المحرم 1187ه
مقدمة المؤلف
تطوى السنون والأحقاب، وتتعاقب الأجيال والدول، ولا يبقى من أبناء الأوائل غير ما يتلقى الأواخر عن ألسنة الرواة في أساليب القصص بأحاديث السمر، مرويا كما يشاء الميل أو يقتضيه الغرض، وعلى هذا النمط كانت تضيع الحقائق كما ضاع الصاع في أيام العزيز بأرض الكنانة على عهد فرعون مصر، أو تنقلب صورها عن دائرة أوضاعها، كما النور إلى ظلام عند الأعين الرمدة.
ولما بدا في الوجود فن الكتابة وتعممت صناعة الطباعة قلما وجدنا مستودعا لأحوال الغابرين يركن إلى ودائعه في سرد حوادث أيامها؛ لأن حملة الأقلام كانوا تحت مؤثرات الخوف وعوامل الضغط، فاضطروا إلى تدوين الحوادث مدبجة بعبارات المحاباة والمجاملة، ليأمنوا غدر أصحاب القوة والسلطان. ولم تنطلق الأقلام على صفحات الأوراق كما شاء استقلال الفكر، وقضت به أمانة النقل لا في عصر اليونان والرومان، ولا على عهد حضارة العرب وفتوحات نابليون، ولا إلى آخر أيام السلطان عبد الحميد خان، إنما الحقائق تجلت بقاياها بعد زوال سلطات الفرد، وحلول الشورى محل الحكم المطلق، وأمكن الكتاب والمؤرخون أن يقرروا الوقائع كما وقعت، ويسردوا الحوادث كما حصلت، ويبرزوا سير النوابغ وأعمال الملوك على حقيقتها مظهرين ما حسن منها وما قبح عبرة للعالمين.
ولا أفيد للرقي العصري من معرفة تاريخ الماضي، فمنه يعرف كيف دالت الدول وقامت على أطلالها أخرى، وانقرضت الأمم وتبوأ مجدها غيرها، وكيف أن التنازع في الكيان والبقاء رجحت كفته في جانب الرأي الأصيل ومن استطاع أن يتملك القلوب بالإحسان، ويربطها بقيود الألفة، لا أن يفرقها بالنفرة، ويخضعها بالإرهاب والقسوة.
فالتاريخ مرآة الأولين تنعكس منه صور أعمالهم، فيستدرك فيها النقص، ويتقوى محل الضعف، وفيه يبقى الأثر الخالد الجليل الأعمال، والاسم الحي لأعاظم الرجال، ومنه ترهب النفس الظالمة، فتردع عن غيها تحاشيا من تخليد سيئاتها.
والإنسان كما أنه يتطلع إلى أصل كيانه، يتوق كذلك إلى معرفة منشأ دولته، وجامعة أوطانه، فمن المفيد إذن الوضع أمام النظر لكل عثماني صور ملوكه مع تاريخ موجز لكل منهم؛ ليتمثل لديه كل عصر مضى على كيان دولته؛ لعله يعتبر ويستفيد من الدستور، وكما استفاد منه باقي الأمم، ولا يقنع من الثمر بالقشور.
فذلكة في تاريخ القسطنطينية عاصمة الخلافة
الكبرى
من هي القسطنطينية
অজানা পৃষ্ঠা