صغيرة، وفيها من السرايات الأنيقة، والمنازل الفاخرة، والأسواق الرحبة، والحدائق البديعة، والمتنزهات الجميلة ما يقر النواظر، ويشرح الخواطر، وفيها سفارات الدول الأجنبية خلا سفارة دولة إيران، فإنها بالقرب من الباب العالي. ومجمل القول: إن هذا البوغاز على جانب عظيم من حسن الموقع، ووفرة الانتظام، يقصر المقام عن سرده؛ فإن بناياته وافرة الاتفاق، تعلوها الروابي النضرة القائمة فوقها الأشجار الوارفة الظلال، والحدائق الأنيقة التي تجلي عن القلوب صدى الكروب.
وقد يقصده السواح من أقطار الأرض ليشاهدوا غريب موقعه، ويتمتعوا بجودة هوائه. وفي الجهة اليمنى منه يوجد حوض ماء ضمن قبوة يدعى حوض القديسة صوفيا، يزوره قوم كثيرون من النصارى والمسلمين قصد التبرك، وفي الجهة الشمالية يوجد قصر مبني على الشاطئ، وحوله حديقة لاحقة بأملاك الحكومة المصرية هناك، كان القصد من بنائه إيواء المسافرين من المصريين، وفيه ترسو البارجة العظيمة (المحمودية) ذات المائة والعشرين مدفعا.
অজানা পৃষ্ঠা