তারিখ মিসর মিন ফাতহ উসমানি
تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر
জনগুলি
وربما كان الخطب أعظم لو لم تؤلف «لجنة حفظ الآثار العربية»؛ ألفها الخديوي توفيق باشا سنة 1881 لمنع العبث بهذه الآثار وللمحافظة عليها، فكان لأعمالها أعظم ثمرة في ذلك. (4) المماليك وأهل البلاد
مماليك هذا العصر - كمن سبقهم من المماليك - لم يمتزجوا بالسكان الأصليين، بل عاشوا مترفعين في معزل عنهم. وقليل منهم من تزوج وكون له أسرة؛ إذ كان ديدنهم الحروب والفروسية، فلا يرضون بشيء يشغلهم عنها. ومعظمهم كان يموت في ساحة الوغي وسنه لا تتجاوز الخامسة والثلاثين، ومن عاش منهم عيشة هادئة ورضي بالزواج - وهو النزر اليسير - كان نسله يندمج على مدى الأيام في المصريين.
وقد غالى المماليك في أواخر العصر العثماني في ابتزاز الأموال من الأهلين، وانغمسوا في الترف في مسكنهم وملبسهم ومعيشتهم، على غير عاداتهم الأولى المبنية على الخشونة والسذاجة في كل شيء، وصارت حلة البيك منهم لا يقل ثمنها عما يعادل 600 جنيه الآن - مع عظم قيمة النقود في تلك الأيام - ولا يمتطون إلا خيول «نجد» العربية الأصيلة التي يبلغ ثمن أحدها نحو 300 جنيه.
ولم يكن ذلك قاصرا على البيكوات أنفسهم، بل إن مماليكهم الذين لم يرتقوا بعد إلى مراتب الرياسة كانت ركائبهم مزينة بأفخر الحرائر، ومرقشة من كل جانب بالذهب والفضة، على حين أن المصريين الأصليين لم يسمح لهم إلا بركوب البغال والحمير.
شكل مملوك (عن كتاب وصف مصر).
وصار أهل البلاد هم العبيد الحقيقيين، و«المماليك» هم السادة؛ إذ استولى المماليك على جميع الأملاك إلا ما كان منها موقوفا على الأعمال الخيرية في وصاية العلماء. وتشعثت حال الفلاح حتى صار رثا في ملبسه ومسكنه ومأكله؛ لا يكاد يفيق من دفع ضريبة شرعية أو غير شرعية حتى يطالب بدفع أخرى، وإذا امتنع عن الدفع - فقرا أو ادعاء - ضرب وعذب حتى يدفع، وربما قتل من أجل ذلك.
واختل الأمن في تلك الأيام، وكثرت مناسر اللصوص وقطاع الطرق؛ فتأخرت التجارة، وأهملت مرافق الزراعة، وانقرض معظم الصناعات، وكانت قد دخلت في طور تقهقر بعد أن نقل السلطان سليم أمهر الصناع إلى القسطنطينية، فقضى الفقر واختلال الأمن على البقية الباقية منها.
وفي أواخر القرن الثاني عشر ه - الثامن عشر م - كان تكرير السكر لا يزال جاريا في بعض أنحاء البلاد، وكذلك بقي أثر من صناعة الحرير والكتان التي كانت لمصر فيها شهرة فائقة من قبل، كما بقيت نماذج من صناعة الزجاج.
على أن الذي لطف هذه الحالة أن ما كان يجبى من البلاد كان يصرف في نفس البلاد؛ فالثروة التي كانت ترد متجزئة إلى خزائن الأمراء وتتجمع فيها، تنفق بعد متجزئة إلى التجار من الأهلين بعد دفع الخراج، الذي لم يكن كبيرا. ولم يكن ظلم المماليك وعسفهم ليمنعهم من الكرم وبذل الصدقات؛ فكان كبار القوم يعيشون في رخاء وسعة، وكانت بيوتهم مفتحة للقادمين في الغداء والعشاء، وكانوا في الأعياد يوزعون كثيرا من الأرز والعسل واللبن على الفقراء والمساكين، كما يوزعون عليهم الحلوى أيضا في أيام الجمعة والمواسم.
ولم يكن أمراء المماليك وحدهم هم أصحاب القصور الفاخرة، بل شاركهم في ذلك كثير من التجار، وكان من بين المنازل الكبيرة المطلة على بركة الأزبكية - حديقة الأزبكية الآن - منزل لتاجر شهير يدعى «أحمد الشرايي» غاية في الحسن، وكانت لهذه الأسرة ثروة طائلة، وبيتهم يؤمه العلماء من كل جانب لاشتماله على كل ما يرغبه الطالب من الكتب التي كانوا يعنون بجمعها من كل سوق، ولا يضنون على أحد بإعارتها.
অজানা পৃষ্ঠা