(فصل)
وأما السبب الداعي له[19ب-أ] إلى القيام فاعلم أنه عليه السلام لما بلغ درجة الاجتهاد وتكاملت فيه مسائل الخصال المعتبرة في الإمامة وخيل فيه مخائل الزعامة، وسار ذكره وعظم شأنه وأمره، ومدت إليه الأمة أعناقها وبذلت له النصرة بأنفسها وأموالها، وتمت سائر آيات الفضل وأدوات المجد فلم تكن مشكلة في أنواع العلوم من الفروع والأصول، والمسموع والمعقول يورد اختبارا أو يطلب أحدا فيها رشدا وسدادا إلا حل عقالها، وفتح أقفالها، ومن شك في بلوغه درجة الاجتهاد فهو جاهل أو سفسطائي متجاهل.
هذا وكان زمان شاع فيه الظلم وكثر الجور، وأخذت الأموال جزافا وقهرا، وقهر الضعيف وأعين القوي، وظهرت البدع، وقل الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، وتدخل أهل المذاهب الردية على أهل الإسلام حتى لقد روي -والله أعلم- أن قوما من الباطنية عبدوا صنما، وباعت الملوك رعاياها، ومحي من الإسلام رسمه ولم يبق إلا اسمه، وأكلت الملوك أموال الناس وأهداها بعضهم إلى بعض، واتفقوا على المهادنات والعدول إلى الراحات، واشتغلوا بالمناكح والمآكل والملابس والتفاخر في ذلك والتكاثر، فلما تكاملت فيه الخصال واستبد بخصائص الكمال، وكان عين الزمان، والمشار إليه بالبنان، وظهرت له البركات الظاهرة، والفضائل الباهرة، ولم يشك أحد من عيون العلماء في بلوغه درجة الاجتهاد، وصار في العلم الغاية القصوى، وإليه تنتهي الفتوى.
পৃষ্ঠা ৬০