ثم إنه بعد هذا شرع في الفحص عن أجزاء العالم البسيطة، وابتدأ من ذلك بأشرفها وهو الجرم السماوي المتحرك دورا. وغرضه في هذا الفحص أن يبين أن هاهنا جرما مستديرا بسيطا مباينا بطبيعته لطبائع الاجرام البسيطة المتحرك [2 ظ] حرك استقامة. وهو يقدم لبيان ذلك مقدمات: احداها أن لكل جسم طبيعي بالذات حركة موضعية تخصه، وانما كانت الحركة ذاتية للجسم الطبيعي، لأن الجسم الطبيعي انما كان طبيعيا بالطبيعة الموجودة فيه. وقد قيل في حد الطبيعة: انها مبدأ الحركة، ولذلك كانت الحركة من الأمور الذاتية الخاصة بالجسم الطبيعي. وثانيا أن كل حركة تكون في موضع فاما أن تكون مستقيمة واما أن تكون حركة مستديرة واما أن تكون من هاتين الحركتين. واذا كان ذلك كذلك فالحركة البسيطة هي نوعان فقط المستديرة والمستقيمة. والسبب في ذلك أن الاجرام المبسوطة هما هذان الجرمان أعني المستقيم والمستدير، وذلك انه واجب أن تكون أنواع الحركات على عدد أنواع الأبعاد. ولما كانت الحركة المستديرة الطبيعية هي الحركة حول الوسط، والحركة المستقيمة الطبيعية هي الحركة اما الى فوق واما إلى أسفل، أعني الحركة التي تكون من الوسط والحركة التي تكون إلى الوسط، وقد كان تبين ان الحركات البسيطة هي هذه، فواجب أن تكون الحركات البسيطة الطبيعية ثلاثة: اما مستديرة، واما من الوسط، واما إلى الوسط. وهذا موافق لما قيل قبل من أن الجرم ركب من ثلاثة أقدار، ولذلك كانت حركات الجرم أيضا ثلاثة. ولما تبين له عدد أنواع الحركات البسيطة الموجودة للاجسام الطبيعية، أمكنه أن يبين من ذلك عدد الأجسام البسيطة الموجودة فإنه واجب أن يكون عدد الأجسام البسيطة على عدد الحركات البسيطة، وذلك أنه لما كان كل جسم اما بسيطا واما مركبا من البسيط، وأعني بالبسيط ما فيه مبدأ حركة طبيعية في المكان، شبه الأرض والماء، لا حركة اختيار، شبه حركة الحيوان، كان واجبا ضرورة أن تكون كل حركة طبيعية اما مبسوطة واما مركبة، وذلك أنه واجب أن يكون للجسم البسيط حركة بسيطة، والا وجد للجسم البسيط أكثر من مبدأ واحد، فكان يكون البسيط مركبا، وذلك خلف لا يمكن. واما الجسم المركب فواجب أن تكون حركته مركبة. لكن ان كانت في جرم مركب على جهة الاختلاط والمزاج التام، فواجب أن تكون حركته بحسب الجرم البسيط الغالب عليه. وان كانت على جهة التجاور كانت حركة التفاف شبه ما يظهر في الزوابع. وإذا كان ذلك كذلك فالحركة المبسوطة ضرورة تكون الجرم مبسوط، لأنها ان وجدت لجسم مركب، فانما تكون له بحسب الجرم المبسوط الغالب عليه. ولما تقرر له عدد الحركات البسيطة الطبيعية، وانه واجب أن يكون لكل حركة بسيطة جرم بسيط، أنتج عن ذلك أنه واجب أن يكون للحركة المستديرة البسيطة جرم مستدير يخصها، مباين بطبيعته لطبائع الأجسام المتحركة حركة استقامة. وذلك بأن وضع هذه الأشياء التي بينت هاهنا بمنزلة المقدم، والنتيجة بمنزلة التالي. وذلك انه إذا وضع أن الحركات البسيطة موجودة، وان المستديرة بسيطة وموجودة، وانه واجب أن يكون لكل حركة بسيطة جسم ما بسيط يتحرك بها، فظاهر أنه يلزم عن ذلك أن يكون هاهنا جسم بسيط مستدير يتحرك بهذه الحركة المستديرة ضرورة. لكل المقدم موجود، فالتالي موجود. وليس لقائل أن يقول: انه ليس يلزم عن وجود الحركة المستديرة الا جسم يتحرك على استدارة، لا جسم مستدير، شبه النار والهواء اللذين يطهر من أمرهما أنهما يتحركان على الاستدارة. وذلك أن الحركة المستديرة ليس يمكن أن توجد بالطبع الا لجسم مستدير، وهو الكرة، فاما بالعرض فيمكن أن توجد لجسم غير مستدير، شبه وجودها للنار والهواء، والذي وضع في القول انما هو حركة مستديرة بالطبع، لا حركة مستديرة باطلاق. فلذلك لزم أن يكون المتحرك بها جرما كريا ومستديرا، والا يكون واحدا من المتحركات بالطبع حركة استقامة. فهذا هو أحد البيانات التي استعملها أرسطو في بيان أن [3 و] هاهنا جسما متحركا بطبيعته حركة استدارة. وبيان ثان وهو أن هذه الحركة إذا أنزلناها طبيعية للجرم المتحوك بها، فلا يخلو المتحرك بها أن يكون اما واحدا من الأجسام الأربعة البسيطة المتحركة حركة استقامة، أو يكون جسما خامسا، وليس يمكن المتحرك بها ان يكون واحدا من الأجسام الأربعة المتحركة حركة استقامة، فالمتحرك بها هو جسم خامس ضرورة. فاما انه ليس يمكن أن يكون المتحرك بها بالطبع واحدا من الأجسام الأربعة. فهو يبين ذلك بمقدمتين: احدهما: أن الحركة الطبيعية ضد للحركة الخارجة عن الطبع. والمقدمة الثانية: ان الواحد يضاد الواحد، وانه ليس يمكن أن يوجد للواحد أكثر من ضد واحد. وهذه المقدمة يتسلم ⎤وجودها⎡ صاحب هذا العلم من صاحب الفلسفة الأولى. وإذا تقررت هاتان المقدمتان، وأنزلنا أن المتحرك بالطبع على استدارة هو نار أو هواء أو ما جانس هذه الاسطقسات المتحركة حركة استقامة، لزم ضرورة أن يكون للحركة الواحدة أكثر من ضد واحد، وذلك أن لكل واحد من هذه الأجسام الأربعة حركة طبيعية، وحركة مضادة لها خارجة عن الطبيعة، غير الحركة المستديرة، مثل النار فإن لها الحركة الى فوق بالطبع، والحركة إلى أسفل خارجة عن الطبع، وهي تضاد الحركة إلى فوق، فإن ألفيت لها بالطبع الحركة المستديرة كانت هي الطبيعية، وكانت لها الحركة إلى فوق والى أسفل خارجة عن الطبع، والخارجة عن الطبع مضادة للطبيعية، فتكون حركتان متضادتين لحركة واحدة، وقد قبل ان الواحد يضاد الواحد، هذا خلف لا يمكن. وأيضا لو كانت هذه الحركة المستديرة طبيعية لواحد من الأسطقسات الأربعة لكان للجسم الواحد حركتان طبيعيتان، وذلك غير ممكن. وإذا كانت عرضية لكل واحد من هذه الأربعة، فهي ضرورة طبيعية لجرم خامس. وليس لقائل ان يقول ان هذا الجسم المتحرك حول الوسط، هو جسم خامس، ولكن هذه الحركة الدورية موجودة له بالعرض. وذلك انه لو كانت له بالعرض لوجب أن تكون له حركة ما بسيطة بالطبع، وليس هاهنا الا الحركة إلى الوسط، والحركة من الوسط. ولو كان له بالطبع واحدة من هاتين الحركتين لكان واحدا من هذه الأربعة، ولم تكن له طبيعة خامسة، فواجب متى أنزلنا له طبيعة خامسة، أن تكون هذه الحركة له بالطبع. ومتى أنزلنا أن هذه الحركة له بالطبع، وجب أن تكون له طبيعة خامسة. وبيان ثالث أيضا وذلك أن الحركة المستديرة متقدمة بالطبع على الحركة المستقيمة، لأن الحركة المستديرة تامة، إذ كان لا يمكن فيها زيادة ولا نقصان. والحركة المستقيمة ناقصة، إذ كان يمكن فيها الزيادة والنقصان. والعلة في كون الحركة المستديرة تامة ⎤هو أن الدائرة تامة⎡ وذلك أنها متناهية بذاتها لا تمكن فيها الزيادة والنقصان. والعلة في كون الحركة المستقيمة ناقصة، هو كون الخط المستقيم ناقصا، وذلك انه ان وجد غير متناه كان ناقصا، لأن التام هو الذي له نهاية. وان وجد متناهيا، فانما يوجد له التناهي من جهة غيره، أعني الذي يحيط به، ولذلك يلزم ضرورة أن يتناهى الخط المستقيم إلى دائرة. وإذا تقرر أن الحركة المستديرة أقدم من الحركة المستقيمة، فواجب أن يكون المتحرك بهذه جسما أقدم من الجسم البسيط المتحرك الحركة المستقيمة. والأقدام من البسيط بسيط ضرورة وطبيعي، وذلك أنه ان تحرك بها جسم مركب فانما يتحرك بحسب الجسم الغالب عليه كما قلنا. وبرهان رابع وهو أن كل حركة اما أن تكون عرضية أو طبيعية، وان كل حركة تكون عرضية لجسم ما فانها تكون لآخر طبيعية. وهذه المقدمة تصح بالاستقراء. وذلك أن الحركة إلى فوق، إن كانت قسرية للأرض [1 و: ع]، وعرضية، فهي طبيعية للنار، وكذلك ان كانت الحركة الى أسفل عرضية للنار، فهي طبيعية للأرض. وإذا تقررت هاتان المقدمتان قلنا ان الحركة المستديرة [3 ظ] إذا كانت عرضية لهذه الاجرام المتحركة حركة استقامة، على ما يظهر من امرها، وجب ضرورة أن تكون طبيعية لجرم آخر. وبرهان خامس وهو أن هذه الحركة المستديرة حول الوسط لا يخلو أن تكون لهذا الجرم طبيعية أو عرضية. ومحال أن تكون عرضية، لأن الحركة العرضية لا يمكن أن تكون دائمة لافناء لها، وذلك أن وضع هذا خارج عن كل قياس، لانا نرى الأشياء العرضية تفني وتبور. وقد بين في الكتاب الأول أن هذه الحركة متصلة. وإذا لم تكن لهذا الجرم عرضية فهي له ضرورة طبيعية. وإذا كانت طبيعية فلها ضرورة جرم طبيعي يخصها، كما يخص واحدة (واحدة) من الحركات الطبيعية جرم (جرم) من الاجرام، شبه حركة الفوق التي تخص النار، وحركة الأسفل التي تخص الأرض. ولو كان هذا الجرم المتحرك حول الوسط نارا، كما زعم ذلك بعض الناس، لقد كانت تكون له هذه الحركة عرضية، لأن الحركة الطبيعية للنار هي من الوسط، ولو كانت عرضية لفسدت على طول الزمان. فمن هذه البراهين يبين، كما يقول أرسطو، انه واجب أن يكون هاهنا جرم آخر غير هذه الاجرام التي تلينا وهو الجرم المحيط بها، وان تكون طبيعته أكرم منها وأشرف. وبالجملة فيجب أن يكون بعد طبيعته من طبائع هذه في الكرم كبعده منها في الجهة والمكان.
الجملة الخامسة
পৃষ্ঠা ৮৩