قال: ويستبين مما وصفنا من هذه المقاييس والبراهين ان هذا الجرم الأول الكريم المتحرك حركة استدارة لا ثقل له ولا خفة. وأعني بقولي لا ثقل له ولا خفة، لا العدم المطلق. بل القول الذي قوته قوة الايجاب، كما نقول في الحجر انه لا صامت ولا ناطق، على ما تبين في باري أرمنياس. وانما يبين هذا إذا تبين ما هو الثقيل والخفيف. (وهو يضع هاهنا أولا ما هو الثقيل والخفيف) ويرجىء التكلم عليه، والبرهان على ما يضعه هاهنا من أمره، إلى المقالة الرابعة. فلنضع هاهنا ان الثقيل هو السالك إلى الوسط، والخفيف هو الصاعد من الوسط. ولنضع أيضا أن الثقيل والخفيف قسمان: مطلق ومضاف. فالثقيل المطلق هو الراسب تحت الأشياء كلها المتحركة إلى أسفل، والخفيف المطلق هو الطافي فوق جميع المتحركة من الوسط. وأما الخفيف والثقيل المضاف فهما اللذان يوجد لهما ثقل وخفة لكن من جهتين وفي مكانين، كالحال في الهواء والماء، فان كل واحد منهما ثقيل بالإضافة إلى ما فوقه، خفيف بالاضافة إلى ما تحته. وإذا وضع هذا من رسم الثقيل والخفيف، وكان الجسم المستدير قد تبين من أمره أنه لا يمكن أن يتحرك إلى الوسط ولا من الوسط حركة طبيعية ولا عرضية. فبين أن الجرم السماوي لا ثقيل ولا خفيف، فاما أنه لا يمكن أن يتحرك من الوسط ولا إلى الوسط حركة طبيعية، فذلك ظاهر مما تقدم، وذلك انه لو تحرك واحدة من هاتين الحركتين لكان من الأجسام الأربعة، ولم تكن له الحركة المستديرة بالطبع. ولا يمكن أيضا فيه أن يتحرك واحدة من هاتين الحركتين بالعرض، وذلك أنه لو تحرك من الوسط بالعرض لكانت له الحركة الى الوسط بالطبع، فكان يكون اما أرضا واما ماء. ولو تحرك بالعرض إلى الوسط لكان يتحرك بالطبع من الوسط فكان يكون هواء أو نارا ولم تكن له الحركة المستديرة بالطبع، أو يسلم ان له حركتين بالطبع، فيلزم أن تكون حركة واحدة، وهى غير الطبيعية، تضاد فيه الحركتين الطبيعيتين، وقد وضعنا ان الواحد يضاد الواحد. وأيضا فقد وضعنا أنه متى كان للشيء حركتان، وكانت احداهما طبيعية، كانت الأخرى عرضية، والعرضية ضد للطبيعية، وسيبين أن الحركة المستديرة ليس لها ضد ولا للجرم المستدير. وبيان ثان (أيضا) وهو أن من الأشياءالمعروفة بنفسها ان مكان الجزء في [1 ظ: ع] الحركة المستقيمة هو مكان الكل، وذلك انه حيث تتحرك المدرة الواحدة بعينها هنالك تتحرك [4 و] جميع أجزاء الأرض. وكذلك حيث تتحرك الشرارة الواحدة بعينها هنالك تتحرك النار بأسرها. وان هذا ينعكس، أعني أنه حيث شأن الكل ان يتحرك إليه فشأن الأجزاء أن تتحرك إليه. فلو كان هذا الجرم ثقيلا أو خفيفا لكان من شأن أجزائه أن تتحرك إلى فوق أو إلى أسفل، ولو كان ذلك لاحست في الزمان غير المتناهي. ولو كان ذلك كذلك لأمكن أن يفسد وكانت حركته الدورية تكون قسرا. فقد تبين من هذا القول أن الجرم المستدير لا ثقيل ولا خفيف.
পৃষ্ঠা ৮৪