والتّحميد، وهو أفضل من الجهاد غير المتعيّن. والأفضل في العشر الأواخر من رمضان: لزوم المساجد، والخلوة فيها، مع الاعتكاف والإعراض عن مخالطة النّاس، والاشتغال بهم، حتى أنه أفضل من الإقبال على تعليمهم العلم، وإقرائهم القرآن عند كثيرٍ من العلماء. والأفضل في وقت مرض أخيك المسلم أو موته: عيادته وحضور جنازته، وتشييعه، وتقديم ذلك على خلوتك وجمعيّتك. والأفضل في وقت نزول النّوازل وإيذاء النّاس لك: أداء واجب الصّبر مع خلطتك لهم، والمؤمن الذي يخالط النّاس ويصبر على أذاهم وإيذائهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط النّاس ولا يصبر على أذاهم، وخلطتهم في الخير أفضل من عزلتهم فيه، وعزلتهم في الشّر أفضل من خلطتهم فيه، فإن علم أنه إذا خالطهم أزاله وقلّله فخلطتهم خير من اعتزالهم.
وهؤلاء هم أهل التّعبّد المطلق، والأصناف التي قبلهم أهل التّعبّد المقيّد، فمتى خرج أحدهم عن الفرع الذي تعلّق به من العبادة وفارقه؛ يرى نفسه كأنه قد نقص ونزل عن عبادته، فهو يعبد الله - تعالى - على وجه واحد، وصاحب التّعبّد المطلق ليس له غرض في تعبّد بعينه يؤثره على غيره، بل غرضه تتبّع مرضات الله - تعالى -: إن رأيت العلماء رأيته معهم، وكذلك في الذّاكرين، والمتصدّقين، وأرباب الجمعيّة، وعكوف القلب على الله، فهذا هو الغذاء الجامع للسّائر إلى الله في كل طريق، والوافد عليه مع كل فريق.
واستحضر ههنا حديث أبي بكر الصدّيق ﵁، وقول النّبي ﷺ بحضوره: "هل منكم أحدٌ أطعم اليوم مسكينا؟ ". قال أبو بكر: أنا. قال: "هل منكم أحدٌ أصبح
1 / 51