قيل له: هذا تخصيص بغير دليل، وذاك أنا(1) نعلم أنه قد يكون جنبا ليس على جسده شيء من النجس، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى نهيا عاما كل جنب عن الاغتسال بالماء الدائم، فوجب أن يدخل فيه من على جسده نجس، ومن ليس على جسده نجس فإذا صح تناول عموم النهي من ليس على جسده نجس، صح أن النهي للاستعمال، وصح ما ذهبنا إليه، على أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد نبه بنهيه عن البول فيه على النهي عن إلقاء سائر النجاسات فيه، فحمل نهيه عن الاغتسال فيه على أنه نهي للنجاسة، حمل للخبر على التكرار، وسلب للفائدة الجديدة.
فإن قيل: إن(2) النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما منع عن الاغتسال في الماء الدائم بعد البول فيه، ألا ترى إلى قوله: (( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ))، ثم قال بعده: (( ولا يغتسل فيه من جنابة )) فليس يجب أن يكون نهيا للإستعمال بل يكون النهي؛ لأنه يصير مغتسلا بالماء النجس؟
قيل له: ألفاظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا وردت وكانت كلها مستقلة بنفسها، ولم يكن في ظاهرها ما يقتضي حمل بعضها على بعض، كان الظاهر أن تكون كل لفظة منها مستبدة بحكمها على حيالها، حتى يكون الجمع بين تلك الألفاظ كالتفريق، فإذا(3) كان هذا هكذا، فكأنه صلى الله عليه وآله وسلم، قال: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ثم استأنف الكلام، فقال: لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم من جنابة، فيكون النهي متناولا للبول في الماء الدائم على حياله، وللاغتسال فيه من الجنابة على حياله.
على أن أبا جعفر الطحاوي، روى عن أبي هريرة بإسناده أنه قال: قال صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب )) فأفرد ذلك من النهي عن البول فيه(4).
পৃষ্ঠা ১৯