فصل
[ الله غير مريد للقبائح ]
فإن سأل سائل فقال: ما الدليل على أن الله تعالى لا يفعل شيئا من القبائح؟
قيل له: الدليل على ذلك أنه تعالى قد ثبت:
استغناؤه عن جميع القبائح.
وكونه عالما بقبحها.
وعالم باستغنائه عنها.
والعالم بقبح القبيح متى استغنى عنه، لا يجوز أن يختاره على وجه من الوجوه.
فإن قيل: فلم قلتم إنه سبحانه مستغن عن جميع القبائح؟
قيل له: لأنه لا يخلو من أن يستحيل عليه عز وجل الشهوة ونفور النفس، أو لا يستحيلان عليه؟
فإن استحالا عليه ثبت استغناؤه عن جميع الأشياء، لأن المحتاج إنما يحتاج إلى إدراك ما يشتهيه، أو دفع ما تنفر نفسه عنه، فمن استحالت عليه الشهوة ونفور النفس، استحالت عليه الحاجة. والحي إذا استحالت عليه الحاجة ثبت استغناؤه عن الأشياء. فإن صح عليه الشهوة ونفور النفس تعالى عن ذلك استغنى بالحسن عن القبيح، لأن المحتاج ليس يحتاج إلى الشيء على الوجه الذي يقبح دون الوجه الذي يحسن، وإنما يحتاج إليه فقط. وفي كلا (¬1) الأمرين ثبوت استغناء القديم تعالى عن المقبحات.
فإن قيل: ولم قلتم إنه عالم بقبح المقبحات، وعالم باستغنائه عنها؟
قيل له: قد قدمنا الكلام في أنه تعالى لا يجوز أن يكون عالما بعلم، وإذا بطل أن يكون عالما بعلم، ثبت أنه تعالى عالم لنفسه، ومن حكم العالم لنفسه أن يعلم المعلومات كلها، على جميع الوجوه التي يصح أن تعلم عليها.
পৃষ্ঠা ৬১