هذا، ولم أجد «ابن المرة» المنسوب إليه الكتاب فيما رجعت إليه من المصادر، وبعد الفحص والتحقيق بان لي أن الرجل انتحل كتابا ألفه طبيب من المائة السابعة للهجرة، وقد تصرف فيه على جهة الاختصار مع الاقتطاع، بعد أن حذف من الديباجة اسم الأمير الذي وضع لأجله الكتاب. وأما الطبيب الذي ألف الكتاب أصلا فهو بدر الدين المظفر ابن قاضي بعلبك مجد الدين عبد الرحمن بن إبراهيم، نشأ بدمشق، واشتغل فيها بصناعة الطب فبرع وتقدم، وكانت وفاته في حدود سنة 660ه. وأما اسم الأمير الذي وضع له الكتاب، فهو سيف الدين المشد أبو الحسن علي ابن عمر بن قزل المتوفى سنة 656ه.
ودونك المراجع التي هدتني إلى هذه الحقيقة: (1) «عيون الأنباء في طبقات الأطباء» لابن أبي أصيبعة، القاهرة 1300ه، ج2، ص259-265: عرف ابن أبي أصيبعة المتوفى سنة 668 بدر الدين المظفر، وراسله في شأن كتابه «مفرح النفس»، ووصفه هكذا: «مفيد جدا في فنه»، وذكر أنه ألف للأمير ابن قزل، ويزيد أن لبدر الدين مقالة في مزاج مدينة الرقة وأهويتها، ويوافقه في هذا حاجي خليفة كما سترى. (2) «مطالع البدور في منازل السرور» لعلاء الدين علي بن عبد الله البهائي الغزولي الدمشقي، القاهرة 1299ه، ج2، ص7-8: يذكر الغزولي، المتوفى سنة 851ه، كتاب «مفرح النفس» وينسبه إلى بدر الدين المظفر، ثم يقتبس منه خاتمة الرسالة التي أنشرها هنا، وهي خاصة بتأثير التصاوير في أصناف الأرواح، وقد عارضت نص الخاتمة هذه بنص المخطوط المنسوب إلى ابن المرة فوجدتهما متواطئين في الغرض والمعنى وأكثر اللفظ، على أن النص الذي أورده الغزولي عن كتاب المظفر أوفى وأعلى، وبمثل هذه المعارضة يتبين للقارئ كيف سطا ابن مرة على كتاب المظفر فانتحله بعد تصرف يسير فيه.
هذا، وقد عني علماء الآثار الإسلامية بما اقتبسه الغزولي من كتاب «مفرح النفس»، انظر:
A. MUSIL, Kusejr 'Amra. Wien 1907, p. 237, n. 65 .
Tu. ARNOLD,
, Oxford 1928, p. 88 .
زكي محمد حسن «الفنون الإيرانية في العصر الإسلامي» القاهرة 1939، ص61. (3) «كشف الظنون» لحاجي خليفة، إستنبول 1943، ج2، ص1772: يستند حاجي خليفة المتوفى سنة 1067ه إلى ابن أبي أصيبعة، ويقتبس من ديباجة الكتاب، وفيها ذكر الأمير ابن قزل، وهذه الديباجة توافق ما جاء في نسخة الظاهرية، ونسخة دار الكتب المصرية الموصوفتين فوق، ما عدا ذكر ابن قزل، إلا أن خلطا وقع في هذا الفصل من «كشف الظنون» (ومعلوم أن هذا الفهرست المطول بيض مؤلفه منه إلى حرف الدال فحسب)، وذلك أن اسم المؤلف لكتاب «مفرح النفس» جاء في آخر الفصل بدلا من أن يكون في أوله، فحل محله هنا: «بدر الدين عبد الوهاب بن سحنون الدمشقي، المتوفى سنة 694». هذا وفي «كشف الظنون» أيضا، ج2، ص1783، ذكر مقالة بدر الدين المظفر في «الرقة وأهويتها». ومن هذا الفصل الأخير استقيت تاريخ وفاة المظفر، فإن ابن أبي أصيبعة لم يذكره. (4) «شذرات الذهب» لابن العماد، القاهرة 1351ه، ج5، ص426. وكذلك «معجم الأطباء» لأحمد عيسى، القاهرة 1942، ص280-282: ليس فيهما عند ذكر ابن سحنون الطبيب، كتاب عنوانه «مفرح النفس»، كما ورد خلطا في «كشف الظنون». (5) «شذرات الذهب» ج5، ص280: تاريخ وفاة الأمير ابن قزل.
كتاب مفرح النفس (ص4ب) الباب الثالث
في اللذة المكتسبة للنفس من طريق حاسة البصر
اعلم أن المشهور عند الأطباء، وعند أكثر الناس أن حاسة البصر [ص15] محسوسها الألوان فقط، وليس كذلك، فإنها تحس بسبعة وعشرين جنسا من المدركات، كل واحد يخالف الآخر، بخلاف حاسة السمع، فإنها لا تحس إلا بالأصوات فقط.
অজানা পৃষ্ঠা