তাবিকা ওয়া মা বাকদা তাবিকা
الطبيعة وما بعد الطبيعة: المادة . الحياة . الله
জনগুলি
ولنا مع الماديين شوط آخر في محاولتهم رد الحياة الوجدانية إلى الحياة البدنية، كما يردون هذه إلى القوى الفيزيقية الكيميائية. يبدءون حجتهم بما هو معلوم من أن الحياة الوجدانية إنما تظهر في الأحياء الحائزين على جهاز عصبي، وإنما ترتقي وتتنوع بارتقائه وتكثر مراكزه، وإذا تعطل كله أو أحد أعضائه الهامة انطفأت أو اضطربت، كما ينطفئ النور أو يختلج إذا عطب المصباح. ثم يدعون أنها نتاجه، وعلى الخصوص الدماغ، تصدر عنه كالهضم عن المعدة، والتنفس عن الرئتين، والدورة الدموية عن القلب سواء بسواء. فإذا صحت هذه الدعوى كان الجهاز العصبي علة، وكانت الحياة الوجدانية معلولة له، وكانت هي والحياة البدنية من نوع واحد تابعة لها خاضعة كل الخضوع لقوانين المادة الصرف. وهم يكدسون الشواهد على تبعية الوجدان للبدن، فيذكرون تأثير الغذاء والمنبهات والمخدارت، وأن الخلق يتقوم إلى حد كبير بالمزاج البدني؛ وبكيفية تأدية الوظائف لأفعالها؛ وأن الذكاء يظهر بالتأثير في الغدد أو بجراحة في الدماغ؛ وأن التشريح المقارن يبين أن نمو الحياة الذهنية في مختلف الأنواع الحيوانية هو بنسبة عدد تجاويف الدماغ، وبنسبة ثقل الدماغ بالقياس إلى ثقل البدن؛ وأن علم الأمراض الذهنية يدل على تناقص الحياة الوجدانية بالإعياء البدني وبالجروح الدماغية، مثلما يبدو في أمراض الذاكرة وأمراض الإرادة؛ وإن بتر الدماغ يدع الحيوان وليس له سوى الآلية.
هذه العلاقة بين الحياتين؛ الذهنية والبدنية، لا تنكر. ولكن الذي ينكر هو تأويل الماديين لها، فقد يكون البدن شرطا للحياة الوجدانية لا علة مكافئة لها، وقد يكون للحياة الوجدانية بدورها تأثير في الحياة البدنية. وسنذكر الشواهد على هاتين القضيتين، فنبين أصالة الحياة الوجدانية، وأن تبعيتها للبدن خارجية فقط. نبدأ بشواهد القضية الثانية فإنها أسهل تناولا، وتعتبر الجواب المباشر على الحجة المادية، فنقول: إذا كانت الحياة الوجدانية متعلقة بالبدن، فإن تأثيرها فيه يربو على تأثرها به. كيف تكون عرضا طارئا على الجهاز العصبي وكل تصور فهو يحاول أن يترجم عن نفسه بالحركة ويتحقق في الخارج؟ إن حركة الصور هذه قانون عام تلزم عنه نتائج كثيرة مذكورة في كتب علم النفس. ثم بالعمل العقلي يتوارد الدم إلى الدماغ، ويحدث هذا التوارد تلفا فيه؛ ويتضاءل المجهود العضلي، وتسوء الصحة عامة. وأيضا للانفعالات، وبخاصة المفاجئ منها، أثر بدني قوي: فالحزن يقسم ويهزل، والفرح ينشط وينعش، والخوف يهز البدن كله ويورث بعض الأمراض. وأيضا معظم أفعالنا معين بالإرادة إلى حد السيطرة على الغرائز والعادات، ووقف الأفعال المنعكسة. وأيضا ليست تقتصر فاعلية الحالات الوجدانية على ما يغايرها من أعضاء البدن والأشياء الخارجية، بل تتناول فعل حالة في حالة: كفعل الصورة في الفكر وفي العاطفة وفي الحركة، وفعل الفكرة في توليد اليقين وبث العزم. وأيضا بالمعرفة نضيف إلى وجودنا الذاتي صور الأشياء المعروفة، فنجاوز حدودنا الجسمانية إلى سعة الكون نغذي عقلنا بعجائبه ونستمتع بجماله؛ وإذا اقتنعنا بتمايز الروح من المادة، وبعلو الروح على المادة، فأخذنا بالفضائل أسباب الكمال الروحي، رأينا أنفسنا نقهر البدن على الانصياع لمقتضيات ذلك الكمال، بل نضحي بحياتنا في سبيله، كما فعل ويفعل كثيرون جدا من الصالحين والمتصوفين في مختلف البلاد ومختلف العصور. فأي دلائل أقوى من هذه على ثبوت الحياة الوجدانية، وتواضع الحياة البدنية بإزائها، سواء من حيث الأثر الفعلي ومن حيث القيمة الذاتية؟! الحق أن تعسف الماديين يبلغ هنا إلى الحد الأقصى المغني بظهوره عن المناقشة والتدليل.
ولكنا نمضي في التدليل والمناقشة بغية تبديد جميع شبهاتهم والإقناع العالي على كل شك، لأهمية المسألة من الوجهة النظرية إذا كنا طلاب حق، ومن الوجهة العملية أو الأخلاقية إذا كنا طلاب فضيلة. فلننظر فيما للحياتين من صفات ذاتية متعارضة، بعد أن نظرنا في تفاعلها، فيحتم علينا هذا التعارض الإقرار بتمايزهما وحصول وجود خاص لكل منهما. إن الظواهر البدنية أو الفسيولوجية متحيزة خاضعة للمقاس، بعضها بالنسبة إلى بعض يمين ويسار، فوق وأسفل، أمام وخلف. أما الظواهر الوجدانية فليست ممتدة ومتحيزة لما بينها وبين المادة من تغاير ظاهر، كالذي بين الجرح أو الحرق وبين الألم الناتج عنهما؛ ولا تجزأ إلى وحدات تشغل أمكنة متخارجة؛ ولا تقاس، وكل ما لها في باب المقاس شدة أو قوة نقدرها تقديرا اعتباريا ولا نقيسها كالكمية، وما مقاس الحالات البدنية المقارنة لها إلا وسيلة بعيدة لتعرف مبلغ الشدة، وما امتداد بعض منها وتحيزه، كالجرح أو الحرق، سوى حالة عرضية لارتباطها بالجزء المصاب من البدن. فالظاهرة الوجدانية التي من هذا القبيل وحدة ذات وجهين، وجه عضوي ووجه وجداني.
هذا الإصرار على جمود أصالة الحياة الوجدانية، وعلى اتباعها للحياة البدنية اتباعا مطلقا، نتيجة محتومة للمادية الآلية: فإنها تستند إلى مبدأ قائل: إن كل حركة في العالم فهي لازمة عن قوى سابقة، وتستنتج منه أن الأفعال الإنسانية لازمة عن الحركات الكونية، وأن المتنوعات صادرة عن تجانس أصلي، فيتعين القول بأن الإحساسات تتركب من «صدمات عصبية» تتكرر بعينها، كالإحساس البصري أو السمعي، فإنه يقابل آلافا من الذبذبات الخارجية تؤثر في العصب البصري أو السمعي وتنتج الإبصار أو السماع. هذه نظرية «وحدة تركيب الذهن» - على حد تعبير سبنسر - تجعل من الحياة الوجدانية معلولا للجهاز العصبي وعرضا طارئا عليه. وهي نظرية ساذجة مصطنعة والاعتراضات عليها تتوارد إلى الخاطر بكل سهولة:
فأولا:
إنها تعني أن في كل إحساس موع إحساسات أولية غير موعية بعدد الذبذبات الصادرة عن المؤثر . ولكن الإحساس يبدو لنا وحدة بسيطة غير متجزئة، وليست تكون الظاهرة الوجدانية مركبة إلا إذا بدت كذلك للوجدان؛ هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى ليس يعقل أن تكون غير موعية دائما وبالطبع؛ وإذا سلمنا بذلك جدلا يبقى أن نفهم كيف تصير موعية لمحض تعددها: أليس هذا يعدل قولنا: إنا إذا جمعنا عددا كافيا من الأصفار حصلنا على واحد صحيح؟
ثانيا:
إن الإحساسات مختلفة موضوعا، فكيف تختلف وأصلها صدمات بعينها لا اختلاف بينها؟ من الممكن أن تثير الظواهر البدنية ظواهر وجدانية، وليس يمكن أن تخلقها من عدم.
ثالثا:
إن العالم الفسيولوجي بما هو كذلك لا يبلغ في بحثه إلى الإحساس واللذة والألم والرغبة والإرادة، لما بينها وبين موضوعات علمه من تباعد وتباين؛ وكل من يقتصر على مشاهدة أحواله الباطنة يجهل أن له أعصابا ومخا لنفس السبب.
অজানা পৃষ্ঠা