সুন্দুক দুনিয়া
صندوق الدنيا
জনগুলি
والآن إلى اللصوص بعد هذا الاستطراد الطويل الذي دعت إليه المناسبة العارضة، مناسبة الذكرى الأليمة.
لم أزل أغرس قدمي في الرمال وأقتلعها - فما يسمى المشي في هذه الصحراء مشيا إلا على المجاز - حتى دنوت من عين الصيرة،
2
فأبصرت أشباحا على ضوء نار، وكان الليل دامسا فلم أستطع أن أكون على يقين من مكان القوم، وخفت إن أنا مضيت في طريقي أن أقع عليهم وأنا لا أعرف أي ناس هم، وكنت أسمع أن هذه الرقعة الجدباء من الأرض مأوى اللصوص وعش الفتاك، فقلت: أميل عن الطريق حتى أبلغ «عين الصيرة» فأنحدر إليها ثم أعود فأصعد على حذر ناشرا أذني في الليل المحيط، مرهفا سمعي كل صوت ونأمة عسى أن أفلت، فإذا تعذر الإفلات عدت فوسعت الدائرة. فما كاد رأسي يبلغ مستوى الطريق المشرف على «العين» إذا بالقوم تحت عيني.
فأسرعت ورددت رأسي وتواريت خلف الصخرة التي كانوا جالسين إليها من الناحية الأخرى. وجلست أفكر وقد شاع في الرعب وكادت عيناي تخرجان. غير أني لم ألبث أن سمعتهم يغنون ويتضاحكون فعاد إلي بعض ما عزب من الطمأنينة، وتشجعت فدنوت من حرف الصخرة وجعلت أبرز من وجهي بقدر وأخفي بقدر، فألفيتهم على بضعة أمتار، نحو عشرة، منهم الضخم الهائل الأنحاء والطويل الهزيل والقصير والبدين، وكان أحدهم يغني والباقون يصخبون حوله ويضحكون ويتندرون عليه ويركبونه بألذع أنواع المجون. ويظهر أن هذا استفزه وأحنقه فانتفض عن الأرض ومضى يلعنهم ويقذفهم بأقبح النعوت، فهموا به جميعا ولكن رجلا ضخما من بينهم حسبته فيلا صغيرا صدهم وأهاب بهم أن «دعوه لي فإنه طعامي الليلة.»
فسرت رعدة خفيفة في بدني ومططت وجهي لعلي أرى ذيله وراءه. وتناول الرجل عصا غليظة تبلغ المترين أو قراب ذلك، وجعل يتوثب في الهواء ويلوح بها في كل ناحية ويهوي بها على الرءوس حتى إذا كاد يطيرها عن أكتافها أو يحطمها حرك يده، فمرت العصا فوقهم تقطع الهواء وتقول «فووو»، والرجل يقول في أثناء ذلك كلاما كهذا: «دعوه لي. إنه طعامي! ألا ترونني؟ انظروا إلي وراعوني إني أنا الذي يسمونه الموت الوحي والخراب العاجل! أمي العاصفة وأبي الزلزال وأختي الكوليرا انظروا إلي وراعوني. إني أفطر بقافلة وبرميل من البلح،
3
وإذا مرضت كان حسبي ملء سلة من الأفاعي. أفتت الصخر بنظرة وأخرس الرعد بصيحة. وسعوا لي وسعوا لي. الدماء شرابي وأنين القتلى موسيقاي. انظروا إلي وراعوني وعلقوا أنفاسكم فإني موشك أن أنطلق.»
فعلقت أنا أنفاسي وقد ملأ الرعب والإعجاب والسرور قلبي، الرعب مما سمعت ورأيت، والإعجاب بقوته وحذقه، والسرور بما أنا موشك أن أراه بين المتنازلين، وحدثت نفسي أني سأشهد منظرا لن أنساه ما حييت، منظرا ينطوي - من دواعي الإعجاب والإجلال - على أعظم وأهول مما ينطوي عليه ركوب ذلك «المضطر» للصعب من الأمور.
ثم نهض الذي كان يغني وكانوا يسخرون منه، وفي يده «نبوته» لا كما ننهض نحن أبناء آدم، بل كما يطير النسر عن الصخرة، وهوى على نبوته قائما على الأرض وهو معتمد عليه ببطنه وناشر يديه ورجليه في الفضاء طلبا للاتزان، ثم وثب بين صيحات الإعجاب وانطلق يضرب في الهواء بنبوته كما صنع زميله، ويقول كلاما كهذا: «احنوا ظهوركم لركوبي ولا تنظروا إلي بعيونكم فتذهلوا، إني أحك جلد رأسي بالبرق، وأنيم نفسي بالرعد، وأروح على وجهي بالعواصف، وإذا ظمئت مصصت السحاب وإذا جعت سار القحط في ركابي. واتقوا أن تنظروا إلي فتبهتوا! إني أحجب الشمس بكفي وأقد من القمر قطعة فينتهي الشهر، وأرتج لتندك الجبال، احنوا الظهور لأبي الخوارق!»
অজানা পৃষ্ঠা