على إخوتك كانوا حماة الدار
فيا طول حزني كلما ذمت بالخيا
أن جاء دياب الحي وسط الدار
بل إن راوي السيرة لا يغفل وصول الإمدادات بالجند والعتاد التي دفع بها تحالف تونس والملوك المغاربة إلى الميدان، لصد جحافل عرب المشرق - الهلالية - وإيقافهم طويلا في حصارهم خارج بوابات تونس المنيعة، دون أدنى تقدم.
ولم يكن هناك من منفذ أمام التحالف الهلالي بعد إبعاد دياب بن غانم، بحجة حراسة «البوش» والإمدادات والأموال، سوى لجوء أبي زيد إلى الحيلة لاختراق الحصار، خاصة بعد أن رجحت كفة التونسيين في ضرب تلك المؤن واستلابها، وهي الحيلة الحربية التي دبرها الزناتي ذاته مع أحد فرسانه، ويدعى «أبو خريبة» وأنزل بها ضربة قاصية بإمدادات الجند والمهاجرين ومؤنهم، وبالطبع ذخيرتهم. «حين أمر الزناتي الركوب إلى وادي الغباين، ويحضر البوش منه، فركب من ساعته، وأخذ معه عشرين ألف فارس قروم عوابس، ولم يزالوا ضرب السيف فيهم، فقامت الرعيان بالعياط والصراخ، فلما سمع دياب سائرين حتى وصلوا إلى وادي الغباين، وغاروا على قوم بني هلال، وعلقوا ركب جواده، وطلعت فرسانه وراه، فلما التحمت الحرب بينهم بطعن الأعمار، فعندما قام دياب في عزم وضرب خريبة بالسيف فوقع على الأرض، ولما شافوا قومه أميرهم قتيل ولوا هاربين، فلحقوهم بني زغبة، ومدوا السيف في أعناقهم وأعدموهم أحبابهم وأصحابهم حتى وصلوا إلى عند الزناتي وأخبروه عن قتل أخيه، فاستدعى أخاه الثاني وكان اسمه مكحول، وقال له: خذ قومك وامض إلى دياب بن غانم، خذ ثأرك منه، وانهب بوش بني هلال، ومهما جبت من هؤلاء يكونوا هبة مني إليك، فركب بسائر عسكره مقدار خمسين ألف همام، وغار حتى وصل إلى الوادي، وكان دياب وقومه في الصيد، وما بقي من البوش إلا مقدار ألف فارس، فثارت عليهم الخيل، وساقوا البوش جميعه، فراح لصوت إلى دياب وأعلموه بالخبر، فعندها صار حتى وصل إلى القوم، وبرز إلى مكحول، وغار على قومه، وبدأ يذبح فيهم حتى مقدار عشرة آلاف فارس وهربوا الباقي حتى وصلوا لعند الزناتي وأعلموه بقتل أخيه.»
وهكذا لم يعد أمام الهلالية، سوى الاستنجاد بذكاء أبي زيد وسعة حيلته، خاصة بعد أن أمر الزناتي «بإغلاق بوابات تونس في وجهه»، حين وقف تحت زغلة الباب والأبواب مسكوكة لا أحد يخرج ولا يطلع سوى النسوان التي فوق الأسوار يتفرجون، فعندما صاح في البواب افتح وأرسل مولاك، فسار البواب لعند الزناتي، قال له: قم كلم أبو زيد واقف بالباب يواجهك. فقال الزناتي: يا بواب من يقدر يشوف عزرائيل حتى يقضي روحه، هات المفاتيح التي معك. فعند ذلك أخذ مفاتيح أبواب تونس، وضعها عنده وخبأها، وقال: اقعد خلف الباب لا تفتح لأحد. فعاد البواب، وأعلم الأمير أبا زيد بالكلام. «ثم إن الأمير أبو زيد قال لهم: قصدي أعمل حيلة تسوي قبيلة، اندهوا للجازية. ثم إنهم ندهوا إليها، فحضرت بين أيديهم، فالتفت إليها الأمير أبو زيد، فقال لها: مرادي تجمعي مائة بنت من أحسن بنات العرب، وأحضريهن في الليل. فمن ساعتها أحضرت مائة بنت إلى الأمير أبو زيد، فقام ولبس ثياب بيض مثل النسوان، ولبس درعه، واتحزم بسيفه، وسار هو والبنات والجازية نصف الليل، إلى أن وصلوا بوابة تونس، فقال أبو زيد: اقرعي الباب. فنادى البواب: من يقرع أبواب تونس في هذا الليل؟ فقالت الجازية: نحن من بنات العرب جايين معنا بضايع لكي نبيع ونشتري من عندك على قدر احتياجنا. فقال لها البواب: روحوا ما أفتح لكم الباب في الليل. ثم إنها تدخلت على البواب فما فتح، وإنما راح إلى عند الزناتي وأخبره، فقال: روح إياك تفتح لهم أنا قرأت كتبهم قبل أن حضروا إلى هذه البلاد؛ لأن هذه الحيلة من حيل أبو زيد. ثم إن البواب رجع إلى عند البنات، وأخبرهم بما قال الزناتي، ثم إن الجازية ابتدأت هي والبواب وأشادت تقول: يا بواب صاره افتح للعذارى، حنا مشندر إلى حد السواره. - روحي يا ظريفة شاوري لنا الخليفة، له حربة رهيفة، تقسم الحجارة. - يا بواب منصور افتح باب السور، ندخل بدستور ونبيع العطارة. - المفتاح ما هو بيدي. - افتح كون طايع جبنالك بضايع، وتحف بدائع، تصلح للأمارة. - لا أفتح ولا شيء، ولا عقل بلاشي، وإن كنت عطاشى روحوا للبيارة. - يا بواب افتح الباب مصفح بالزينات، تصفح وتنظر للعذارى، افتح لي شوية، وشوف الحسن فيه، تجيك رزية، قدشك حمارة. - روحي يا مليحة أنا أخشى الفضيحة، رأتني تبقى مستريحة، وأنا أقع بنارة. - افتح لا تبالي، يا بواب افتح يا حبيبي، وجودك لا تغيبى، ارحم للغريبى كلنا بكارة. - السلطان حكالي، وقال لا تفتح ولال، ذول بني هلال من قوم مكارة. - افتح خاب ظنك خللي الهرج عنك.
قال: أخاف أفتح يجينا رجال طالبين، يجوا عابرين على ظهر المهارة والأمير غايب، ومن طلب المكاسب يقع في الخسارة. - افتح يا ابن عمي حتى يزول غمي، حزامي فوق تمي، تارة فوق تارة. - روحي يا حمامة لا تزيد في الكلام، خايف من سلامة حيلاته كتارة. - افتح يا أغانى، لا تزيدوا اللغاتى، جملتنا بناتى، ما فينا ذكاره. - سلامة معاكم سامع لغاتى، هو واقف حداكم مع بنات الأمارة.» •••
أردت من تقديم النص السالف للتحولات أو التقمصات لأبي زيد الهلالي والأميرات الهلاليات وعلى رأسهن الجازية، والتحايل على بواب تونس الذي أمره الزناتي خليفة بعدم فتحها ليلا للمتسللين خاصة، وجحافل بني هلال الغازية أصبحت تطوق أسوار المدينة وبواباتها السبع عبر حصار طويل لا بد وأنه دام سنين، على ذات نسق الحصار الهليني لطروادة المنيعة، ما دفع الغزاة في كلا الحصارين الشهيرين إلى اللجوء للحيلة وخداع لحروب.
أردت من تقديم الحوار الشيق بين البواب وعذارى بني هلال الحفاظ على مدى أحاسيسه النسائية الجياشة، حتى ليستشعر القارئ بأنه إزاء إيقاعات الأغاني الشعبية النسائية، وأن مؤلف مثل هذا النص لا بد وأن يكون امرأة أنثى، وهي إحدى السمات الرئيسية لأصالة نص فولكلوري عن خسيسه.
إن النص يوغل في إضفاء الأحاسيس الأنثوية على الحوار بين النساء المتسللات، وبين البواب أو أصحاب المزلاج، إلى حد دعوتهن له إلى الحب والجنس، وهي البنات الصغيرات الحلوات العذارى.
অজানা পৃষ্ঠা