السّادس (^١)، وقرابة الثلاثين عامًا في كتابه " فتح الباري " (^٢) فكم من الوقت استغرقت بقية كتبه! فقد أنفق ﵀ نفائس أيامه بالاشتغال بالعلوم الشّرعيّة المتلقّاة عن سيّد البريّة والّتي مدارها على كتاب الله المقتفى وسنّة نبيّه المصطفى. والقاضي من جبال العلم الشّامخة الذي يستصغرُ الإنسانُ نفسه بين يديه! وهذا أو ذاك عنده من خشية الله تعالى ما يرفعه إلى درجة العلماء المغفور لهم إن شاء الله تعالى، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨) إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (٣٠)﴾ [فاطر].
ورحم الله أبا عمرو زرعة السّيباني إذ قال: " ما نحن فيما مضى إلاّ كَبَقْلٍ في أُصُولِ نخلٍ طوال " فإذا كان أبو عمرو كبقلٍ أفلا نكون على الأقلّ كشوكٍ نذودُ به عن جنى هؤلاء العلماء؟!
دعوى أنّ القرآن فيه آيات متناقضة متعارضة!
من الدّعاوى الّتي ملأ الجهلاء بها ما بين الخافقين ضجيجًا وعجيجًا، زعمهم أنّ القرآن الكريم فيه آيات ينقض بعضها بعضًا، ويردّ بعضُها الآخر، ولا أعدو الحقيقة إن قلت: ما من مخلوق نظر في كتاب الخالق يلتمس عيبًا ليطعن فيه إلاّ رجع إليه بصره خاسئًا ذليلًا! فكيف يكون في القرآن تناقض واختلاف، وهو ﴿تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢)﴾ [فصّلت] وإنّما هي دعوى مَنْ لا دراية له بمبادئ علوم القرآن فضلًا عن غوامضها، ولذلك فإنّ أيّ قصور في الجمع بين الآيات والتّوفيق بينها، فهو قصور تتّهم فيه العقول!
ومن ذلك قولهم: كيف نوفّق بين قوله تعالى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى