وربا كان خير من ألف بأسلوب عربي سهل في غير الصحافة هو قاسم أمين، وإن كنت أنا أعد مؤلفاته من الصحافة، إذ هي جميعها تعالج مشكلاتنا المصرية العصرية، يليه لطفي السيد في الأسلوب الدقيق المحكم.
وصحفنا تكتب هذه الأيام بلغة شعبية، ولو شئت أن أعين شخصا كان له فضل هذا التوجيه لقلت إنه محمد التابعي؛ فإنه هو الذي اخترع لنا «الخبر المقالي» أو «المقالة الخبرية» فاحتاج إلى أن يجعل الكتابة أقرب ما تكون إلى الكلام، فأحدث أسلوبا يغري بالقراءة، وزاد عدد القراء للصحف.
وليس معنى هذا أنها ابتذلت في أسلوبها وأخبارها حتى صارت عامية، وإنما هي جذبت بسهولة الأسلوب الكتابي الذي اتبعته وطريقة إيراد الخبر، والتنويع في وسائل الإمتاع الصحفي بالصورة الفوتوغرافية والصورة الكاريكاتورية، والعناية بالأخبار النائية، جذبت فريقا من القراء لم يكونوا يعنون قبل صدورها بالسياسة العالمة والأخبار الصحفية؛ فكانت لهم بمثابة المدرسة التي شغلتهم بثقافة جديدة ترفعهم عن اللهو الرخيص الذي كانوا يمارسونه حين لم يكونوا يجدون ما يجذب من الصحف.
وليس هذا نزولا إلى العامة وإنما هو رفع العاملة إلى مستوى الشعب. ونحن جميعا شعبيون، نطالب الحكومة بأن تكون شعبية، كما نطالب بتعليم الشعب كله، بل نطالب بأن يكون الشعب هو صاحب الكلمة العليا في تقرير السياسة الداخلية أو الخارجية.
ولذلك يجب علينا نحن الصحفيين أن نتحمل مسئولية تنوير الشعب، وأولى الوسائل لهذا التنوير أن نكتب بلغة يفهمها الشعب، لغة سهلة نبلغ بها المعنى العميق دون أن نحتاج إلى الغريب الحوشي من الكلمات التي تصد القارئ.
وقد كانت صحفنا - أيام اللواء والمؤيد - تكتب بلغة تعلو أحيانا على فهم أفراد الشعب، ولكن السرعة التي تطبع الصحافة بطابعها جعلت الكتاب كما قلنا يكتبون كما يتحدثون، فكان هناك اتجاه يقوى عاما بعد عام نحو أسلوب شعبي انتقل بعد ذلك من الصحافة إلى الأدب.
والصحفي العظيم - كما أحب أن أكرر القول - هو ذلك الذي يرفع الصحافة إلى الأدب؛ إذ إن الصحافة يمكن في اعتبارات عديدة أن تعد من الأدب، وهي واقعية شعبية بطبيعة أهدافها ووسائلها، ولا يكاد يوجد أديب في مصر لم يعمل في الاثنين: الأدب والصحافة.
ولكن كما أن عندنا أدباء غير شعبيين يحبون «الصعب» من الأسلوب، ويبحثون عن موضوع لدراستهم في مجتمعات نائية في التاريخ غير مجتمعنا، كذلك كان عندنا كتاب صحفيون يحاولون أن يكتبوا بأسلوب «صعب» وكأنهم ينظرون إلى الصحيفة كما لو كانت مقصورة على الخاصة دون الشعب.
وقد استطاع محررو الصحف أن يهتدوا إلى أسلوب شعبي، لا هو عامي ولا خاص، يفهمه جمهور الشعب ويغريه بالقراءة اليومية.
وهذا التوخي للسهولة هو أيضا الذي بعث إلى إيجاد الألوان المبسطة للعلوم والأدب والشئون النسوية، بل إن الأطفال أيضا قد وجدوا نصيبا في هذا التبسيط.
অজানা পৃষ্ঠা