252

{ فلمآ ألقوا } ما جاءوا به من السحر واستحسنوا من فرعون واستأملوا منه الجعل الكثير وجزموا الغلبة { قال موسى } بعدما رأى ما ألقوا: { ما جئتم به } أيها المفسدون المعاندون { السحر إن الله } المطلع لجميع مخايلكم { سيبطله } عن قريب، ثم ألقى موسى عصاه، فإذا هي تلقف ما يأفكون، فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون، فانقلبوا هنالك صاغرين { إن الله } المصلح لأحوال عباده { لا يصلح عمل المفسدين } [يونس: 81] منهم؛ لانهماكهم في الإفساد والإسراف، المصرين على العتو والعناد.

{ و } بالجملة: { يحق الله الحق } الثابت من عنده ويقرره في مكانه { بكلماته } أي: بأوامره ونواهيه وآياته ومعجزاته { ولو كره المجرمون } [يونس: 82] المحرمون عننور الإيمان والتوحيد ذلك التثبيت والتقرير.

ثم لما ظهر أمر موسى وشاع غلبته وفاق معجزاته على ما جاءوا به من السحر والشعبذة { فمآ آمن لموسى } منهم بعد ظهور صدقه بين أظهرهم { إلا ذرية من } شبان { قومه } أي: بني إسرائيل، وسبب توقفهم بعد الدعوة أنهم { على خوف } وخطر عظيم { من فرعون وملئهم } الذين يجتمعون حولهم من القبط { أن يفتنهم } ويصول عليهم ليقتلهم { و } وكيف لا يخافون أولئك المظلومون؟! { إن فرعون } المتناهي في العتو والاستكبار { لعال في الأرض } غالب قاهر على جميع من فيها { وإنه لمن المسرفين } [يونس: 83] بالاستيلاء والبسطة والكبرياء إلى حيث تفوه من غاية كبره ب: أنا ربكم الأعلى.

{ و } بعدما رأى موسى توقف قومه في أمر الإيمان بعد وضوح البرهان { قال موسى } على وجه العظة والتذكر، وتعليم التوكل والتفويض الذي هو أقوى شعائر الإيمان، مناديا لهم ليقبلوه عن ظهر القلب: { يقوم } أراد به بني إسرائيل { إن كنتم آمنتم بالله } الرقيب الحسيب لعباده { فعليه توكلوا } في جميع أموركم وحالاتكم { إن كنتم مسلمين } [يونس: 84] مسلمين أموركم إليه، منقادين لحكمه، وما جرى عليكم من قضائه.

ثم لما سمعوا مقالة موسى تأثروا منها وتذكروا { فقالوا على الله } المتولي لأمورنا { توكلنا ربنا } يا من ربانا بلطفك وهدانا إلى توحيده { لا تجعلنا } بحولك وقوتك { فتنة } أي: محل فتنة ومصيبة { للقوم الظالمين } [يونس: 85] الذي قصدوا أن يتسلطوا علينا ويفتنوا بنا.

{ ونجنا برحمتك } التي وسعت كل شيء { من القوم الكافرين } [يونس: 86] القاصدين ستر الحق بأباطيلهم الزائغة، الكائدين المكارين مع من توجه نحوك ورجع إليك.

[10.87-89]

{ و } بعدما أخلصوا في تضرعهم وتوجههم إلينا { أوحينآ إلى موسى } أصالة { وأخيه } تبعا { أن تبوءا } أي: خذا مباءة؛ أي: مسكنا ومبيتا { لقومكما بمصر } وأمر لهم أن يبنوا { بيوتا } فيها { و } بعدما بنيتم بيوتا { اجعلوا } أي: كل واحد منكما ومنهم { بيوتكم قبلة } ومسجدا توجهون فيها إلى الله وتتقربون نحوه { وأقيموا الصلاة } فيها أي: أديموا الميل والتوجه نحو الحق مخبتين خاشعين مخلصين { و } بعدما واضبوا على ما أمروا واستقاموا عليه مخلصين { بشر } يا موسى الداعي لهم إلى الحق { المؤمنين } [يونس: 87] المتوجهين نحوه بالنصرة على الأعداء في الدنيا، والكرامة العظيمةم في النشاة الأخرى، والفوز بالوصول إلى فناء المولى.

{ وقال موسى } بعدما تفرس القبول والإجابة للدعاء، داعيا على الأعداء { ربنآ إنك } بفضلك وجودك { آتيت فرعون وملأه زينة } يتزينون { وأموالا } يميلون إليها ويفتخرون بها { في الحياة الدنيا } ولم يشكروا لنعمك بكل يكفروا بها يا { ربنا } وإنما افتخروا وباهوا بحطامهم { ليضلوا عن سبيلك } ضعفاء المؤمنين المتلونين الذين لم يتمكنوا في مقر اليقين ولم يتوطنو في موطن التمكين { ربنا اطمس على أموالهم } أي: امحها واتلفها؛ لئلا يتمكنوا على تضليل عبادك بها { واشدد } ختمك وطبعك { على قلوبهم فلا يؤمنوا } لا ينكشفوا بالإذعان والقبول { حتى يروا العذاب } المعد لهم لكفرهم وإصرارهم { الأليم } [يونس: 88] المؤلم في غاية الإيلام حين رأوا المؤمنين في سرور دائم ولذة مستمرة وجنة نعيم.

{ قال } سبحانه مبشرا لموسى: { قد أجيبت دعوتكما } ووقع مناجاتكما في محل القبول، ثنى الضمير؛ لأن هارون يؤمن حين دعا { فاستقيما } على ما أتنما عليه من الدعوة وإلزام الحجة ولا تفتروا في أمركما هذا، والزما الصبر؛ إذ الأمور مرهونة بأوقاتها { ولا تتبعآن } في الاستعجال والاستسراع { سبيل الذين لا يعلمون } [يونس: 89] الأدب مع الله في إلحاحهم واقترحاتهم في طلبه الحاجات.

অজানা পৃষ্ঠা