يقال كيف أسكن تعالى آدم وحواء الجنة وكيف أذلهما الشيطان عنها وكيف نفذ قول ابليس عليهما فخالفا أمر الله تعالى وكيف فعلا ما عوقبا عنده على الاخراج من الجنة. وجوابنا انه لا يمتنع في سكنى تلك الجنة أن يكون صلاحا اذا لم يفعلا أمرا من الأمور وغير صلاح اذا فعلا ذلك فلما وقع منهما أكل الشجرة التي هي من جنس ما نهى الله تعالى عنه ويقال انها العنب ويقال التين ويقال الحنطة والأول أقرب أخرجهما تعالى من تلك الجنة ولم يخرجهما عقوبة لان معاصي الانبياء لا تكون الا صغائر ولو فعلوا كبائر لحسن ذمهم ولعنهم والنبوة تمنع من ذلك فلما عصيا كان الصلاح اخراجهما الى الارض لما في المعلوم من العواقب الحميدة وكان ابليس يظهر لهما فوسوس اليهما وكان عندهما أن الله تعالى انما نهى عن شجرة بعينها وأراد الله تعالى ذلك الجنس كله فذهلا عن هذا التأويل ولذلك قال تعالى (فنسي ولم نجد له عزما) ولو علما ان النهي عام في ذلك الجنس لم يقدما على اكل ذلك ثم من بعد تاب الله عليهما فزال تأثير تلك المعصية فلذلك قال تعالى (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) وكان الله تعالى يعظم محل الانبياء لعلمهم كيف يتوبون وما الذي يؤدون من الكلمات ثم انه تعالى ذكر من يعد نعمه على بني اسرائيل وذكر أولادهم نعمة على الآباء لأن النعمة على الآباء بحيث تخلصوا من قتل الأعداء اياهم نعمة على الاولاد الذين لو لا ذلك الخلاص لم يوجدوا فعلى هذا الوجه خاطبهم بهذه النعم وأمرهم بالوفاء بعهده لقوله تعالى (وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم) وهو المجازاة (وإياي فارهبون) أي يجب أن تخافوا معصيتي فان ذلك يوقعكم في العقاب وآمنوا بما أنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم ولا تكونوا أول كافر به من أهل الكتاب (ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا) فقد كانوا يطمعون في الضعفاء فيضلونهم ويصرفونهم عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم فلذلك قال (ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا) ثم قال (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق) فدل بذلك على وجوب اظهار الحق بالدعاء اليه ودل به على ان من لبس الحق بالتشبيه فقد أقدم على عظيم وبين ان المرء كما يجب أن يدعو الى الخير يجب أن يتمسك به ومن لم يتمسك به لم يؤثر دعاؤه للغير فقال (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون واستعينوا) (بالصبر والصلاة) فجمع بذكر الصبر جميع ما منع تعالى منه وبذكر الصلاة جميع ما أمر به وبين ان الصلاة كبيرة (إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم) أي ثواب ربهم فيعلمون المجازاة فيعظم خوفهم ويعلمون انهم اليه راجعون. وبين لبني اسرائيل ولنا بقوله (واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل) ان من حكم ذلك اليوم ان المرء ينتفع بعمله دون هذه الامور وان أهل العقاب لا يتخلصون الا بما يكون منهم في الدنيا من التوبة وتلافي المعصية ثم قال عز وجل (وإذ نجيناكم من آل فرعون) فمن عليهم بما كان منه تعالى من نجاة آبائهم على ما ذكرنا وذكر نعمه حالا بعد حال إلى قوله (إن الذين آمنوا والذين هادوا) وقوله في خلال هذه الآيات (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة) يدل على أن الرؤية على الله تعالى لا تجوز وقوله (وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت) يدل على قدرة الله تعالى على الأمور العجيبة وان عصا موسى كانت من الآيات العظام فمرة كانت تصير بيده ثعبانا فيتلقف إفك السحرة ومرة كان يضرب بها على الحجر فينفجر منه من الماء ما يحتاجون اليه ومرة كان يضرب بها على البحر فينفلق ويصير لهم طريقا يبسا ولما ذكر قوله (وأني فضلتكم على العالمين) ظن بعضهم ان بني اسرائيل أفضل من سائر الانبياء وليس الامر كذلك وانما أراد به فضلهم على عالمي زمانهم وكذلك كانوا في أيام موسى صلى الله عليه وسلم دينا ودنيا.
[مسألة]
وربما قالوا في قوله تعالى (فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم) كيف يدخل قتل النفس في التوبة. وجوابنا انه تعالى أوجب أن يقتل بعضهم بعضا لعلمه بأن ذلك صلاحهم لا ان ذلك من شروط التوبة لان التوبة مقبولة اذا صحت بدون غيرها.
পৃষ্ঠা ২৪