الظاهر أن العائلة الخامسة «المنفية» لا تختلف عن العائلة الرابعة في شيء، فإنها تشبهها في توفر أسباب الثروة واليسار وتوطد دعائم الأمان والنظام والولوع بالترف في العمائر، ولكنها مع ذلك كانت مبدأ لسقوط الدولة المصرية وانحطاطها.
وكان مؤسسو الحكومة الملوكية في مصر لم يخلعوا أمراء الولايات (الكور)، بل كان هؤلاء يتعاقبون عليها بطريق الميراث وجعلهم الملوك إخاذيين
3
تابعين لهم، وأبقوا لهم حقوق الإمارة على شرط أن يدفعوا لهم إتاوة معينة، ويمدوهم بالجند في الخدمة العسكرية، وكانت هذه الولاية الأخاذية ما زالت يانعة زاهرة في مدة الأجيال السابقة، فكان للكثير من العشائر التي يتألف منها هؤلاء الأمراء أملاك واسعة وأقطاع فسيحة؛ بحيث إنها في زمن الفتن كان يخشى على العائلة الحاكمة من أن تكون لها خصما عنيدا يجب الاحتفاظ منه، ولا نعلم كيف أن إحدى هذه العشائر وأصلها من جزيرة «أسوان»
4
استبدت على العائلة المنفية وتناولت دونها الأحكام، ولكنها تعاطت شئون التدبير ومهام الملك؛ بما أوجب لها المهابة والفخار والمعزة والاقتدار (وهي العائلة السادسة). وأقدم الملوك المصريين الفاتحين الذي وقفنا على حروبه هو الملك الثاني من هذه العائلة المعروف باسم بيبي، فإنه انتصر في وقائعه مع الأقوام المستوطنين شرقي الدلتا وغربيها، وحطم ما كان لهم من أشجار التين، وقطع كرومهم، وأحرق قمحهم، وسبى نساءهم وأولادهم، ثم أخضع كور النوبة وهي ما يلي الشلال الأول جنوبا، وأدخل أهاليها في سلك الجيوش المصرية.
وبعد ذلك بقرن ونصف عاد الأمر والسلطان إلى العائلات المنفية (العائلة السابعة والثامنة) ولكن لم يقبل الدهر على فراعنتها إقباله الأول، فلم ترجع لهم أيام العز القديم، وكانت الولايات الإخاذية التي في مصر الوسطى هي الأكثر شوكة واقتدارا في هذا العصر، فجاء أسياد هيراكليوبوليس
5
وهم أصحاب الفيوم فقبلوا دولة الفراعنة الشرعية، ولبسوا التاج، واستأثروا بالملك، ومن ذلك العهد لم تخرج من منف عائلة تولت الأحكام في مصر. (4) العائلات الخارجة من هيراكليوبوليس وجلوس العائلات الطيبية على سرير الملك
إن السيطرة التي حصلت عليها مدينة هيراكليوبوليس لم تبق لها إلا قليلا من الزمن (حكمت فيه العائلتان التاسعة والعاشرة) فقد ظهر لها في الجنوب أخصام ذوو بأس شديد، ولم تكن مدينة طيبة إلى ذلك العهد نالت من الظهور ما يجعل لها حديثا في التاريخ ولم تنل الأهمية ورفعة الشأن إلا بعد سقوط المنفيين وخروج الأمر من يدهم. وكانت في أول الأمر تابعة لهيراكليوبوليس ولكنها ما لبثت أن جاهرتها بالعصيان، وأشهرت عليها الحرب العوان، وجالد أمراؤها فراعنة العائلة العاشرة، وفازوا بالظفر والانتصار حتى استبدوا عليهم وانتزعوا الملك من أيديهم (في حدود سنة 3200ق.م).
অজানা পৃষ্ঠা