Cabanus ، الأول منهما يؤمن في إله، والثاني يرفض مثل هذا الإيمان ، أعني أن أعضاء ذلك الفرع كانوا على جهات شتى في وجهة للنظر، إلا فكرة واحدة التقوا عندها جميعا، هي ضرورة البحث في فلسفة اللغة، ليكون هذا البحث ركنا ركينا لأي تفكير يجيء بعد ذلك. وعلى ما كان بين «فولني» و«كاباني» من اختلاف بالنسبة للإيمان في وجود الله، فقد اتفقا معا على أن موضوع الإيمان أو عدم الإيمان، لا يجوز أن يدرج في نطاق الحديث العلمي.
يقول «فولني»: إنه كلما وقف الناس عند مشاهدة الأشياء الواقعة كما هي واقعة، اتفقوا عليها، وأما إذا رأيت بينهم خلافا في الرأي، فاعلم أنهم عندئذ قد جاوزوا حدود الأشياء الواقعة، ولم يقفوا بمشاهدتهم لها عند ظاهرها المرئي المحدود؛ وإذن فكل ضروب الخلاف بين الناس، بل إن ما يصيبهم من تفكك اجتماعي، إنما ينشأ حين يتصدى الناس في أحاديثهم لأمور تستحيل على المراجعة والتحقيق على أساس الخبرة الحسية وحدها. وهنا خلص «فولني» إلى نتيجة، هي: «ينبغي أن نرسم خطا فارقا بين ما يمكن التحقق من صوابه وما لا يمكن، وأن يقام سور منيع بين عالم الوهم وعالم الواقع، وأعني بذلك ضرورة إخراج ما يقوله اللاهوتيون إخراجا عن مجال العلوم الاجتماعية.»
وأما «كاباني» فقد تقدم إلى اللجنة الفرعية ببحوث مستفيضة، عن انطباع الحواس - من بصر وسمع ولمس إلخ - بالأشياء الخارجية، كيف يتم من الناحية الفسيولوجية الصرف، ثم كيف تتحول تلك الإحساسات إلى «أفكار» بعد ذلك. ويكفي «كاباني» هذا من الأهمية في تاريخ الفكر، أنه هو الذي صاغ العبارات التي أصبحت بعد ذلك شعارات لأنصار المذهب المادي في القرن التاسع عشر، مثل قولهم إن المخ يفرز الأفكار كما تفرز الكبد الصفراء، وهم بذلك يعنون أن العالم كله مادة في مادة، وحتى الجانب العقلي منه فيمكن تحليله ورده إلى عضو مادي في الجسم، هو المخ. •••
كان «فولني» و«كاباني» بمثابة من قذف الكرة على أرض الملعب ليبدأ اللاعبون، فما هو إلا أن تقدم «دي تراسي» إلى اللجنة الفرعية بتحليل واف لطبيعة الفكر، وكيف ترتبط تلك الطبيعة ارتباطا وثيقا باللغة، وقد استمد في بحثه مادة مفيدة من فيلسوفين: أحدهما إنجليزي هو «جون لوك»
Lock ، والثاني فرنسي هو «كوندياك»
Condillac ؛ لأنهما كانا قد سبقاه إلى تناول الموضوع من أصوله، قائلا إنه إذا كان «لوك» في مجال البحث في علم الأفكار، بمثابة «كوبرنيق»
Copernic
في علم الفلك؛ لأنه هو أول مستكشف للتفسير الصحيح الذي يفسر ظاهرة التفكير من حيث نشأتها ونموها، فإن «كوندياك» هو بمثابة «كبلر»
Kepler - في علم الفلك أيضا - الذي وضع القوانين لحركة الأجرام في المجموعة الشمسية. بعبارة أخرى: أوضح «لوك» كيف ينشأ الفكر، وبين «كوندياك» كيف تكون الصلة بين الأفكار، ولم يفت كليهما أن يدرك العلاقة بين الفكر واللغة، على اختلاف بينهما، فبينما «لوك» قد حسب أن الفكر ينشأ أولا ثم تأتي اللغة بعد ذلك لتجسده، رأى «كوندياك» أن عملية الفكر نفسها مستحيلة بغير اللغة ورموزها.
عرض «دي تراسي» على الأعضاء أركان هذا العلم الجديد المقترح إنشاؤه والبحث فيه - العلم الذي يكون موضوعه طبيعة الأفكار وما بينها من علاقات - ونظر إلى الأعضاء ليجدهم فلاسفة وعلماء فسيولوجيا، فأسف أن لم يكن بين الأعضاء نحويون، قائلا: «إن تكوين الأفكار وثيق الصلة بتكوين الكلمات، فكل علم يمكن رده إلى لغة أجيدت صياغتها، ومعنى قولنا عن علم معين إنه تطور وتقدم، هو أن ذلك العلم قد ضبط لغته، لا أكثر ولا أقل، ضبطا يتم إما بتغيير ألفاظه، وإما بأن يجعل الألفاظ القائمة أدق في معانيها.»
অজানা পৃষ্ঠা