253

[10.90-95]

{ و } بعدما تمرنوا بالصبر واستقاموا على ما أمروا مختبئين، فازوا بما ناجوا وطلبوا مؤملين حين { جاوزنا ببني إسرائيل البحر } أي: عبرناهم من البحر سالمين، وذلك حين هم فرعون وملأه أن يكبوا على بني إسرائيل ويستأصلوهم بالمرة، فأوحينا إلى مومسى أن أسر بعبادي ليلا فأسرى بهم، فأخبروا فخرجوا على الفور، فأدركوهم على شاطئ البحر فأوحينا إلى موسى بضرب العصا فضرب، فانفلق وافترق فرقا، فعيروا سالمين، فلما أبصروا انفلاق البحر وعبورهم سالمين { فأتبعهم فرعون وجنوده } فاقتحموا في البحر بلا مبالاة وتأمل { بغيا وعدوا } ظلما وزورا، علوا واستكبارا، فاجتمع البحر وعاد على ما كان فغرقوا { حتى إذآ أدركه } أي: فرعون { الغرق } وآيس من حياته وجزم ألان نجاة له أصلا { قال } في حالة الاضطرار، مصرخا صائحا باكيا، راجيا الخلاص بمجرد الإقرار: { آمنت } واعترفت { أنه } أي: بأنه { لا إله } يعبد بالحق { إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين } [يونس: 90] المنقادين لما جاء به رسوله.

وحين تفوه بها، هتف هاتف من وراء سرادقات العز والجلال قائلا: { آلآن } أيها الطاغي الغاوي الباغي آمنت حين انقرض وقت الإيمان وانقضى زمانه { وقد } أخذت على ما { عصيت قبل } في مدة حياتك { وكنت } في زمان طغيانك وعصيانك الذي هو زمان الإيمان والعرفان { من المفسدين } [يونس: 91] بأنواع الفسادات لا من المؤمنين؟!.

{ فاليوم } لا ينفعك إيمانك { ننجيك } نخرجك من البحر { ببدنك } بلا روح ونسقطك على الساحل عريانا { لتكون لمن خلفك } من المتجبرين المتكبرين { آية } زاجرة وعبرة رادعة عن العتو والعناد، صارفة عن الجور والفساد { وإن كثيرا من الناس } الناسين عهودنا وميثاقنا الذي عهدنا معهم في لوح قضائنا { عن آياتنا } الدالة على أخذنا وانتقامنا { لغافلون } [يونس: 92] مثلك أيها الطاغي.

{ و } بعددما أهلكنا فرعون وملأه { لقد بوأنا } أي: مكنا وأسكنا { بني إسرائيل مبوأ صدق } أي: مقعد صدق وموضع ثبوت واستقرار وتمكين على ما تقتضيه نفوسهم وترتضيه عقولهم { و } بعد تمكينهم وتوطينهم { رزقناهم من الطيبات } أي: أطياب الأغذية والفواكه ولذائذها { فما اختلفوا } في أمر دينهم قبل نزول الكتاب، بل هم متفقون مجتمعون على ما بلغهم رسولهم وهداهم إليه { حتى جآءهم العلم } وأنزل عليهم الكتاب، فاختلفوا فيه وتفرقوا فرقا تحزبوا أحزابا، وانحرفوا عن طريق الحق وحرفوا الكتاب، سيما نعتك وحليتك وأوصافك يا أكمل الرسل { إن ربك يقضي بينهم } ويحكم عليهم { يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } [يونس: 93] أي: يفصل بينهم، ويميز محقهم من مبطلهم بالإثابة والعقاب.

{ فإن كنت } يا أكمل الرسل { في شك } وريب { ممآ أنزلنآ إليك } في كتابك من قصصهم وأخبارهم { فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك } وارجع إليهم لإزالة شكك وحل شبتهك، وتفحص عنهم حتى تنكشف لك ويتحقق عندك { لقد جآءك الحق من } عند { ربك } الصريح المطابق للواقع { فلا تكونن } فيه { من الممترين } [يونس: 94] إذ ليس هذا محلا للشك والارتياب؛ إذ

لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه

[فصلت: 42] لأنه تنزيل من حكيم عليم.

وبعدما سمعت ما سمعت { ولا تكونن } ألبتة { من } المسرفين { الذين كذبوا بآيات الله } الدالة على كمال قدرته ومتانة علمه وحكمته { فتكون من الخاسرين } [يونس: 95] الساقطين عن مرتبة الخلافة، النازلين عن درجة أهل المعرفة والتوحيد.

وأمثال هذه الخطابات والعتابات من الله العليم الحيكم لحبيبه الذي ظهر على الخلق العظيم، وتمكن على الصراط المستقيم، إنما هو حث وترغيب للمؤمنين على ملازمة كتاب الله ومحافظة أوامره ونواهيه، وتثبيت لهم في إيماهم وتصديقهم.

অজানা পৃষ্ঠা