{ ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير } الآية نزلت في أهل مكة حين قالوا: يا محمد ائتنا بعذاب إن كنت صادقا، يعني ولو عجلنا هذا الشر الذي دعوا به حتى نعجل لهم الخير ونحسهم إليه { لقضي إليهم أجلهم } لهلكوا، وقيل: هو كقول الرجل لولده في حال الغضب: اللهم العنه ولا تبارك فيه، وقيل: الشر عقوبات أعمالهم وهو الشر كما يريدون العاجل في دنياهم الذي هو الخير لأماتهم عاجلا ونقلهم إلى ذلك العذاب، وقيل: الخير منافع الدنيا، وقيل: الثواب والعقاب { فنذر الذين لا يرجون لقاءنا } لما وعدنا من الثواب والعقاب { في طغيانهم يعمهون } يتحيرون { وإذا مس الانسان الضر } أي أصابه بلاء وشدة ومشقة { دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما } أراد جميع حالاته، وقيل: أحوال مرضه وصحته { فلما كشفنا عنه ضره مر } اي أعرض { كأن لم يدعنا إلى ضر مسه } أي كأنه لم يدعنا قط { كذلك زين للمسرفين } أي زين لهم الشيطان والغواة، ثم حذر سبحانه بهذه الآية ما نزل بالأمم الماضية فقال: { ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا } ، قوله: { كذلك نجزي القوم المجرمين } أي كما أهلكناهم بكفرهم كذلك نعاقب القوم المجرمين { ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم } أي من بعد القرون الذين أهلكناهم { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات } الآية نزلت في مشركي قريش، وقيل: في عبد الله بن أمية والوليد بن المغيرة والعاص وغيرهم قالوا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ائت بقرآن { غير هذا } ليس فيه ترك عبادة اللات والعزى ومنات وهبل، وقيل: قالوا: ائت بقرآن ليس فيه عيب لنا ولا لآلهتنا { أو بدله } فاجعل مكان آية عذاب آية رحمة، فنزلت الآية { قل ما يكون لي } ما ينبغي لي ولا يحل { أن أبدله } ، كقوله تعالى:
ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق
[المائدة: 116] { من تلقاء نفسي } أي من قبل نفسي { إن اتبع إلا ما يوحى إلي } فيما آمركم به وأنهاكم عنه { عذاب يوم عظيم } وهو يوم القيامة { قل } يا محمد { لو شاء الله ما تلوته عليكم } أي ما قرأته بأن لا ينزل علي ولا يأمرني بقراءته عليكم { ولا أدراكم به } أي ولا أعلمكم به على لساني وقراءتي، وقرأ ابن عباس ولا أنذركم به { فقد لبثت فيكم عمرا } لبث (صلى الله عليه وآله وسلم) في قومه أربعين سنة إلى أن أتاه الوحي { من قبله } أي من قبل نزول القرآن { أفلا تعقلون } فتدبرون { فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا } أي لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا { أو كذب بآياته } بحججه والافتراء أن يقول عليه ما لم يقل { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم } يعني الأوثان التي هي جماد لا تقدر على نفع ولا ضر، وقيل: إن عبدوها لم تنفعهم وإن تركوها لم تضرهم، ومن حق المعبود أن يكون مثيبا على الطاعة، ومعاقب على المعصية، وكان أهل الطائف يعبدون اللات، وأهل مكة العزى ومنات وهبل { و } كانوا { يقولون هؤلاء شفعاؤنا } عند الله، وعن النضر بن الحرث أنه قال: إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزى { قل أتنبئون الله بما لا يعلم } تخبرونه بكونهم شفعاء عنده { في السموات ولا في الأرض } يعني لا يعلم الله له شريكا ولا هؤلاء شفعاء { سبحانه } تنزيها عما يقولون { وتعالى } أي تعالت صفاته { عما يشركون }.
[10.19-23]
{ وما كان الناس إلا أمة واحدة } حنفاء متفقين على ملة واحدة من غير أن يختلفوا بينهم وذلك على هدم آدم إلى أن قتل قابيل هابيل، وقيل: بعد الطوفان حين لم يذر الله من الكافرين ديارا { ولولا كلمة سبقت من ربك } وهو تأخير الحكم بينهم إلى يوم القيامة { لقضي بينهم } عاجلا فيما اختلفوا فيه ويميز المحق من المبطل { ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه } الآية نزلت في أهل مكة أرادوا به من الآيات التي كانوا يقترحون وكانوا لا يقتدون بما أنزل الله من الآيات العظام المتكاثرة التي لم ينزل على أحد من الأنبياء مثلها، وكفى بالقرآن وحده آية باقية على وجه الدهر، { فقل إنما الغيب لله } أي هو المختص بعلم الغيب المستأثر به لا علم لي ولا لأحد معه { فانتظروا } نزول ما اقترحتموه إني منتظر لما ينزل الله بكم لعنادكم وجحودكم الآيات فسلط الله القحط على أهل مكة سبع سنين حتى كادوا يهلكون { وإذا أذقنا الناس } منا { رحمة من بعد ضراء } أي رحمة ورخاء، من بعد شدة وبلاء، وقيل: أراد السعة بعد القحط { إذا لهم مكر في آياتنا } أي جعلوا مكان الشكر في ظل نعمه كفرا، وقيل: مكروا بالدين وأهله ودبروا في إبطال الآيات، وقيل: احتالوا في أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) { ان رسلنا يكتبون ما تمكرون } يعني الملائكة يكتبون أعمالهم ليجازيهم بها يوم القيامة { هو الذي يسيركم في البر } على الظهور { و } في { البحر } على السفن، ومتى قيل: لم أضاف السير إليه؟ قلنا: لأنه بأمره ومعونته، وقيل: تسخيره الأنعام في البر والسفن في البحر { وجرين بهم } يعني جرت السفن بالناس كما ركبوها { بريح طيبة } لينة { وفرحوا بها } أي سروا بتلك الريح { جاءتها ريح عاصف } أي ريح شديدة الهبوب { وجاءهم الموج } اضطراب البحر { من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم } يعني أيقنوا أن الهلاك أحاط بهم { دعوا الله مخلصين له الدين } أي أخلصوا الاعتقاد { لئن أنجيتنا من هذه } يعني ويقولون لئن خلصتنا من هذه الريح العاصف أو من شدائد { لنكونن من الشاكرين } { فلما أنجاهم } أي خلصهم { إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق } ، قيل: يظلم بعضهم بعضا، وقيل: يبغون على أولياء الله تعالى، وقيل: البغي سفك الدماء المحرم وغصب الأموال وانتهاك المحرمات { يأيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم } يعني عاقبة ظلمكم وبغيكم يعود عليكم فيعاقبكم عليه يوم القيامة وهو وعيد وزجر، قوله تعالى: { متاع الحياة الدنيا } تنتفعون بها مدة حياتكم { ثم إلينا مرجعكم } مصيركم { فننبئكم بما كنتم تعملون } وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم):
" أسرع الخير ثوابا صلة الرحم واعجل الشر عقابا البغي واليمين الفاجرة "
، وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم):
" اثنتان يعجلهما الله في الدنيا البغي وعقوق الوالدين "
وعن ابن عباس: لو بغى جبل على جبل لاندك منه عاليه وأسفله، قال الشاعر:
يا صاحب البغي إن البغي مصرعه
অজানা পৃষ্ঠা