فإذا عرفت هذه الطوائف، وعرفت اشتداد نكير الرّسول ﷺ على من أشرك به تعالى في الأفعال والأقوال والإرادات كما تقدّم ذكره، انفتح لك باب الجواب عن السّؤال، فنقول:
اعلم أن حقيقة الشرك: تشبيه الخالق بالمخلوق، وتشبيه المخلوق بالخالق.
أمّا الخالق فإن المشرك شبّه المخلوق بالخالق في خصائص الإلهيّة، وهي التفرّد بملك الضّر والنفع، والعطاء والمنع، فمن علّق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق تعالى، وسوّى بين التراب وربّ الأرباب، فأي فجور وذنب أعظم من هذا؟.
واعلم أن من خصائص الإلهيّة: الكمال المطلق من جميع الوجوه، الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وذلك يوجب أن تكون العبادة له وحده عقلًا وشرعا وفطرةً، فمن جعل ذلك لغيره فقد شبّه الغير بمن لا شبيه له، ولشدّة قبحه وتضمّنه غاية الظلم أخبر من كتب على نفسه الرّحمة أنه لا يغفره أبدًا.
ومن خصائص الإلهيّة والعبوديّة التي لا تقوم إلاّ على ساق الحب والذّل، فمن أعطاهما لغيره فقد شبّهه بالله ﷾ في خالص حقه. وقُبح هذا مستقر في العقول والفطر، لكن لما غيّرت الشياطين فطر أكثر الخلق، واجتالتهم عن دينهم، وأمرتهم أن يشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانًا، كما روى عن الله أعرف الخلق به وبخلقه، عموا عن قبح الشرك حتى ظنّوه حسنًا.
ومن خصائص الإلهيّة: السّجود، فمن سجد لغيره فقد شبّهه به.
ومنها: التوكل، فمن توكل على غيره
1 / 27