(فصل في انطواء القرآن على البراهين والأدلة)
ما من برهان ولا دلالة وتقسيم وتحديد " ينبئ " عن كليات المعلومات العقلية والسمعية إلا وكتاب الله تعالى قد نطق به، لكن أورده تعالى على عادة العرب، دون دقائق طرق الحكماء والمتكلمين - لأمرين: أحدهما: بسبب ما قاله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ الآية.
والثاني: إن المائل إلى دقيق المحاجة هو العاجز عن إقامة الحجة بالجلي من الكلام.
فإن من استطاع أن يفهم بالأوضح.
الذي يفهمه الأكثرون لم ينحط إلى الأغمض الذي لا يعرفه " إلا " الأقلون ما لم يكن ملغزًا.
فأخرج تعالى مخاطباته في محاجة خلقه في أجل صورة تشتمل على أدق دقيق لتفهم العامة من جليها ما يقنعهم ويلزمهم الحجة، وتفهم الخواص من أثنائها ما يوفي على ما أدركه فهم الحكماء.
وعلى هذا النحو قال " ﵊ ": " إن لكل آية ظهرًا وبطنًا " ولكل حرف حدًا ومطلعًا " لا على ما ذهب إليه الباطنية.
ومن هذا الوجه كلهُّ مَنْ كان حظه في العلوم أوفر، كان نصيبه من علم القرآن أكثر، ولذلك، إذا ذكر " تعالى " حجة على ربوبيته ووحدانيته أتبعها مرة بإضافتها إلى أولي العقل، ومرة إلى أولي العلم، ومرة إلى السامعين، ومرة إلى المفكرين، ومرة إلى المتذكرين - تنبيهًا " على " أن بكل قوة من هذه القوى يمكن إدراك حقيقة منها، وذلك نحو قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾، وغيرها من الآيات ...
1 / 27