يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الحُجُرَاتِ﴾ . وبأن حرمته ميتًا كحرمته حيًا، فاستكان له أبو جعفر. اهـ. وهذه الرواية وإن كان فيها مقال كثير ولكنها من مسلمات الخصم.
وأيضًا قال القاضي فيه: ولما كثر على مالك الناس قيل له: لو جعلت مستمليًا يسمعهم، فقال: قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ . وحرمته حيًا وميتًا سواء. اهـ.
وقال القطسلاني في المواهب: روي عن أبي بكر الصديق ﵁ قال: إنه لا ينبغي رفع الصوت على نبي حيًا ولا ميتًا، وروي عن عائشة ﵂ أنها كانت تسمع صوت الوتد يوتد والمسمار يضرب في بعض الدور المطيفة بمسجد النبي ﷺ، فترسل إليهم: لا تؤذوا رسول الله ﷺ، قالوا: وما عمل علي بن أبي طالب ﵁ مصراعي داره إلا بالمناصع توقيًا لذلك، نقله ابن زبالة. اهـ.
ودلت الآية أيضًا على أنه لا فرق في الصابر بين أن يكون صبره بحيث تكون بينه وبين قبر النبي ﷺ مدة سفر أو لا لوقوع "صبروا" في حيز الشرط الدال على العموم كما قرر الخصم، على أن زيارة قبره ﷺ المعهودة في زماننا هل يرفع فيها الصوت ويجهر له بالقول أم لا؟ والأول منهي عنه لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ . وعن أبي هريرة قال: لما نزلت: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ . قال أبو بكر: والذي أنزل عليك الكتاب يا رسول الله لا أكلمك إلا كأخي السرار١ حتى ألقى الله، أخرجه عبد بن حميد والحاكم وصححه، وفي صحيح البخاري: قال ابن الزبير فما كان عمر يُسمع رسول الله ﷺ حتى يستفهمه، ولم يذكر ذلك عن أبيه يعني أبا بكر. قال القسطلاني:
_________
١ هو المسارَّة، أي كصاحب السرار أو كمثل المساررة، لخفض صوته، والكاف صفة مصدر محذوف. اهـ مجمع البحار.
1 / 37