تولى الوزارة، والملك قد اختل نظامه، والدين قد تبدلت أحكامه، في أواخر دولة الديلم، وأوائل دولة الترك، وقد خربت الممالك بين إقبال هذه وإدبار تلك، وقد أقفرت البلاد وأقوت، واستولت الأيدي العادية عليها وتقوت. وقامت النوائح على النواحي، والنوادب على النوادي. فأعاد الملك إلى النظام، والدين إلى القوام. وعمر الولايات، وولى العمارات. وكانت العادة جارية بجباية الأموال من البلاد، وصرفها إلى الأجناد، ولم يكن لأحد من قبل إقطاع، فرأى نظام الملك أن الأموال لا تحصل من البلاد لاختلالها، ولا يصح منها ارتفاع لاعتلالها. ففرقها على الأجناد إقطاعا، وجعلها لهم حاصلا وارتفاعا. فتوفرت دواعيهم على عمارتها وعادت في أقصر مدة إلى أحسن حالة من حليتها.
وكان للسلطان نسباء يدلون بنسبه، ويدلون بسببه، ويستطيلون بأنهم ذو قرابته فقصر أيديهم، ومنع تعديهم. وساس جمهورهم بتدبيره، ونظم أمورهم بسياسته. وربما قرر لواحد من الجند ألف دينار في السنة، فوجه نصفه على بلد من الروم، ونصفه على وجه في أقصى خراسان، وصاحب القرار راض، وليقينه بحصول ماله غير متقاض.
وتوقيعه مأمون التعويق، وتفويقه لسهم السداد مقرون بالتوفيق. فقسم الملك الذي حازه السيف بقلمه أحسن تقسيم، وقومه أحسن تقويم. وكان ينظر في الأوقاف والمصالح ويرتب عليها الأمناء، ويشدد في أمرها، ويخوف من وزرها. ويرغب في أجرها، ويكلها إلى الأمنة، ولا يدعها مأكلة للخونة.
ووظف على ملوك الأطراف وعلى أقاليم الممالك والأمصار حمولا لخزانة السلطان يحملونها، وخدما عن عصمة ولايتهم يوصلونها. وقرر معهم الحضور إلى الخدمة وموالات الخدمات للحضرة، والوصول بالعساكر الجمة. حتى ملأ الخزائن بالذخائر، والملأ بالعساكر. ونشأ له أولاد كبروا في دولته، فأوطأ عقبهم، وأعلى رتبهم. ثم إنه لما وفر الأموال على الخزانة والعسكر، جعل فيها لأرباب العلوم وأصحاب الحقوق حقوقا لا تؤخر، ورسوما لا تغير. وصير إحسان السلطان بين أهل العلم ميراثا يأخذونه بقدر الفرائض، ويأمنون بها من النوائب والعوارض. فلا جرم تذللت له المصاعب، وتيسرت له المطالب، ودانت له المشارق والمغارب.
পৃষ্ঠা ২২০