قوله: وقد قال تعالى: ﴿وَمَن يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ . ولا شك عند من له أدنى مسكة من ذوق العلم أن من خرج لزيارة رسول الله ﷺ يصدق عليه أنه خرج مهاجرًا إلى الله ورسوله، لما يأتي من الأحاديث الدالة على أن زيارته ﷺ بعد وفاته كزيارته في حياته، وزيارته في حياته داخلة في الآية الكريمة قطعًا، فكذا بعد وفاته بنص الأحاديث الشريفة الآتية.
أقول: هذا كله مأخوذ من كلام ابن حجر المكي في الجوهر المنظم، وهو مردود من وجوه:
(الأول) أن الآية واردة في الهجرة من دار الشرك إلى دار الاسلام، يدل عليه سياق الآية وسباقها١، فإن أولها: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلاَّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًاّ غَفُورًا وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً﴾ . ويدل عليه أيضًا شأن نزولها: أخرج أبو يعلى وابن أبي حاتم والطبراني -قال السيوطي٢ بسند رجاله ثقات- عن ابن عباس قال: خرج ضمرة بن جندب من بيته مهاجرًا، فقال لقومه: احملوني فأخرجوني من أرض الشرك إلى أرض رسول الله ﷺ، فمات في الطريق قبل أن يصل إلى النبي ﷺ فنزل الوحي: ﴿وَمَن يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ﴾ الآية. كذا في فتح القدير للإمام الشوكاني ﵀، ويدل عليه أيضًا معنى الهجرة: قال في المصباح والهجرة –بالكسرة- مفارقة بلد إلى غيره، فإن كانت قربة لله فهي الهجرة الشرعية اهـ. وفي الصحاح: والمهاجرة من أرض إلى أرض ترك الأولى للثانية اهـ. وفي القاموس: والهجرة -بالكسر والضم- الخروج من أرض إلى أخرى اهـ. وفي
_________
١ أي الآيات السابقة عليها.
٢ أي في الدر المنثور.
1 / 42