{ ولو ترى } أيها الرائي { إذ وقفوا على ربهم } أي: حين وقفوا وصفوا عند ربهم؛ ليحاسبوا بما عملوا لرأيتهم حيارى سكارى مضطرين مضطربين { قال } لهم سبحانه من وراء سرادقات العز والإجلال: { أليس هذا بالحق } أيها الحمقى الكاذبون المكذبون؟ { قالوا } بعدما كوشفوا وعوينوا معتذرين متفجعين مصدقين مقسمين: { بلى وربنا } آمنا وصدقنا { قال } سبحانه: الآن لن ينفعكم الإيمان { فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون } [الأنعام: 30] وتكذبون به في النشأة الأولى التي هي دار الفتنة والاختبار.
ثم قال سبحانه تقريعا وتوبيخا لهم: { قد خسر } وخاب { الذين كذبوا بلقآء الله } مع نزول الآيات الدالة عليه، وإرشاد الرسل والأنبياء والأولياء لهم { حتى إذا جآءتهم الساعة } المعدة للعرض { بغتة } فجأة { قالوا } بعدما انكشفوا به وتيقنوا له متسحرين خائبين خاسرين: { يحسرتنا } كلمة تحسر وتأسف { على ما فرطنا فيها } أي: في النشاة الأولى من التكذيب وعدم الإيمان { وهم } في تلك الحالة { يحملون } وبال { أوزارهم } وآثامهم { على ظهورهم } خائبين خاسرين محرومين عن مطالعة وجه الله الكريم { ألا سآء ما يزرون } [الأنعام: 31] في الدنيا، ويحرمون بها في العقبى عن لقاء المولى.
[6.32-35]
{ وما الحيوة الدنيآ } التي يحصرون الحياة عليها، ويحرمون من الحياة الحقيقية لأجلها { إلا لعب ولهو } يلعب بهم ويلهيهم ويشغلهم عن الحياة الأبدية والبقاء السرمدي { وللدار الآخرة } وجناتها الحقيقية ولذاتها المعنوية { خير للذين يتقون } عن محارم الله ومنهياته في الحياة الصورية { أفلا تعقلون } [الأنعام: 32] وتميزون أيها العقلاء بين الحياتين، ولا تعلمون أي اللذتين خير لكم.
ثم قال سبحانه: { قد نعلم إنه } الشا، { ليحزنك } ويؤذيك القول { الذي يقولون } في حقك أولئك المعاندون المكابرون من أنك ساحر كاذب مجنون شاعر وغيرها ، ولا تبال بهم وبقولهم { فإنهم } في الحقيقة { لا يكذبونك ولكن الظلمين } الخارجين عن حدود الله، المنصرفين عن مقتضى أحكامه { بآيات الله } المنزلة عليك من عنده لإهداء التائهين من عباده { يجحدون } [الأنعام: 33] ينكرون ويعاندون جحودا وإصرارا، وبالجملة: فاصبر على أذاهم يا أكمل الرسل إلى أن يحل عليهم الغضب من الله المنتقم المقتدر.
{ و } الله يا أكمل الرسل { لقد كذبت رسل من قبلك } مثل ما كذبت { فصبروا } وتحملوا { على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا } الذي وعدناهم، فنصرناهم وانتقمنا من عدوهم فكانوا هم الغالبين { و } بالجملة: لا تيأس من نصر الله وتأييده بإمهال الله إياهم، إذ { لا مبدل لكلمات الله } التي سبقت منه سبحاه لنصر أنبيائه ورسله { و } كيف تيأس وتقنط { لقد جآءك من نبإ المرسلين } الأنعام: 34] ما يكفيك عن التردد فيه.
{ وإن كان كبر } وشق { عليك إعراضهم } عن الإيمان والانقياد لك { فإن استطعت } من غاية حرصك لإيمانهم وانقيادهم { أن تبتغي } وتطلب { نفقا } منفذا { في الأرض أو سلما } مرقاة { في السمآء } فافعل { فتأتيهم بآية } دالة على إلجائهم إلى الإيمان، وإلا فاصبر حتى يأتي الله بأمر من عنده وما لك إلا التبليغ { ولو شآء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجهلين } [الأنعام: 35] بأن الأمور كلها بيد الله واختياره، يهدي من يشاء ويضل من يشاء، فلا تحصر على إيمانهم وهدايتهم، ولا تجهد فيما لا يسع فيه جهدك وسعيك؛ لأنك لا تهدي من أحببت، هذا تأديب من الله لرسوله وأمثال هذا في القرآن كثيرة.
[6.36-39]
وكيف تطلب إيمانهم وتتوقع هدايتهم أيها الرسول الداعي مع أن الداعي { إنما يستجيب الذين يسمعون } الدعوة عن رضا، ويلقون السمع وقلوبهم حاضرة يفهمها، وهم في أنفسهم طالبون الحياة الحقيقية { و } هؤلاء ليسوا من الطالبين بل هم { الموتى } حقيقة وإن كانوا أحياء صورة { يبعثهم الله } في يوم الحشر ويحييهم بالحياة الحقيقية حتى يطلعوا على ما فاتهم في الحياة الصورية، ولا تنفعنم تلك الحياة والإطلاع إلى الحسرة والندامة على ما فات عنهم في دار العمل والاختبار { ثم } بعدما أحياهم وأطلعهم، { إليه } لا إلى غيره { يرجعون } [الأنعام: 36] يساقون لجزاء ما عملوا في الدنيا من تكذيب الآيات والرسل والاستهزاء معهم والذب عنهم.
{ و } من غاية بغضهم وعنادهم وبغضهم معك يا أكمل الرسل { قالوا } أي: بعضهم لبعض: إن كان محمد صلى الله عليه وسلم نبيا { لولا } هلا { نزل عليه آية من ربه } أي: آية اقترحناها منه وآية تلجئنا إلى الإيمان به أو آية تستأصلنا بالمرة مع أن دعواه أن ربه يقوى ويقدر على جميعها { قل } لهم: { إن الله } المتعزز برداء العظمة والكبرياء { قادر } بالقدرة التامة الكاملة { على أن ينزل آية } من آية اقترحتموها متى تعلقت إرادته ومشيئته { ولكن أكثرهم لا يعلمون } [الأنعام: 37] أن الله فعال لما يريد، وأن الله لو أنزلها نزل عقبها عليهم البلاء كما نزل على الأمم الماضية.
অজানা পৃষ্ঠা