تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات شرح شواهد الكشاف تأليف الأستاذ محب الدين أفندي رحمه الله وأثابه رضاه آمين شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده
পৃষ্ঠা ৩১১
(يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا " ومبشرا " ونذيرا ") (قرآن كريم) بسم الله الرحمن الرحيم يا من قامت على وحدانيته الشواهد، وفى كل شئ له آية تدل على أنه واحد; تنزه في ذاته عن المثال، وتقدس في صفاته أن يتصوره وهم أو خيال، صل على سيدنا محمد أفصح العرب، وعلى آله وأصحابه أهل البلاغة والأدب، صلاة نبلغ بها أسنى المقاصد، وتكون لنا في اليوم المشهود أعظم شاهد.
وبعد: فغير مستور ولا خاف أن الشواهد الواقعة في الكشاف كثيرا ما يحفظ منها أبيات، لكن لا يعلم ما استشهد بها عليه من الآيات; ويعزب عن البال استحضار تلك الموارد والآيات التي قامت منها عليها شواهد، وطالما رأيت من يحفظ البيت بقلبه وهو يدور عليه; وربما يوجد في البيت ساكن بل يلتقى فيه ساكنان ولم يهتديا إليه; وقد وقفت لبعضهم على شرح شواهد الكتاب إلا أنه لم يذكر فيه آية تدل على ذلك البيت ليعلم الدخول إليه من أي باب، فيحتاج عند كل بيت إلى مراجعة محله من التفسير، ويصرف في استخراجه لتزيل الآية عليه زمن كثير، فوجدت أن تسهيل الطريق إلى البيت أمر يتحم، وجردت الأبيات من محلها ورتبها على حروف المعجم، وكتبت تلك الآية ليعرف منها الشاهد ويعلم، ويدرى ذلك البيت بأدنى تنبيه، وصاحب البيت أدرى بالذي فيه. على أنه لم يفت الشارح المذكور من الأبيات إلا الثمد والسبد واللمم، أو ما أغفل منها فلم يجر عليه القلم; ثم إني أبسط العذر عند مطالع هذا الكتاب، عن شرح بعض الأبيات بطريق الإسهاب، وضم سابق الشاهد ولا حقه إليه، والميل أحيانا إلى عطف ذلك عليه، فإنه ربما دعت له المناسبة، وكان بين البيت وما يليه من كل جهة أفعال المقاربة وكدت لذكر البيت مع ما يناسبه; تكلمني أحجاره وملاعبه، وكأن لسان حاله ينشد في هذا المقام مخاطبا ، ويتمثل ببيت جرير معاتبا:
تمرون الديار ولم تعوجوا * كلامكم على إذا حرام فلم أر بدا من أن أعطف البيت على سابقه لحق الجوار، وأبين معناه مجانب الإكثار، وقد يكتفى بشطر البيت فأولى وجه النظر شطره، أو يقتصر على محل الشاهد من العجز فأشرح صدره، لكمال اتصاله به وائتلافه، ومعلوم أن مقام البسط يباين مقام خلافه، وما تلك قضية منكورة، بل قصة معروفة مشهورة، فلعل الواقف عليه يغضى عما يجده من الخلل، ولا يعد ذلك تطويلا يوجب الملل، والله المسؤول أن يوفقني لصالح القول والعمل ثم من المقرر أن وجه التسمية لا يلزم اطراده، ولكني أردت أن أسمى هذا الكتاب باسم يحسن وقعه وإيراده، فسميته [تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات].
পৃষ্ঠা ৩১৩
ولنقدم قبل الشروع في المقصود مقدمة وهى أنا لمحنا في الديباجة ببعض ألفاظ تحتاج إلى إفصاح. ولوحنا إلى مقاصد تفتقر إلى إيضاح، وهى قولنا على أنه لم يفت الشارح المذكور من الأبيات إلا الثمد والسبد واللمم، أو ما أغفل منها فلم يجر عليه القلم; أما الثمد فهو تلميح إلى بيت أغفله في سورة مريم عند قوله تعالى (وآتيناه الحكم صبيا) وهو بيت النابغة الذبياني:
واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت * إلى حمام سراع وارد الثمد وأما السبد فهو تلميح إلى بيت أغفله في سورة عند قوله تعالى (رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين) وهو قوله:
سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا * فكيف لو قد سعى عمرو عقالين لأصبح الناس أوبادا ولم يجدوا * عند التفرق في الهيجا جمالين وأما اللمم فهو تلميح إلى بيت أغفله في سورة النجم عند قوله تعالى (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) وهو قوله:
لقاء أخلاء الصفاء لمام * وحبل وصال الغانيات رمام وأما قولنا أو ما أغفل منها فلم يجر عليه القلم، فهو إيماء إلى بيتين أوردهما المصنف من نظمه في سورة القلم حيث قال يعنى نفسه. ولبعضهم في صفة القلم: ورواقم رقش إلى آخر البيتين; ثم لا يخفى على من ذاق هذا الكلام وتأمله أن في هذه الألفاظ ما يلوح إلى قلة ما أغفله.
ونسأل الله تعالى أن يوسع علينا فضله، ويوقظنا من سنة الغفلة، ويعصمنا من الزلل والخطأ، وأن لا نكون ممن اتبع هواه وكان أمره فرطا، والله تعالى ولى التوفيق، والهادي بالعناية إلى أقوم طريق، وهو حسبي ونعم الوكيل:
سورة الفاتحة (باسم الذي في كل سورة سمه * قد وردت على طريق تعلمه) هذا البيت ثاني أبيات الكشاف، وإنما ابتدأنا به هنا تبركا باسمه سبحانه وتعالى، والبيت لرؤبة بن العجاج.
والشاهد فيه كون الاسم أحد الأسماء العشرة التي بنوا أوائلها على السكون، فإذا نطقوا بها مبتدئين زادوا همزة لئلا يقع ابتداؤهم بالساكن، وإذا وقعت في الدرج لم تفتقر إلى زيادة شئ واستغنى عنها بتحريك الساكن، وبعد البيت:
أرسل فيها بازلا يقرمه * فهو بها ينحو طريقا يعلمه أي أرسل بازلا في حال كون المرسل قرمه: أي تركه على المعل للفحلة فالبازل يقصد بتلك الإبل طريقا يعلمه لأنه ألف ذلك العمل: أي الجماع، والبازل الذي انشق نابه، وذلك في السنة التاسعة وربما بزل في الثامنة، وبعد الآن نشرع في شرح الأبيات على ترتيب الحروف.
পৃষ্ঠা ৩১৪
حرف الألف (ويصعد حتى يظن الجهول * بأن له حاجة في السماء البيت لأبى تمام في سورة البقرة عند قوله تعالى (صم بكم عمى فهم لا يرجعون) فإن المنافقين لما وصفوا بأنهم اشتروا الضلالة بالهدى وعقب ذلك بتمثيل هداهم الذي باعوه بالنار المضيئة حول المستوقد والضلالة التي اشتروها بذهاب الله بنورهم وتركه إياهم في الظلمات، فكأنهم من حيث سدوا مسامعهم عن الإصاخة لما يتلى عليهم من الآيات والذكر الحكيم وأبوا أن يتلقوها بالقبول وينطقوا بها وأصروا على ذلك صاروا كفاقدي تلك المشاعر بالكلية كقوله:
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به * وإن ذكرت بشر عندهم أدنوا أصم عن الشئ الذي لا يريده * وأسمع خلق الله حين يريد وهذا عند مفلق سحرة البيان من باب التمثيل البليغ المؤسس على تناسى التشبيه كما في قول أبى تمام في مدح خالد ابن يزيد الشيباني ويذكر أباه، وهذا البيت في مدح أبيه وذكر علوه فإنه استعمار الصعود لعلو القدر والارتقاء في معارج الكمال، ثم بنى عليه ما يبنى على علو المكان من الارتقاء إلى السماء في مدارج الحاجة في السماء، وليس ذلك من قبيل الاستعارة التي يطوى لها ذكر المستعار بالكلية، حتى لو لم يكن هناك يكن قرينة كدلالة الحال أو فحوى الكلام يحمل على المعنى الحقيقي كقول زهير: لدى أسد شاكي السلاح مقذف * له لبد أظفاره لم تقلم (يوحون بالخطب الطوال وتارة * وحى اللواحظ خيفة الرقباء) في سورة البقرة عند قوله تعالى (فهم لا يرجعون أو كصيب) حيث ثنى الله تعالى في شأنهم بتمثيل آخر ليكون كشفا لحالهم بعد كشف، وإيضاحا غب إيضاح، وكما يجب على البليغ في مظان الإجمال والإيجاز أن يجمل ويوجز فكذلك الواجب عليه في موارد التفصيل والإشباع أن يفصل ويشبع كما في الجاحظ يوحون الخ. قيل لأبى عمرو بن العلاء: لما كانت العرب تطنب؟ فقال: ليسمع منها، فقيل: فلم توجز؟ قال: ليحفظ عنها; ومن هذا القيل ما أورد من تجاهل العارف كالمبالغة في المدح في قول البحتري يمدح الفتح بن خاقان:
ألمع برق بدا أم ضوء مصباح * أم ابتسامتها بالمنظر الضاحي أو التدله في الحب كقول العرجي:
بالله يا ظبيات القاع قلن لنا * ليلاي منكن أم ليلى من البشر وما أحسن القاضي الفاضل يمدح الملك العادل أبا بكر بن أيوب:
أهذه سير في الفضل أم سور * وهذه أنجم في السعد أم غرر وأنمل أم بحار والسيوف بها * موج وافرندها في لجها درر وأنت في الأرض أم فوق السماء وفى * يمينك البحر أم في وجهك القمر إلى غير ذلك من مستظرفات الأمثال:
পৃষ্ঠা ৩১৫
(فأوه لذكراها إذا ما ذكرتها * ومن بعد أرض بيننا وسماء) في سورة البقرة عند قوله تعالى (أو كصيب من السماء) حيث جاء بالسماء معرفة; لينفى أن يتصوب من سماء أي من أفق واحد من سائر الآفاق لأن كل أفق من آفاقها سماء، قال تعالى (وأوحى في كل سماء أمرها ) ولو نكر السماء لجاز أن يكون الصيب من بعض الآفاق بدليل قوله * فأوه لذكراها إذا ما ذكرتها * الخ. الشاعر يتوجع لذكر الحبيبة ومن بعد ما بينه وبينها من قطعة أرض وقطعة سماء تقابل تلك القطعة الأرض فنكرهما، إذ لا يتصور بينهما بعد جميع الأرض والسماء; وأوه كلمة توجع تستعمل مع اللام، وقد اتفق للشاعر استعمالها معها في بيته وربما قصد ذلك فلله دره، ومنه يقال أوه الرجل تأويها وتأوه تأوها إذا قال أوه، والاسم الآهة بالمد، قال المثقب العبدي:
إذا ما قمت أرحلها بليل * تأوه آهة الرجل الحزين يقال رحلت البعير أرحله إذا شددت عليه الرحل، وهذا البيت لم يذكر في شرح الشواهد:
لا تزدرين في من أن يكون له * أم من الروم أو سوداء عجماء (فإنما أمهات الناس أوعية * مستودعات وللأبناء آباء) في سورة البقرة عند قوله تعالى (وعلى المولود له) أي على الذي يولد له وهو الوالد وله في محل الرفع على الفاعلية نحو عليهم في (المغضوب عليهم) وإنما قال المولود ليعلم أن الوالدات إنما ولدن لهم، لأن الأولاد للآباء ولذلك ينسبون إليهم لا إلى الأمهات، فلا تزدرين بأحد أنه ولد من أمة رومية أو سوداء هندية. قيل عاب هشام زيد بن علي فقال: بلغني أنك تريد الخلافة وكيف تصلح لها وأنت ابن أمة؟ فقال: كان إسماعيل ابن أمة وإسحق ابن حرة، فأخرج الله من صلب إسماعيل خير ولد آدم. وأنشد المأمون ابن الرشيد البيت في مثل ذلك، وما أحسن ما قيل في معنى ذلك:
وهل هند إلا مهرة عربية * سليلة أفراس تحللها بغل فإن ولدت مهرا كريما فبالحري * وإن كان إقراف فما أنجب الفحل ولذلك ترى المفتخرين بالأنساب فيما مضى وما هو آت، إنما يفتخرون بالآباء لا بالأمهات كما قال الفرزدق:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم * إذا جمعتنا يا جرير المجامع ومنهم من لا يفتخر لا بالآباء ولا بالأمهات، وإنما يفتخرون بالفضائل والكمالات كما قال:
لعمرك ما الإنسان إلا ابن يومه * على ما تجلى يومه لا ابن أمسه وما الفخر بالعظم الرميم وإنما * فخار الذي يبغي الفخار بنفسه وما أحسن ما قيل وإني وإن كنت ابن سيد عامر * وفارسها المشهود في كل موكب فما سودتني عامر عن وراثة * أبى الله أن أسمو بأم ولا أب (ألم أك جاركم ويكون بيني * وبينكم المودة والإخاء)
পৃষ্ঠা ৩১৬
في سورة النساء عند قوله تعالى (ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤنين) في قراءة من ينصب بإضمار أن.
والبيت للحطيئة يذكرهم حق المجاورة والمودة والإخاء، والواو جواب الاستفهام ويجاب بها كما يجاب بالفاء.
وفى سورة الأعراف عند قوله تعالى (وقال الملأ من فرعون أنذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك) حيث كان، ويذرك عطفا على يفسدوا وجواب الاستفهام بالو أو كقول الحطيئة ألم أك جاركم، على معنى أيكون منك ترك موسى ويكون تركه إياك وآلهتك.
(أدعى بأسماء نبزا في قبائلها * كأن أسماء أضحت بعض أسمائي) في سورة الأنعام عند قوله تعالى (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر) قيل آزر اسم صنم، فيجوز أن ينبز به للزومه عبادته كما ينبز ابن قيس بالرقيات اللاتي كان يشبب بهن فقيل ابن قيس الرقيات. يقول: أدعى في قبائل المحبوبة بأسماء وليست أسماء اسمى وإنما ينبزوني بها. اللقب من باب ضرب.
(فمن يلق في بعض القريات رحله * فأم القرى ملقى رحالي ومنشئ (1)) في الأنعام عند قوله تعالى (ولتنذر أم القرى) والبيت للمنصف; قال ولبعض المجاورين: يعنى به نفسه:
أي فأم القرى ملقى رحالي ومنشئ ومرجعي ومعادى أدخل نوبة بعد نوبة، والمراد بأم القرى مكة شرفها الله تعالى.
(كأن سلافة من بيت رأس * يكون مزاجها عسل وماء) كأن الرحل منها فوق صعل * من الظلمان جؤجؤه هواء في يونس عند قوله تعالى (أكان للناس عجبا أن أوحينا) على قراءة ابن مسعود عجب فجعله اسما وهو نكرة، وأن أوحينا خبره وهو معرفة كقوله * يكون مزاجها عسل وماء * والأجود أن تكون كان تامة وأن أوحينا بدلا من عجب، لأن القلب المقبول هو المشتمل على لطيفة فجعله منصوبا على تلك الطريقة، وما أحسن قول القائل في هذا المعنى:
أفى الحق يعطى ثلاثون شاعرا * ويحرم ما دون الرضا شاعر مثلي كما سامحوا عمرا بواو مزيدة * وضويق بسم الله في ألف الوصل والبيت لحسان من قصيدته المشهورة التي أولها:
عفت ذات الأصابع فالجواء * إلى عذراء منزلها خلاء ومنها يجيب أبا سفيان بن الحرث لما هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
هجوت محمدا فأجبت عنه * وعند الله في ذاك الجزاء ولما أنشد هذا البيت قال له النبي صلى الله عليه وسلم (جزاك الله الجنة) ومنها:
هجوت محمدا برا حنيفا * أمين الله شيمته الوفاء أتهجوه ولست له بكفء * فشر كما لخير كما الفداء
পৃষ্ঠা ৩১৭
وقد ذكر هذا البيت تفسير سورة العنكبوت أيضا عند قوله تعالى (والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون) فإن هذا الكلام ورد مورد الإنصاف كقوله تعالى (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) قيل لما أنشد هذا البيت قال من حضر: هذا أنصف بيت قالته العرب: ومنها:
فإن أبى ووالده وعرضى * لعرض محمد منكم وقاء ولما أنشد هذا البيت قال له النبي صلى الله عليه وسلم (وقاك الله حر النار يا حسان) روى عن عائشة رضي الله عنها أنها وصفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان والله كما قال شاعره حسان بن ثابت:
متى يبد في الداجي إليهم جبينه * يلح مثل مصباح الدجى المتوقد فمن كان أو من قد يكون كأحمد * نظام لحق أو نكال لملحد والسلافة أول ما يسيل من ماء العنب وهو أرق ما فيه، وبيت رأس: قرية بالشام، وقيل أراد به الرئيس فإن شراب الملوك أطيب من شراب غيرهم، وقوله * يكون مزاجها عسل وماء * في موضع الوصف لسلافة وخبر كأن المشددة في البيت الثاني وهو قوله:
على أنيابها أو طعم غض * من التفاح هصره اجتناء والهصر: عطفك الشئ الرطب، وهو أن تأخذ برأس غصن ثم تكسره إليك من غير بينونة لتجنى ثمره، وطعم منصوب معطوف على اسم كأن المشددة; شبه طعم ريقها بطعم الخمر وقد مزجت بعسل وماء، أو بطعم تفاح غض قد اجتنى.
(ردى ردى ورد قطاة صما * كدرية أعجبها برد ألما) في مريم عند قوله تعالى (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا) أي عطاشا، فإن من يدر الماء لا يرده إلا لعطش، أو كالدواب التي ترد الماء، وحقيقة الورد السير إلى الماء كقوله: ردى الخ.
والشاعر يخاطب الناقة وإنما جعلها صماء لأنها لا تسمع صوت القانص حتى تنفر، والكدرية نوع فيها كدرة، وفى لفظ الورد تهكم عظيم لا سيما وقد جعل المورد جهنم أعاذنا الله منها رحمة.
(فصرم حبلها إذ صرمته * وعادك أن تلاقيها عداء) في (طه) عند قوله تعالى (سنعيدها سيرتها الأولى) على تقدير أن يكون أعاد منقولا من عاده بمعنى عاد إليه، ومنه بيت زهير المذكور، قال أبو عمرو: بمعنى شغلك، وقال الأصمعي: صرفك. والعداء: البعد والشغل.
وقال الأصمعي الجور: أي وشغلك أو صرفك العداء عن ملاقاتها; ولكن المعنى الذي أراد المصنف في عاد هنا غير المعنيين، وهو أن يكون عادك بمعنى عاد إليك، فقوله وعادك عطف على قوله صرمته: أي اقطع حبلها إن قطعته هي، وعادك بمعنى عاد إليك جور أو شغل أو بعد، وإذا ثبت أن عاد يتعدى إلى مفعول واحد بنفسه فيتعدى بسبب زيادة الهمزة إلى المفعولين الأول الضمير المتصل والثاني سيرتها، وكأنه قيل سنعيد إليها سيرتها الأولى، وأما قوله عداء في البيت فهو فاعل عادك.
(آذنتنا ببينها أسماء * رب ثاو يمل منه الثواء) في الأنبياء البيت لابن حلزة عند قوله تعالى (فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء) والأذان الإعلام: أي أعلمتكم
পৃষ্ঠা ৩১৮
مستويين: أي أنا وأنتم في علم ما أعلمتكم به، والبين: الفراق، وأسماء اسم المحبوبة من الوسامة وهى الحسن والجمال، والهمزة بدل الواو كما في أحد، والثواء: الإقامة يقول: أعلمتنا أسماء بمفارقتها أبانا: أي بعزمها على فراقنا، ثم قال رب مقيم تمل إقامته، والمراد غيرها: أي أن فراقها يؤذى ولا يمل ثواؤها وليست هي كغيرها ممن يمل ثواؤه، وما أحسن قول الباخرزي في عكس هذا المعنى، وقيل إنه لأبى بكر الخوارزمي.
أراك إذا أيسرت خيمت عندنا * زمانا وإن أعسرت زرت لماما فما أنت إلا البدر إن قل ضوءه * أغب وإن زاد الضياء أقاما (أمن يهجو رسول الله منكم * ويمدحه وينصره سواء) في سورة القصص عند قوله تعالى (وأصبح فؤاد أم موسى فارغا) أي صفرا من العقل. والمعنى: أنها لما سمعت بوقوعه في يد فرعون طار عقلها لما دهمها من فرط الجزع والدهش، وسيأتى شرحه في يونس. (كانت قناتي لا تلين لغامز * فألانها الإصباح والإمساء) فدعوت ربى بالسلامة جاهدا * ليصحني فإذا السلامة داء في والصافات عند قوله تعالى (فقال إني سقيم). إن قلت: كيف جاز له أن يكذب؟ قلت: قد جوزه بعض الناس في المكيدة في الحرب والتقية، وفى إرضاء الزوج والصلح بين المتخاصمين والمتهاجرين; والصحيح أن الكذب حرام إلا إذا عرض وورى، والذي قاله إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه معراض من الكلام، وقد نوى به أن من في عنقه الموت سقيم، ومنه المثل: كفى بالسلامة داء، وقول لبيد: فدعوت ربى الخ. وقد مات رجل فجأه الناس والتفوا عليه وقالوا: مات وهو صحيح، فقيل أصحيح من الموت في عنقه؟ والقناة: الرمح والمراد هنا القامة، والغمز: العصر باليد، يصف قوته في الشباب وضعفه في الكبر ومرور الصباح والمساء عليه كما قيل:
ست وستون لو مرت على حجر * لبان تأثيرها في منعة الحجر وقيل لشيخ كيف أصبحت؟ قال: في داء يتمناه الناس، ومن المشهور:
أشاب الصغير وأفنى الكبير * كر الغداة ومر العشى وقد تضمن البيتان الشكاية من الدهر والأيام وأنها تحول بين المرء وبين المرام، وأن ما مضى من حلاوة العيش فيما مضى من الزمن لا تعادلها مرارة هذه الأيام الكثيرة المحن، ولله در القائل:
رب يوم بكيت منه فلما * صرت في غيره بكيت عليه وما أحسن ما أنشد في معنى ذلك:
لقد كنت أشكوك الحوادث برهة * وأستمرض الأيام وهى صحائح إلى أن تغشتني وقيت حوادث * تحقق أن السالفات منائح ولما كانت عادة الأيام الإتيان بعكس المرام وخلاف الإسعاف والإسعاد كان يتمنى البعد من يريد الوصال ويرجو الانقطاع باغى الاتصال كما قال:
سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا * وتسكب عيناي الدموع لتجمدا
পৃষ্ঠা ৩১৯
وما أحسن ما قبل في ذلك لأبى حسن الباخرزي:
ولكم تمنيت الفراق مغالطا * واحتلت في استمثار غرس ودادي وطمعت منها بالوصال لأنها * تبنى الأمور على خلاف مرادي ومن ألطف ما قيل في طريقة ذلك:
دعوت الله أن تسمو وتعلو * علو البدر في كبد السماء فلما أن علوت علوت عنى * وكان إذ " ا على نفسي دعائي وبالجملة فإلى الله المشتكى من دهر إذا أساء أصر على إساءته،، وإن أحسن ندم من ساعته.
واو أنى أعد ذنوب دهري * لضاع القطر فيه والرمال (طلبوا صلحنا ولات أوان * فأجبنا أن لات حين بقاء) هو لأبى زبيد الطائي من قصيدة طويلة أولها:
خبرتنا الركبان أن قد فجرتم * وفخرتم بضربة المكاء ولعمري لعارها كان أدنى * لكمو من تقى وحسن وفاء فاصدقوني وقد خبرتم وقد ثنا * بت إليكم جوائب الأنباء هل سمعتم من معشر سافهونا * ثم عاشوا صفحا ذوي غلواء كم أزالت رماحنا من قبيل * قاتلونا بنكبة وشقاء بعثوا حربنا عليهم وكانوا * في مقام لو أبصروا ورخاء ثم لما تشذرت وأنافت * وتصلوا منها كريه الصلاء طلبوا صلحنا الخ. وبعده:
ولعمرى لقد لقوا أهل بأس * يصدقون الطعان عند اللقاء ولقد قاتلوا فما جبن القوم * عن الأمهات والآباء وحملناهم على صعبة زو * راء يعلونها بغير وطاء أطمعتم بأن تريقوا دمانا * ثم أنتم بنجوة في السماء فلحى الله طالب الصلح منا * ما أطاف الخميس بالدهناء إننا معشر شمائلنا الصبر * ودفع الأسى بحسن العزاء ولنا فوق كل مجد لواء * فاضل في التمام كال لواء فإذا ما استطعتموا فاقتلونا * من يصب يرتهن بغير فداء في سورة ص عند قوله تعالى (ولات حين مناص) حيث قرأوا (ولات حين مناص) بالكسر، ومنه البيت ووجه الكسر في أوان أنه شبه بإذ في قوله:
نهيتك عن طلابك أم عمرو * بعافية وأنت إذا صحيح
পৃষ্ঠা ৩২০
في أنه زمان قطع منه المضا ف إليه، وعوض التنوين لأن الأصل ولات أوان صلح. فإن قلت: ما تقول في حين مناص والمضاف إليه قائم. قلت: نزل قطع المضاف إليه من مناص لأن أصله حين مناصهم منزلة قطعه من حين لاتحاد المضاف والمضاف إليه، وجعل تنوينه عوضا عن الضمير المحذوف ثم بنى الحين لكونه مضافا إلى غير متمكن. إن قلت: كيف يوقف على لات؟ قلت: يوقف عليها بالتاء كما تقف على الفعل الذي تتصل به تاء التأنيث، وأما الكسائي فيقف عليها بالهاء كما يقف على الأسماء المؤنثة. والمناص: المنجا والفوت، يقال ناصه ينوصه إذا فاته، واستناص: طلب المناص، وأما قراءة العامة فهي بفتح التاء، وحين بالنصب، ومذهب سيبويه أن لا نافية بمعنى ليس، والتاء مزيدة فيها كزيادتها في رب وثم، ولا يعمل إلا في الأزمان خاصة نحو لات حين ولات أوان كما في البيت، وقوله:
ندم البغاة ولات ساعة مندم * والبغي مرتع مبتغيه وخيم والأكثر حذف مرفوعها تقديره: ولات الحين حين مناص، وقد يحذف المنصوب ويبقى المرفوع كقوله:
من صد عن نيرانها * فأنا ابن قيس لا براح * أي لا براح لي (وما أدرى وسوف إخال أدرى * أقوم آل حصن أم نساء) لزهير بن أبي سلمى من قصيدته التي أولها:
عفا من آل فاطمة الجواء * فيمن فألقوا دم فالحساء أرونا خطة لا ضيم فيها * يسوى بيننا فيها السواء فإن الحق مقطعه ثلاث * يمين أو فناء أو جلاء فذلكم مقاطع كل حق * ثلاث كلهن له شفاء في سورة الحجرات عند قوله تعالى (لا يسحر قوم من قوم) القوم: الرجال خاصة لأنهم القوام بأمور النساء، قال تعالى (الرجال قوامون على النساء) وقال صلى الله عليه وسلم (النساء لحم على وضم إلا ما ذب عنه) والذابون هم الرجال وهو في الأصل جمع قائم كصوم وزور في جمع صائم وزائر أو تسمية بالمصدر، واختصاص القوم بالرجال صريح في الآية، وفى قول زهير، وقد استشهد به أيضا على أن الهمزة فيه للتعيين ليست للتسوية كما ظن ابن الشجري ذلك، وعلى الفصل بالفعل الملغى بين سوف ومدخولها على وقوع الجملة المعترضة بين حرف التنفيس والفعل، واستشهد به أهل البديع على النوع المسمى بتجاهل العارف:
(إذا طلع النجم عشاء * ابتغى الراعي كساء) في سورة (والنجم) والنجم: الثريا، وهو اسم غالب لها. قيل إن الثريا تخفى في السنة أربعين يوما لأنه تطلع الشمس فلا يرى، عن النبي صلى الله عليه وسلم (إذا طلع النجم ارتفعت العاهات) والعرب تسمى الثريا النجم، وهى سبعة ظاهرة وواحد خفى، قال الشاعر: خليلي إني للثريا لحاسد * وإني على ريب الزمان لواجد أيجمع منها شملها وهى سبعة * ويؤخذ منى مؤنسي وهو واحد
পৃষ্ঠা ৩২১
(بادت وغير آيهن من البلى * إلا رواكد جمرهن هباء ومشجج أما سواء قذاله * فبدا وغير ساره المعزاء) هو من أبيات الكتاب في سورة الواقعة عند قوله تعالى (وحور عين) بالرفع على وفيها حور عين، أو للعطف على ولدان، وبالجر عطفا على جنات النعيم، كأنه قال: هم في جنات وفاكهة ولحم وحور، أو على أكواب على معنى: يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وحور، وبالنصب على ويؤتون حورا، باد: هلك، وغير آيهن: أي علامتهن، والمراد بالرواكد أحجار الأثفية، وهبا الرماد يهبو إذا اختلط بالتراب. وقوله: ومشجج المراد به وتد الخباء الذي شج رأسه من الدق، وغير ساره: أي بقيته. والأمعز: مكان يخالط ترابه حجارة وحصى وإذا حمل على الأرض أو البقعة قيل المعزاء: أي لم يبق من آثار منازل الأحباب سوى أحجار الأثافي ورمادها المختلط بالتراب ووتد الخباء المكسور الرأس المتغير بطول بقائه في الأرض، ورفع مشجج ولم يعطفه على رواكد: أي وفيها مشجج، وحمل مشجج بعد بالرفع على المعنى لأن المعنى: بادت إلا رواكد بها رواكد، فحمل مشجج على ذلك، ومثله: لم يدع....... * من المال إلا مسحتا أو مجلف * لأن تقديره: لم يبق من المال إلا مسحت فحمل مجلف عليه، وسيجئ الكلام على إعرابه في محله مستوفى إن شاءالله تعالى.
(كيف نومي على الفراش ولما * تشمل الشأم غارة شعواء تذهل الشيخ عن بنيه وتبدى * عن خدام العقيلة العذراء) في القلم عند قوله تعالى (يوم يكشف عن ساق) والكشف عن الساق والإبداء عن الخدام مثل في شدة الأمر وصعوبة الخطب، وأصله في الروع والهزيمة وتشمير المخدرات عن سوقهن في الهرب وإبداء خدامهن عند ذلك، قال حاتم:
أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها * وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا وقال ابن الرقيات: تذهل الشيخ عن بينه الخ. فمعنى يوم يكشف عن ساق في معنى: يوم يشتد الأمر ويتفاقم ولا كشف ثم ولا ساق، كما يقال للأقطع الشحيح يده مغلولة ولا يد له ولا غل وإنما هو مثل في البخل، يقال غارة شعواء: أي فاشية متفرقة تذهل: أي تشغل تلك الغارة، وإنما خص الشيخ لوفور عقله وممارسته الشدائد:
وإما لفرط محبته للأولاد، والخدمة الخلخال، والعقيلة من النساء: التي عقلت في بيتها: أي خدرت وحبست، وعقيلة كل شئ أكرمه، ورفع الشعواء وخفض العذراء إقواء يتساهل الشعراء فيه، وسمى إقواء لأنه نقص من عروضه قوة، يقال أقوى الحبل إذا جعل بعضه أغلظ من بعض، والشعر خالف قوافيه برفع بيت وجر آخر كما في بيت النابغة الذبياني:
زعم البوارح أن رحلتنا غدا * وبذاك خبرنا الغراب الأسود لا مرحبا بغد ولا أهلا به * إن كان تفريق الأحبة في غد والبارح ضد السانح، يقال من لي بالسانح بعد البارح: أي بالمبارك بعد المشئوم، يقال سنح الطائر: جرى من يمينك إلى شمالك، والعرب تتيمن بذلك. قال ابن فارس: السانح ما أتاك عن يمينك من طائر وغيره.
পৃষ্ঠা ৩২২
حرف الباء (خيال لأم السلسبيل ودونها * مسيرة شهر للبريد المذبذب فقلت لها أهلا وسهلا ومرحبا * فردت بتأهيل وسهل ومرحب معاذ الإ به أن تكون كظبية * ولا دمية ولا عقيلة ربرب) هو من قصيدة من الحماسة للبعيث بن حريث وأولها * خيال لأم السلسبيل ودونها * الخ، وبعده:
ولكنها زادت على الحسن كله * كما لا ومن طيب على كل طيب وإن مسيري في البلاد ومنزلي * لبالمنزل الأقصى إذا لم أقرب ولست وإن قربت يوما ببائع * خلاقي ولا ديني ابتغاء التحبب ويعتده قوم كثير تجارة * ويمنعني من ذاك ديني ومنصبي دعاني يزيد بعد ما ساء ظنه * وعبس وقد كانا على حد منكب وقد علما أن العشيرة كلها * سوى محضري من خازلين وغيب فكنت أنا الحامي حقيقة وائل * كما كان يحمى عن حقيقتها أبى محل الشاهد أن الإله أصل الله، والبيت مبالغة في الاعتصام: أي أعوذ بالله عياذا وعياذة ومعاذا وعوذا تجعله بدلا من اللفظ لأنه مصدر وإن كان غير مستعمل مثل سبحان. والدمية: الصنم والصورة المنقوشة.
والعقيلة: من كل شئ أكرمه. والربرب: القطيع من بقر الوحش. يصف محبوبة المسماة بهذه الأوصاف أنها بتلك المحاسن، ثم بين أنها أحق مما وصفها به، واستغفر الله أن تكون في الحسن بحيث تشبه بذلك إذ كانت هذه الأشياء عنده دونها وقاصرة عن رتبتها. وقد استعمل محرره الفقير هذا المعنى بعينه في قصيدة أرسلها للمرحوم العلامة الشيخ شمس الدين بن المنقار عليه رحمة الغفار جوابا عن قصيدة كان أرسلها إلى تقريظا امتدح به رحلة الفقير التي أنشأها لما توجه إلى مصر المحمية في خدمة المرحوم شيخ الإسلام مفتى الأنام حضرة جوى زاده رزقه الله الحسنى وزياده، ولا بأس بإيراد بعض أبيات من القصيدتين لمناسبة المقام، ولا يخفى على ذوي الذوق السليم أن بين ما نظمته وبين الشاهد الشبه التام، فمطلع قصيدة المرحوم المشار إليه:
أهذه الخود تجلى في مغانيها * أم السماء بدت فيها دراريها أم بنت فكر غدت باللفظ تسحرنا * ونحن من حسنها الفتان نرقيها جرت على أدباء العصر قاطبة * ذيل الترفع من إعجابها تيها لن يستطيع بليغ أن يعارضها * ولا إمام المعاني أن يدانيها دانت لها العرب العرباء قاطبة * أقر بالعجز قاصيها ودانيها لله در محب الدين سيدنا * أحل أعلى المعاني في أغانيها
পৃষ্ঠা ৩২৩
فلفظها الزهر مفتر مباسمه * والجوهر الفرد جزء من معانيها بنى قصورا لأهل العلم عالية * من الثناء فحلوا في أعاليها لا بدع إن أطنبت في وصفها مدح * وكيف لا والمحب المحض بانيها سارت إليه المعالي وهى خاضعة * لما تفرد في أعلى مراقيها لازال يرفل في أثواب سؤدده * مع الأحبة في مغنى تلاقيها ما مال نحو محب حبه وبدت * تشدو الحمائم في أعلى أغانيها فكتب الفقير إليه قصيدة مطلعها:
جاءت مخدرة تستصحب التيها * تميس عجبا وقد رقت حواشيها عذراء مقصورة عزت فصاحتها * عن أن يكون لها كف ء يكافيها أزرت بقس وسبحان فصاحتها * وكل كل لسان مادح فيها ما راعني كأس معنى من قوادمها * إلا وأسكرني معنى خوافيها وكلما مر في سمعي مكررها * يحلو لقلبي زلالا برد صافيها وكنت أسمع بالسحر الحلال وما * أظنه غير ما ضمت قوافيها ما هذه كلم في اللفظ بل درر * من قال تلك كلام ليس يدريها وكيف لا وفصيح العصر سيدنا * فخر الأفاضل شمس الدين منشيها أتت إليه القوافي وهى ملقية * زمامها وله قد طاع عاصيها والنظم أضحى كأنفاس يرددها * بلا تكلف أفكار يعانيها بالله قل لي وهذا أمر ملتمس * ماذى اللآلي التي في الطرس تبديها أهذه درر أضحت مرصعة * في جبهة الطرس أم حور تناجيها وأنجم أم بدور في مشارقها * أو هذه الشمس قد لاحت لرائيها ومنها وهو محل المناسبة:
أستغفر الله ما إني مشبهها * بما ذكرت من الأشياء تشبيها أنى يكون لسان لي فيمدحها * كلا ومن أين لي شكر يؤديها يا فاضل العصر يامن من نوادره * ما زال يهدى لأسماعي أمانيها لافض فوك وماتت حاسدوك ولا * زالت سجاياك مشكورا مساعيها ولا برحت إماما راقيا أبدا * من السيادة في أعلى مراقيها ما شببت نسمات الدوح في سحر * وما حدا العيس والأظعان حاديها (أفادتكم النعماء منى ثلاثة * يدي ولساني والضمير المحجبا)
পৃষ্ঠা ৩২৪
في سورة الفاتحة عند قوله (الحمد لله) ومعناه: أن النعم التي أنعمتم بها على أفادتكم منى ثلاثة: يدي فأعاونكم بها، ولساني فأثنى عليكم به، وقلبي فهو محشو بمحبتكم مملوء منها، فأنا أشكر نعماءكم وأجازيها بالقلب واللسان والجوارح. قال السيد الشريف: وهو استشهاد معنوي على أن الشكر يطلق على أفعال الوارد الثلاثة، وبيانه أنه جعلها بإزاء النعمة جزاء لها متفرعا عليها، وكل ما هو جزاء للنعمة عرفا يطلق عليه الشكر لغة; ومن لم يتنبه لذلك زعم أن المقصود مجرد التمثيل لجميع شعب الشكر لا الاستشهاد على أن لفظ الشكر يطلق عليها فإنه غير مذكور هنا. وما يقال من أن الشاعر جعل مجموعها بإزاء النعمة فيستفاد منه أنه يطلق عليه لا أنه يطلق على كل واحد منها. فجوابه لا شبهة في إطلاقه على فعل اللسان حتى توهم كثير من الناس اختصاص الشكر به في اللغة وأن الاشتباه في إطلاقه على فعلى القلب والجوارح، فلما جمعا مع الأول وعدت ثلاثة علم أن كل واحد شكر على حدة، فكأنه قيل: كثرت نعماؤكم عندي وعظمت فاقتضت استيفاء أنواع الشكر، وبولغ في ذلك حتى جعل مواردها واقعة بإزاء النعماء ملكا لأصحابها مستفادا منها. وفى وصف الضمير بالمحجب إشارة إلى أنهم ملكوا ظاهرة وباطنه.
(يا لهف زيابة للحارث الصا * بح فالغانم فالآيب) والله لو لاقيته خاليا * لآب سيفانا مع الغالب هو من أبيات الحماسة، والشعر لابن زيابة في جواب الحرث بن همام حين قال:
أيا يا ابن زيابة إن تلقني * لا تلقني في النعم العازب في سورة البقرة عند قوله تعالى (والذين يؤمنون بما أنزل إليك) حيث وسط حرف العطف بين الصفات كأنه قال: الذي صبح فغنم فآب: أي يا حسرة أبى من أجل الحرث، والحرث اسم من غزاهم وصبحهم وغنم منهم وآب إلى قومه سالما: أي يا حسرة أبى من أجل الحرث فيما حصل من مراده واتصف به من الأوصاف المتعاقبة، قيل تهكم به بمعنى أنه لم يحصل له تلك الأوصاف، فإن الحرث توعد أبا زيابة بالقتل ثم نكص عن جزائه. وقيل هو على ظاهرة، ثم أقسم بالله تعالى فقال: والله لقيته منفردا عن أشياعه لحصل سيفانا مع الغالب منا، والمعنى:
(تلك الفتاة التي علقتها عرضا * إن الحليم وذا الإسلام يختلب) في سورة البقرة عند قوله تعالى (يخادعون الله والذين آمنوا) يعنى أن المؤمنين وإن جاز أن يخدعوا لم يجز أن يخدعوا; ألا ترى إلى قول ذي الرمة: إن الحليم الخ. ويختلب: أي يخدع من خلب يخلب من باب قتل يقتل والاسم الخلابة والفاعل خلوب مثل رسول، وقوله عرضا: أي من غير قصد بل شئ اعترضه هكذا لا يعلمه كما قال عليه الصلاة والسلام (إن في المعاريض لمندحة عن الكذب) مثل أن يقول: ما رأيت فلانا ولا كلمته، ومراده ما ضرب رئته ولا جرحه. والانخداع ضربان: أحدهما أن ينخدع ولا يعلم أنه مخدوع فذلك من البله.
والثاني أن ينخدع ويعلم فذلك من الكم. قيل كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كلما صلى عبد من عبيده وأحسن قراءته أعتقه، فقيل له يخدعونك، فقال: من خادعنا بالله ننخدع له. والبيت لذي الرمة من قصيدته البائية المشهورة الطويلة التي يذكر فيها صاحبته مية التي أولها:
পৃষ্ঠা ৩২৫
ما بال عينك منها الماء ينسكب * كأنه من كلي مفرية سرب ديار مية إذ مى تساعفنا * ولا يرى مثلها عجم ولا عرب براقة الجيد واللبات واضحة * كأنها ظبية أفضى بها لبب زين الثياب وإن أثوابها استلبت * على الحشية يوما زانها السلب تزداد للعين إسفارا إذا سفرت * وتحرج العين منها حين تنقب تلك الفتاة التي علقتها عرضا * أن الكريم وذا الإسلام يختلب وقد وقع في شواهد الكشاف الذي وقفنا عليه ولم يذكرها رأسا مع غرر الأبيات وأحسن الشواهد منها قوله:
أذاك أم نمش بالوشى أكرعه * مسفع الخد عاد ناشط شبب أذاك أم خاضب بالسى مرتعه * أبو ثلاثين أمسى وهو منقلب هو لذي الرمة من الأبيات التي لم تذكر في شرح الشواهد في سورة البقرة عند قوله تعالى (أو كصيب من السماء) مما ثنى من التمثيل، ومنه (وما يستوى الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوى الأحياء ولا الأموات) والأوصاف المذكورة في البيتين لثور الوحش. ومسفع الخد أسوده من السفعة. والناشط:
الخارج من أرض إلى أرض وهو أسرع ما يكون. والشبب: المسن من بقر الوحش، والظليم إذا أكل الربيع فاحمرت ساقاه أو اصفرتا يقال له خاضب ولا يقال ذلك إلا للظليم وهو ذكر النعام دون النعامة. والسى: الأرض المستوية، وهنا علم أرض بعينها. منقلب: أي راجع إلى أفراخه الثلاثين. شبه ناقته بحمار الوحش ثم بالثور الوحشي ثم بالظليم، فذاك الأول إشارة إلى الحمار في الأبيات السابقة، والثاني إلى الثور وهو مبتدأ محذوف الخبر: أي أذاك الحمار يشبه ناقتي أم ذاك الثور النمش أم الظليم الخاضب. وشواهد هذا النوع كثيرة لا تحصى، ومن ألطفها قول سيدي عمر بن الفارض رحمه الله تعالى:
أبرق بدا من جانب الغور لامع * أم ارتفعت عن وجه ليلى البراقع أم ابتسمت ليلى فضاء بوجهها * نهار به نور المحبة ساطع (عفا آية نسج الجنوب مع الصبا * وأسحم دان صادق الوعد صيب) هو للشماخ في البقرة عند قوله تعالى: (أو كصيب من السماء) يعنى أن الصيب كما يطلق على المطر الذي يصوب: أي ينزل ويقع، يقال للسحاب صيب أيضا كما في بيت الشماخ.
يقول: إن اختلاف الرياح وتتابع الأمطار على ربع المحبوبة عفا آية وغير رسمه ومحا أثره، ونحوه قول زهير:
قف بالديار التي لم يعفها القدم * بلى وغيرها الأرواح والديم (أحاولت إرشادي فعقلي مرشدي * أم اشتقت تأديبي فدهري مؤدبي هما أظلما حالي ثمت أجليا * ظلاميها عن وجه أمراد أشنب) شجى في حلوق الحادثات مشرق * به عزمه في الترهات مغرب
পৃষ্ঠা ৩২৬
في البقرة عند قوله تعالى (وإذا أظلم عليهم قاموا) حيث استعمل لازما ومتعديا، والمتعدى لا يوجد في استعمال من يستشهد بكلامه ولم يثبته الثقات من أئمة اللغة إلا القليل جدا. واعلم أن الشعراء طبقات: الجاهليون كامرئ القيس وزهير، والمخضرمون: أي الذين أدركوا الجاهلية والإسلام كحسان ولبيد، والمتقدمون من أهل الإسلام كالفرزدق وجرير ويستشهد بأشعارهم; ثم المحدثون كالبحتري وأبى تمام، ولا يستشهد بشعرهم وإنما أسند الإظلام إلى العقل لأنه لا يطيب عيش العاقل، وإلى الدهر لإنه يعادى كل فاضل، والأولى أن يراد بالإظلام ما يشق على النفس من تعنيف المؤدب والمرشد وبإجلاء الظلام ما ظهر لهما من ثمرتي الإرشاد والتأديب: أي كلفاني ما أظلم به حالي وتنغص به عيشي ثم أجليا ظلاميهما لأني تهذبت وتأدبت:
(يمشون رسما فوق قنته * ينهون أكل وعن شرب) في البقرة عند قوله تعالى (واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا) حيث اتسع فيه فأجرى مجرى المفعول به فحذف الجار ثم حذف الضمير كما حذف من قوله: أو مال أصابوا: أي أراهم قد تغيروا عما كانوا عليه من الوفاء فما الذي غيرهم البعد وطول العهد؟ كما قيل: طول العهد ينسى، أم المال والغنى، فإن المال يطغى (إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى) ولأجل ذلك قال أبو الهول في صديق له أيسر فلم يجده كما يحب:
لئن كانت الدنيا أنالتك ثروة * فأصبحت فيها بعد عسر إلى يسر فقد كشف الإثراء منك خلائقا * من اللؤم كانت تحت ثوب من الفقر والبيت للحرث بن كلدة الثقفي من قصيدة تتضمن ألطف عتاب وأحسنه، قالها وقد خرج إلى الشأم فكتب إلى بنى عمه يجيبوه، وهى قوله:
ألا أبلغ معاتبتي وقولي * بنى عمى فقد حسن العتاب وسل هل كان لي ذنب إليهم * همو منه فأعتبهم غضاب كتبت إليهم مرارا * فلم يرجع إلى لها جواب فما أدرى أغيرهم تناء * وطول العهد أم مال أصابوا فمن يك لا يدوم له وصال * وفيه حين يغرب انقلاب فعهدي دائم لهموا وودى * على حال إذا شهدوا وغابوا ولا يخفى على ذي الذوق السليم لطف هذا العتاب والخطاب المستطاب، ولعمرى إنه حرى بقول الآخر:
وأملى عتابا يستطاب فليتني * أطلت دنوبي كي يطول عتابه
পৃষ্ঠা ৩২৭
(فقال لي قول ذي رأى ومقدرة * محرر نزه خال من الريب أمرتك الخير فافعل ما أمرت به * فقد تركتك ذا مال وذا نشب) في البقرة اختلف في قائله; فقيل خفاف بن ندبة، وقيل عباس بن مرداس المحرر المعتق النزه بكسر الزاي البعيد عن السوء. والنشب: المال الأصيل يجمع الصامت والناطق وقد جمع في البيت بين الحذف والإثبات; ألا ترى أنه قال: أمرتك الخير ثم قال أمرت به ولم يقل أمرته عند قوله تعالى (فافعلوا ما تؤمرون) أي به، أو أمركم بمعنى مأموركم تسمية للمفعول بالمصدر كضرب الأمير. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة يوسف عند قوله تعالى (ولئن لم يفعل ما آمره) الضمير راجع إلى الموصول، والمعنى: ما آمره به فحذف الجار كما في أمرتك الخير. ويجوز أن تجعل ما مصدرية فيرجع إلى يوسف، ولم يجوز الزمخشري عوده إلى يوسف إلا إذا جعلت ما مصدرية، ومعناه على هذا: وإن لم يفعل أمرى الحجر (فاصدع بما تؤمر) أي بما تؤمر به من الشرائع فحذف الجار كما في البيت، ويجوز أن تكون ما مصدرية: أي بأمرك مصدر من المبنى للمفعول. قال أبو حيان: والصحيح أن ذلك لا يجوز، قال تلميذه السمين: الخلاف إنما هو في المصدر المصرح، وهل يجوز أن ينحل بحرف مصدري وفعل بنى للمفعول أم لا يجوز؟ في ذلك خلاف مشهور، أما أن الحرف المصدري هل يجوز أن يوصل بفعل بنى للمفعول نحو يعجبني أن ضرب عمرو أم يجوز؟ ذلك محل النزاع:
(تلك خيلي منه وتلك ركابي * هن صفر أولادها كالزبيب) هو للأعشى من قصيدة يمدح بها أبا الأشعث بن قيس عند قوله تعالى (صفراء فاقع لونها تسر الناظرين) وعن علي رضي الله عنه: من ليس نعلا صفراء قل همه. وعن الحسن البصري: صفراء فاقع لونها: سوداء شديدة السواد، ولعله مستعار من صفة الإبل لأن سوادها يعلوه صفرة، وبه فسر قوله تعالى (جمالات صفر) وقوله كالزبيب: أي سود: يعنى خيلي وإبلي السود وأولادها من الممدوح ونعمته، وقبل البيت:
كل عام يمدني بجموم * عند وضع للضأن أو بنجيب من ديار لهضب القليب * فاض ماء الشؤون فيض الغروب أخلفتني بها قتيلة ميعا * دى وكانت للوعد غير كذوب إن من لام في بنى بنت حسا * ن ألمه أعصه في الخطوب إن قيسا قيس الفعال أبا الأشعث * أمست أصداؤه لشعوب كل عام يمدني البيتين، وبعدهما:
ذاكم الماجد الجواد أبو الأشعث * أهل الندى وأهل السيوب فما قومي بثعلبة بن سعد * ولا بفزازة الشعر الرقابا) عند قوله تعالى (فقد سفه نفسه) قيل انتصاب النفس على التمييز، ويجوز أن يكون من شذوذ تعريف المميز.
والمعنى: ليس قومي بثعلبة وهى اسم قبيلة، ولا بفزازة الكثيرة الشعر بالرقبة، وهذا من شذوذ تعريف المميز.
পৃষ্ঠা ৩২৮
ولا يجوز ارتكابه في القرآن، والمراد منه رد ذلك القول. والبيت لحرث بن ظالم المري كان يدعى أنه من قريش وإن أمه خرجت به إلى مرة وهو صغير فنسب إليهم، وبعده:
وقومي إن سألت بنى لؤي * بمكة علموا مضر الصوابا يقال للشديد أشعر الرقبة تشبيها له بالأسد:
(عريض القفا ميزانه في شماله * قد انحص من حسب القراريط شاربه) عند قوله تعالى (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) عند قصة عدى بن حاتم حين عمد إلى عقالين أبيض وأسود فجعلهما تحت وسادته فقال له صلى الله عليه وسلم (إن كان وسادك لعريضا) وروى (إنك لعريض القفا) وهو كناية عن الحمق، وكون ميزانه في شماله كناية عن البله لأن الميزان يرفع باليمين. وانحص شعره وشاربه إذا تجرد وانحسر، وإن الحاسب إذا أمعن في الحساب وتفكر فيه عض على شفته وشاربه.
(قوم هم الأنف والأذناب غيرهم * ومن يسوى بأنف الناقة الذنبا) هذا البيت ذكر استطرادا عند قوله:
فإن يهلك أبو قابوس يهلك * ربيع الناس والبلد الحرام (خذي العفو مني تستديمي مودتي * ولا تنطقي في سورتي حين أغضب) فإني رأيت الحب في الصدر والأذى * إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب هو لأسماء بن خارجة الفزاري أحد حكماء العرب يخاطب زوجته حين بنى عليها، وبعده:
ولا تصرميني مرة بعد مرة * فإنك لا تدرين كيف المغيب عند قوله تعالى (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو) وهو أن ينفق مالا يبلغ إنفاقه منه الجهد واستفراغه الوسع: أي خذي ما سهل ولم يشق على من الأموال لتستديمي محبتي ولا تنطقي في حال حدتي وشدة غضبى، فإن الحب والأذى إذا دخلا في الصدر لا يلبث الحب معه فهما ضدان لا يجتمعان، وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الأعراف عند قوله تعالى (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) أي خذ ما عفا لك من أفعال الناس وتسهل ولا تكلفهم ما يشق عليهم من العفو الذي هو ضد الجهد، أو خذ العفو من المذنبين أو الفضل من صدقاتهم وذلك قبل وجوب الزكاة:
(تود عدوى ثم تزعم أنني * صديقك ليس النوك عنك بعازب) فليس أخي من ودنى رأى عينه * ولكن أخي من ودنى في المغايب عند قوله تعالى (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين) فإن موالاة الولي وموالاة عدوه متنافيان وخلاصة المعنى أن الصديق الصدوق من يكون صديقا لصديق صديقه ومبغضا صديقه ويراعى الأخوة بظهر الغيب لا برأي العين.
(مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة * ولا ناعب إلا ببين غرابها)
পৃষ্ঠা ৩২৯
عند قوله تعالى (كيف يهدى الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق) حيث عطف وشهدوا على ما في إيمانهم من معنى الفعل لأن معناه بعد أن آمنوا، وقوله: ليسوا مصلحين عشيرة * ولا ناعب... بالجر عطفا على محل مصلحين لأن تقديره ليسوا بمصلحين، لأنه توهم أن الباء في مصلحين موجودة ثم عطف عليه مجرورا وإن كان منصوبا وهذا نادر لا يقاس عليه. وقد استشهد بالبيت المذكور أيضا في سورة هود عند قوله تعالى (ومن وراء إسحق يعقوب) حيث قرئ بالنصب كأنه قيل (ووهبنا له إسحق ومن وراء إسحق يعقوب) على طريقة ليسوا مصلحين عشيرة. وقد استشهد بالبيت المذكور أيضا في سورة المؤمن عند قوله تعالى (إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون) حيث قرئ بجر السلاسل، ووجهه أنه لو قيل إذ أعناقهم في الأغلال مكان قوله إذ الأغلال في أعناقهم لكان صحيحا مستقيما، فلما كانتا عبارتين معتقبتين حمل قوله والسلاسل على العبارة الأخرى، ونظيره * مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة * الخ.
(وداع دعا يامن يجيب إلى الندى * فلم يستجبه عند ذاك مجيب) فقلت ادع أخرى وارفع الصوت جهرة * لعل أبى المغوار منك قريب في آل عمران عند قوله تعالى (فاستجاب لهم ربهم) يقال استجاب له ربه واستجابه.
* فلم يستجبه عند ذاك مجيب * أي لم يجبه، وقال تعالى (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا) وقال (كلما أوقدوا نارا للحرب) وقائله كعب بن سعد الغنوي يرثى أخاه شبيبا واسمه هرم وكنيته أبو المغوار من قصيدته المشهورة التي منها:
تتابع أحداث تخرمن إخوتي * وشيبن رأسي والخطوب تشيب لعمري لئن كانت أصابت مصيبة * أخي والمنايا للرجال شعوب لقد كان أما علمه فمروح * علينا وأما جهله فغريب فإن تكن الأيام أحسن مرة * إلى فقد عادت لهن ذنوب ومنها البيتان، وبعدهما:
يجبك كما قد كان يفعل إنه * مجيب لأبواب العلاء طلوب (فاليوم قد بت تهجونا وتشتمنا * فاذهب فما بك والأيام من عجب) في النساء عند قوله تعالى (تساءلون به والأرحام) بالجر على وجهين على تقدير قراءة الجر والتمحل له بتقدير تكرير الجار، لأن عطف الظاهر على المضمر ليس بسديد، وأما قراءة النصب فعلى وجهين: أما العطف على لفظ الجلالة وأن يعطف على محل الجار والمجرور كقولك مررت بزيد وعمرا، وأما الرفع فعلى أنه مبتدأ خبره محذوف كأنه قيل والأرحام كذلك: أي مما يتقى. ومعنى البيت: أدنيت كلامك القبيح وأسرعت في الذم والإيذاء فاذهب على طريقتك فإنها شيمة الأيام وأهلها، وهو أمر تهديد وتخلية ومتاركة من قبيل (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما).
(ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب) هو للنابغة الذبياني من قصيدته المشهورة التي أولها:
পৃষ্ঠা ৩৩০
كليني لهم يا أميمة ناصب * وليل أقاسيه بطئ الكواكب تطاول حتى قلت ليس بمنقض * وليس الذي يرعى النجوم بآيب عند قوله تعالى (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف) من تأكيد الشئ بما يشبه نقيضه كقولك فلان لا عيب فيه إلا أنه سخى، وقوله تعالى (لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما) على بعض التوجيهات، يعنى إن أمكنكم أن تنكحوا ما قد سلف فانكحوه فلا يحل لكم غيره وذلك غير ممكن، والغرض المبالغة في تحريمه وسد الطريق إلى إباحته كما يعلق بالمحال في التأبيد في نحو قولهم: حتى يبيض القار، و (حتى يلج الجمل في سم الخياط) كما استثنى غير أن سيوفهم من قوله: لاعيب فيهم، وفلول السيف كناية عن كمال الشجاعة، فكونه من العيب محال. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الأعراف عند قوله تعالى (وما تنقم منا إلا أن آمنا) أي ما تنقم منا إلا ما هو أصل المناقب والمفاخر كلها وهو الإيمان. وقد استشهد به أيضا عند قوله تعالى في سورة مريم (لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما) أي إن كان تسليم بعضهم على بعض أو تسليم الملائكة عليهم لغوا فلا يسمعون لغوا إلا ذلك، فهو من وادى * ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * الخ. على أحد الوجوه الثلاثة المذكورة في الكشاف، وقبل البيت:
على عارفات للطعان عوابس * بهن كلوم بين دام وجالب إذا استنزلوا للطعن عنهن أرقلوا * إلى الموت إرقال الجمال المصاعب قوله عارفات: أي صابرات، والعارف: الصابر، يقال أصابته مصيبة فوجد عروفا: أي صبورا.
عوابس: كوالح بهن: أي بهذه الخيل. كلوم بين دام: أي جرح طري فهو يدمى وآخر قد يبس فعليه جلبة يابسة: أي قشرة تركب الجرح. قوله استنزلوا: أي يضيق المكان على الفارس فينزل فيقاتل راجلا. وأرقلوا:
أسرعوا. وواحد المصاعب مصعب وهو الفحل الذي لم يركب ولم يمسه حبل حتى صار صعبا.
(لا يجتوينا مجاور أبدا * ذو رحم أو مجاور جنب) عند قوله تعالى (والجار ذي القربى والجار الجنب) أي الذي جاره بعيد، وقيل الجار القريب النسيب والجار الجنب الأجنبي، وأنشد لبلعان بن قيس: أي لا يكرهنا من اجتويت البلاد إذا كرهتها أو لم يوافقك ماؤها ولا هواؤها وذو رحم: أي ذو قرابة. أو مجاور جنب: أي أجنبي.
(أمنت على السر امرأ غير حازم * ولكنه في النصح غير مريب أذاع به في الناس حتى كأنه * بعلياء نار أوقدت بثقوب) هو لأبى الأسود الدؤلي في النساء عند قوله تعالى (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به) يقال أذاع السر وأذاع به: أي جاء متعديا بنفسه وبالباء، والمتعدى بها يحتمل أن يكون هو المتعدى بنفسه ينزل منزلة اللازم ثم وصل بالباء كما وصل في يجرح في عراقيبها نصلى فيكون أبلغ من المتعدى بنفسه من جهة أن المعنى فعل به حقيقة الإذاعة وجعله محلا لذلك. والثقوب: اسم لما يثقب به النار كالوقود اسم لما يوقد به، ومن أحسن ما قيل فيمن لا يكتم السر قوله:
لي صديق غدا وإن كان لا * ينطق إلا بغيبة أو محال
পৃষ্ঠা ৩৩১