في البقرة عند قوله تعالى (وإذا أظلم عليهم قاموا) حيث استعمل لازما ومتعديا، والمتعدى لا يوجد في استعمال من يستشهد بكلامه ولم يثبته الثقات من أئمة اللغة إلا القليل جدا. واعلم أن الشعراء طبقات: الجاهليون كامرئ القيس وزهير، والمخضرمون: أي الذين أدركوا الجاهلية والإسلام كحسان ولبيد، والمتقدمون من أهل الإسلام كالفرزدق وجرير ويستشهد بأشعارهم; ثم المحدثون كالبحتري وأبى تمام، ولا يستشهد بشعرهم وإنما أسند الإظلام إلى العقل لأنه لا يطيب عيش العاقل، وإلى الدهر لإنه يعادى كل فاضل، والأولى أن يراد بالإظلام ما يشق على النفس من تعنيف المؤدب والمرشد وبإجلاء الظلام ما ظهر لهما من ثمرتي الإرشاد والتأديب: أي كلفاني ما أظلم به حالي وتنغص به عيشي ثم أجليا ظلاميهما لأني تهذبت وتأدبت:
(يمشون رسما فوق قنته * ينهون أكل وعن شرب) في البقرة عند قوله تعالى (واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا) حيث اتسع فيه فأجرى مجرى المفعول به فحذف الجار ثم حذف الضمير كما حذف من قوله: أو مال أصابوا: أي أراهم قد تغيروا عما كانوا عليه من الوفاء فما الذي غيرهم البعد وطول العهد؟ كما قيل: طول العهد ينسى، أم المال والغنى، فإن المال يطغى (إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى) ولأجل ذلك قال أبو الهول في صديق له أيسر فلم يجده كما يحب:
لئن كانت الدنيا أنالتك ثروة * فأصبحت فيها بعد عسر إلى يسر فقد كشف الإثراء منك خلائقا * من اللؤم كانت تحت ثوب من الفقر والبيت للحرث بن كلدة الثقفي من قصيدة تتضمن ألطف عتاب وأحسنه، قالها وقد خرج إلى الشأم فكتب إلى بنى عمه يجيبوه، وهى قوله:
ألا أبلغ معاتبتي وقولي * بنى عمى فقد حسن العتاب وسل هل كان لي ذنب إليهم * همو منه فأعتبهم غضاب كتبت إليهم مرارا * فلم يرجع إلى لها جواب فما أدرى أغيرهم تناء * وطول العهد أم مال أصابوا فمن يك لا يدوم له وصال * وفيه حين يغرب انقلاب فعهدي دائم لهموا وودى * على حال إذا شهدوا وغابوا ولا يخفى على ذي الذوق السليم لطف هذا العتاب والخطاب المستطاب، ولعمرى إنه حرى بقول الآخر:
وأملى عتابا يستطاب فليتني * أطلت دنوبي كي يطول عتابه
পৃষ্ঠা ৩২৭