رُبَّما بَاعَدَكَ الدَّهْـ ... ـرُ فأَدْنَتْكَ الأَمَانِي
وحدَّث أبو القاسم اليزيديُّ قال: حدثني أخي أبو جعفر أحمد بن محمد قال: سمعت أبي يقول: كنتُ أُجَالِسُ العباس بن الأحنف كثيرًا، فأقول له: أنت بقيةُ الشعراء، فإذا مِتَّ فقد ذهب الشعر. قال: فقال لي: تقول ذاك، وأنت الذي تقول:
يا بعيدَ الدار موصو ... لًا بقلبي وَلساني
رُبَّما بَاعَدَكَ الدهْـ ... ـرُ وأَدنتْك الأَماني
والله لوَدِدْتُ أني سَبقْتُ إلى هذا المعنى، وأني لم أقلْ شعرًا. قال: قلت: جعلني اللهُ فِدَاك! وأين نحن منك! إنما نحنُ تلاميذك. فقال لي: والله لمَا وهبتَ من الشعر أكثرُ مما قلتُ.
قال أبو عبد الله محمد بن أبي محمد: وكنت حين بدأتُ أقول الشعر وأنا [أحـ]ـتشم من ذلك، فإذا سئلتُ عنه قلتُ: هذا للعباس بن الأحنف.
قال: قلت: وكيف أهبُ لك جعلني الله فِدَاءك! قال: لَسْت أعدَم أن أدخلَ المجلس، فأسمع جماعة يُنشدون شعرًا، فأقول: لِمَن هذا؟ فيقال لي: لك يا أبا الفضل. فأقول: ومَن أنشدكم؟ فيقال لي: محمد بن أبي محمد. فأقول: ذاك حَدَث يحفظ، وأَنْسَى.
قال أبو جعفر: سمعت أخي محمد بن أبي محمد يقول: اسْتَحْسَنَ الناسُ هذا المعنى لي، وإنما أخذتُه من شعر مَنْصُورٍ النَّمَرِيِّ، واستحسنوا لي معنًى آخرَ أخذتُه من شعر أبي، فغلبتُ عليهما حتى سَقَطَ ما قالا، واستحسن الناس ما قلتُ. قال النَّمَرِيُّ:
إِنَّ ظبيًا تحيَّرَ الحسنُ في العيـ ... ـنين منه وجَالَ في الأَركان
1 / 79