ومما يدل على صحة ما ذهبنا إليه من جهة النظر أن الماء إذا أزيلت به النجاسة، لم يجز التوضئء به، كذلك إذا(1) أزيل به الحدث، والمعنى أنه إذا أزيل به ما حصوله يمنع من الصلاة.
وليس لأحد أن يقول: إن هذا الأصل لا يستمر لكم على جميع المخالفين في هذه المسألة؛ لأن فيهم من لا يرى أن الماء الذي يزال به النجس يكون نجسا، اللهم إلا أن يتغير به.
قيل له: ليس بواجب أن يكون كل أصل مقيس عليه متفقا عليه، بل يكون تارة متفقا عليه، وتارة مدلولا عليه، ويكون المدلول عليه أوكد من المتفق عليه إذا كان الاتفاق بين الخصمين فقط، ولم يكن فيه اتفاق من الأمة، وسنذكر في هذا الكتاب ما يبين أن الماء الذي يزال به النجس يصير نجسا، فيصح أن نجعله أصلا نقيس(2) عليه.
وعلتنا هذه يمكن أن ترجح بالحظر والنقل؛ لأن الماء قد ثبت فيه التطهير، ونحن ننقله بعلتنا هذه عما يثبت، ويمكن أن ترجح هذه العلة بما جرت عليه عادات المسلمين من لدن الصحابة إلى يوم الناس هذا، أن أحدا لم يكن يأخذ المتساقط من الماء عن العضو في المواضع التي يعوز فيها الماء ويقل، حتى لا يحل في مثلها من المواضع إراقة ما يجوز(3) التطهر به، ويمكن أن يعتمد لذلك ما روي عن(4) النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه(5) قال لبني عبد المطلب لما حرم عليهم الصدقة: (( إن الله كره لكم غسالة أوساخ أيدي الناس ))، فشبه ما حرم عليهم من الصدقة بالغسالة، فدل على ما قلناه.
فأما استدلال من يستدل منهم بقوله تعالى: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا}، فقال: إن الطهور اسم المبالغة كالصبور والقتول والفروق، وذلك يقتضي التكرار، واقتضى ظاهر الآية أن تكرار التطهر متأت في الماء.
পৃষ্ঠা ২০