Tafsir Surah An-Nur
تفسير سورة النور
জনগুলি
فضل الله على عباده بقبول توبتهم ورحمته بهم
قال تعالى: ﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ﴾ [النور:١٠]: أي: هذا كله فضل من الله ﵎، والفضل في الأصل هو الزيادة، ومنه الفضلة المتبقية من الطعام والشراب.
وقوله: (فَضْلُ) يدل على أننا أمام هذه الأحكام، أمام رحمة لا نستوجبها على الله، وإنما هي محض إحسانه ومحض عفوه ولطفه بخلقه وعبيده.
وقوله: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ﴾ [النور:١٠]: وصف الله نفسه بـ (تواب) وهي: صيغة فعَّال وتدل على الكثرة، أي: يقبل توبة التائبين، ويتوب على العبد إذا تاب تفضلًا وتكرمًا، حتى ولو لم يتب فإن قد يصيبه برحمة منه تفضلًا وتكرمًا، بل إن من دلائل رحمته وتوبته على عباده أنه يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، وأنه سبحانه سخَّر حملةَ العرش للاستغفار لك أيها المؤمن! وهذا من عظيم رحمته ودليل لطفه بعباده، ولو أنه وَكَلَهم إلى حولهم وقوتهم لكانوا بلا شك من الهالكين، فهو الذي ييسر التوبة للعبد، ولذلك قال العلماء: صيغةُ فعَّال تدل على الكثرة والمبالغة في الشيء، والله ﷿ موصوف بتوَّاب، ووصف نفسه بذلك في أكثر من موضع، إذ أن توبته لم تقف على كونه تائبًا على من تاب، بل إنه يمنُّ بالتوبة على مَن شاء من عباده، ولذلك قد ترى الرجلَ كأشد ما أنتَ راءٍ فِسْقًا وفجورًا واعتداءً على حدود الله وغرورًا، وفي لحظة واحدة ينفحه الله ﷿ برحمته، ويصيبه بلطفه وعنايته، فينقلب رأسًا على عقب تائبًا منيبًا إلى الله، فلذلك قالوا: التوفيق للتوبة دليل على عظيم رحمة الله ﷿ ولطفه وتوبته على عباده؛ لكنه سبحانه -مع أنه تواب- قد قَرَن توبته على عباده باسمه (الحكيم)، والحكمة تقتضي وضع الشيء في موضعه، فهو ﷾ عليم بخلقه، حكيم في تقديره وأمره وتدبيره، فيضع الأمور في مواضعها، فلذلك يتوب على من شاء، ويمن بالتوبة على من شاء.
ونسأل الله العظيم ربَّ العرش الكريم أن يمنَّ علينا في هذا المجلس المبارك بتوبةٍ لا مؤاخذة بعدها، ورحمة لا عذاب بعدها، وسعادة لا شقاء بعدها، وأن يجعلنا من عباده التائبين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين.
3 / 22