أعلم أن الله تعالى خلق هذه الصورة الآدمية وجعل لها غذاء وهو سبب بقائها فالناس فيه ضروب فطائفة تقنع بالقليل من المأكل وهي المتقنعة التي يصلح أن يكون منها متعبدون والتي هي شبيه الملائكة بخصالها وخلالها ونومها ومآكلها . فكلما قل الغذاء كنت مشبها لسكان السماء . وثمرته العافية والغناء عن الطبيب ومن قلة الأكل يحصل رقة القلب وقلة المخرج فمن كانت همته ما يدخل في بطنه كانت قيمته ما يخرج منها والإقلال من الأمراق والفواكه أسلم . وأعلم أن كثرة المأكل كثرة الرفاق لا تربح من كثرتهم خيرا : ألم تر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يجمع بين الإدامين فهذا فيه زهد وطب . وفي البطون بطون نارية تأكل ما يلقي إليها . والنار لها سبعة أبواب . وللبطون مثلها مثل باب الحرص وباب الشره وباب النميمة وباب سدة الجوع وقلة المبالاة بالخطايا والمآكل الحرام أشد الذنوب وأعظمها وللجسد سبعة أبواب دالة على أبواب جهنم مثل السمع والبصر واللسان والبطن والفرج واليدان والقدمان فهذه أبواب السعاية الدالة على القبائح وأعظم البطون وأعظم الأفعال القبيحة مظالم العبيد . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ' من أكل لقمتين من حرام حجبت دعوته أربعين صباحا ومن ملأ بطنا كانت النار أولى به ' والحرام هو مثل المغصوب والسرقة وأخذ القصاص والجناية بغير إذن ربها وقطع الطريق وقبول الرشوة وأخذ القصاص والجناية بغير إذن ربها وقطع الطريق وقبول الرشوة والإجارات على الطاعات وابتياع الحرام وأجره الحجامات وأخذ مالا يستحق حتى نوبة الماء وأنواع كثيرة ذكرناها في كتب الأحياء من الحلال والحرام ، وأما مكاسب الحلال فاصلها الحلال مثل البيض والبلوط والمن والحشيش والحطب . وأما الصيد ففيه كلام بين العلماء فتركه أجمل وعملك بيدك مع النصح أجل وأكسب . أجتمع أبو الحسين النوري وأبو يزيد وسفيان بن عيينة فأخذوا ببعض أجرتهم خبزا وتصدقوا بالباقي فلما قعدوا لأكل الزاد قال سفيان هل تعلمون منكم النصح في الحصاد فقالوا لا نعلم فتركوا الخبز مكانه وراحوا ، وأعلم أن سر الحرام غامض نكشف بعضه فنقول إن الصانع واحد والخلق من فيضه فالمعتدى على بعض أجزاء الفيض يسري بعدوانه إلى الكل كما قال تعالى في القاتل . فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا والقياس إذا قال شعرك طالق سرى الطلاق في جميع جسدها . وهكذا : إذا تصدقت فقد أرضيت به الصانع والمصنوع واللقمة الطيبة وهي الحلال أفضل عند الله من صدقات كثيرة . فإذا أردت الأكل فكل مادنا من الأرض بالأصابع الثلاثة بعد الجوع وقم قبل الشبع وأقعد كقعودك بين يدي شيخك للتعليم ، وأعلم أن الله سبحانه وتعالى قد نزع البركة من الحار والحرام وفي المآكل الحار أربع مضار يهدم الأسنان ويصفر الألوان ويزيل الكبد وربما يخاف عليه من أذى المصران . وغسل اليدين من قبل الطعام وبعده . ولا يجوز أكل المنتن للزوجين إلا بإذن بعضهم بعضا . والسر فيه أنه يورث النفرة بين الزوجين والريح الطيب مؤلف ومحبب وترك غسل اليدين يقمل الثوب ويولد رائحة كريهة وربما على ما ورد أن الشيطان يسترضع اليد ويستحسن الصورة فيألفها ولما كان . المقصود من الحلال تصفيه القلوب وتقليل الذنوب صار طلبه فرضا كطلب العلم فان العلم إذا لم يدل على خير فهو ضرر وفي الحديث من ممل الحلال سنة كشف له عن طراز العرش وصفت أنوار خواطره . وهو كيمياء السعادة الأبدية ينشرح به الصدور وتصفو به أنوار المعرفة ويثبت في القلب عيون الحكم وبه تكشف غشاوة الغفلة وترفع سدود الغرور فيبين صفاء سماء التوحيد وينكشف له عن اللوح المجيد وتسمع بأذن صفا خاطرك هدير تسبيح الملائكة المقربين ، وأعلم أن النفوس لا تكون مرهونة بعد الموت إلا بمظالم العبيد والسر فيه مطالبة حاضرة بين غريمين بين يدي حاكم عدل عليم باق . والمساواة واقعة بين العبدين إلا من أتى الله بقلب سليم : تخلصت الذمم من المظالم وانفك قيد النفوس فصارت الأرواح أين تختار . ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم : ' أن الأرواح لتزور بيوتها وأهلها فإن رأتهم بخير شكرت وإلا نفرت وهي تنادي يا أهلي إياكم والدنيا فلا تغرنكم كما غررت بي ' وهذا هو سر نداء الندم وأما الأرواح الطيبة الطاهرة من الدنس والآثام والمظالم فهي تطير أين شاءت واختارت على صور ما ذكرها الناس أما جوهر أو هيئة ملك أو جسم لطيف والكل مدرك حساس عليم بمفارقة الجسد فيقدر أنتقاش علمك يا هادي سيرقى العليم فوق الجهول وفي الحديث أن رد درهم مظلمة افضل عند الله من أربعة آلاف حجة مقبولة فإذا كان حجك واجتهادك خوفا من الآثام فاقطع أصولها .
পৃষ্ঠা ৭৮