وبلغه عن بشر المِرِّيسي القول بخلق القرآن، فقال: بلغني أن بشر بن غياث المِرِّيسي يقول: القرآن مخلوق، فلله علي إن أظْفَرَني به لأقتلنّه. فكان متواريًا أيام الرشيد، فلما مات الرشيد ظهر، ودعا إلى الضلالة (^١).
وأَخَذَ مَرَّةً زنديقًا، فأمر بضرب عنقه، فقال له الزنديق: لم تضرب عنقي؟ قال له: أريح العباد منك. قال: فأين أنت من ألف حديث وضعتها عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، كلُّها ما فيها حرف نَطَقَ به؟ قال: فأين أنت يا عدوَّ الله من أبي إسحاق الفَزَاري وعبد الله بن المبارك يَنْخُلانها، فيخرجانها حرفًا حرفًا (^٢)؟.
وكان عهد هارون الرشيد أطول عهود خلفاء بني العباس وأزهاها؛ فقد كثر فيه الغزو، واتَّسَعَت الفتوحات، ومن ذلك: أنه أرسل الفضل بن يحيى إلى خراسان، فأحسن السيرة فيها، وبنى الرُّبُطَ والمساجد، وغزا ما وراء النهر، واتخذ بها جندًا من العجم سَمَّاهم: العَبَّاسِيَّةَ، وفتح الفضل بلادًا كثيرة، منها كابل وما وراء النهر، وقَهَرَ مَلِكَ التُّرك وكان ممتنعًا، وأطلق أموالًا جزيلة، ثم قفل راجعًا إلى بغداد (^٣).
وغزا الرشيد بنفسه بلاد الروم، فافتتح حصنًا يقال له: الصَّفْصَاف (^٤) وغيره (^٥)، حتى إن الروم كانوا يدفعون إليه الأموال تعبيرًا عن خضوعهم له مقابل صلح عقدوه بينهم وبينه في عهد
_________
(^١) سير أعلام النبلاء (١١/ ٢٣٦ - ٢٣٧)، وتاريخ الخلفاء (ص ٤٥٣).
(^٢) تاريخ الخلفاء (ص ٤٦٦).
(^٣) البداية والنهاية (١٠/ ١٧٢ - ١٧٣).
(^٤) الصَّفْصَافُ- بالفتح والسكون- كُورَةٌ من ثغور المِصيِّصَة. معجم البلدان (٣/ ٤١٣).
(^٥) البداية والنهاية (١٠/ ١٧٧، ١٧٩).
المقدمة / 27