والفرق بين هذا الأزيد وبين الأشد والأزيد الذى يمنح كونه فى الكمية أن هذا الأزيد يمكن أن يشار فيه إلى مثل حاصل أو زيادة؛ والأشد والأزيد الذى يمنعه أنهما لا يمكن فيهما ذلك. وتفاوت الأشد والأضعف ينحصر بين طرفين ضدين؛ وتفاوت الأزيد والأنقص لاينحصر البتة بين طرفين. ومن خواص الكمية أنها تقال بذاتها، لا لغيرها، مساوية وغير مساوية. والمساواة هى الحالة التى تكون عند توهمك تطبيق أبعاد المتصل أو آحاد المنفصل بعينها على بعض مارة فى تزيدها، فلا تجد أحد المطبقين يحصل عند حد لم يحصل الآخر عند ذلك الحد وغير المساواة أن يجاوز أحدهما أو يقصر. فالمطابقة التى لايوجد فيها اختلاف الحدود تسمى مساواة؛ فإن اختلفت الحدود لم تكن مساواة. وأنت تعلم أن النقل والحركة، إذا اعتبرا بذاتيهما من غير التفات إلى مقادير خارجة عنهما، لايوجد فيهما هذا التطبيق؛ فليست قابلة للمساواة وغير المساواة. فالكمية قد ذكر لها ثلاث خواص حقيقية: وهى أنها لذاتها لها جزء، ولذاتها تحتمل التقدير، ولذاتها تقبل المساواة واللامساواة. وذكر لها خاصيتان إضافيتان: أنها لاتقبل فى ذاتها مضادة وأنها لا تقبل فى ذاتها الأشد والأضعف.
الفصل الثالث فصل (ج) فى ابتداء الكلام فى المضاف وتعريف الحد الاقدم له وشرح ذلك الحد والإشارة المجملة إلى أقسام المضاف
قد جرت العادة أن يخاض فى بيان مقولة المضاف بعد الفراغ من الكمية وقبل الكيفية وللناس تخريجات مختلفة لعلة ذلك؛ ويشبه أن يكون أظهرها ما اتفق من ذكر المضاف فى مقولة الكمية. وليس على المنطقى إثبات المضاف وبيان حاله فى الوجود والتصور ومن يتكلف ذلك فقد تكلف ما لا يعنيه ولا يستقل به، من حيث منطقى.
والوقوف على المضافات أسهل على الذهن من الوقوف على مجرد الإضافات التى هى المقولة. فالأمور التى هى من المضاف فهى الأمور التى ماهياتها مقولة بالقياس إلى غيرها على الإطلاق أو بنحو آخر من أنحاء النسبة. والتى على الإطلاق فهى مثل الأمور التى أسماؤها أسماء تدل على كمال المعنى الذى لها؛ من حيث هى مضافة، مثل الأخ.
وأما التى بنحو آخر من أنحاء النسبة فهى التى تعلق بها النسبة؛ فتصير لذلك مضافة؛مثل القوة، من حيث هى لذى القوة، والعلم، من حيث هو للعالم؛ فإن كل ذلك فى ذاته كيفية. وإن كانت مضافة، فإلى غير ما تكلف إضافته إليه؛ كالعلم؛ فإنه بحرف ما صار مضافا إلى العلم؛ وبغير ذلك الحرف فهو مضاف إلى المعلوم. فإن العلم يشبه أن تلزمه فى نفسه الإضافة إلى المعلوم. والعلم والقدرة والقوة وما أشبه ذلك، وإن كان كله مضافا، فكله فى نفسه غير مضاف إلى ما أضيف اليه فى مثالنا؛ بل إنما ألحق بها نحو من أنحاء النسبة فصارت به مضافة؛ وذلك بسبب حرف يدخل فيجمع؛ كما يدخل بين الإنسان والدار لفظ نسبة ما، فيصير بها إضافة بين الدار وذى الدار. وربما كانت هذه النسبة متضمنة فى لفظة أحد الجانبين. ويحتاج الجانب الآخر إلى إلحاق لفظ النسبةباسم الأول كقولنا: الجناح وذو الجناح؛ فإن لفظة " ذو " إنما وقعت فى أحد الجانبين؛ والجانب الآخر مستغن عن مثلها؛ لكن اسمه إذا اقترن باسم النسبة كان اسم الجانب الآخر؛ وأكثر هذا حيث يوجد لأحد المضافين، من حيث هو مضاف، اسم، ولا يوجد للآخر، بل إنما يكون اسمه المشهور دالا على ذاته أو مشتقا من جهة حال أخرى غير إضافية؛ أو لا يكون هناك اسم البتة. وربما لم يفعل ذلك؛ بل قرن بالمضاف إليه لفظ نسبة يخصه ويحفظ اسمه كقولنا: العالم عالم بالعلم، فيقرن باسم العلم حرف يدل على أنه مضاف اليه العالم؛ وأما فى المنال الأول، فإنما كان هذا الحرف مقرونا باسم المضاف، لا المضاف اليه. وربما كان حرف الإضافة مختلفا فيهما؛ مثل قولك: إن العلم علم للعالم، والعالم عالم، لا للعلم بل بالعلم.
وقوم يقولون إن معنى قولهم أو بنحو آخر إنما هو لما لا تتشابه فيه الحروف العاكسة. وسيتضح لك عن قريب تحصيل ما قلناه وتفسيره، وأنه أولى من التأويلات المذكورة.
وأما كون للشىء مقولا بالقياس إلى غيره، فهو أن يكون الشىء إذا قصد تصور معناه أحوج تصوره إلى تصور شىء خارج عنه؛ ولا كيف كان: فإن السقف إذا تصور معناه تصور معه معنى الحائط الذى يقله، وليست ماهية السقف مقولة بالقياس إلى الحائط؛ ولكن يجب أن يكون المعنى المعقول الذى للشىء الذى يحوج إلى أن يعقل معه غيره إنما هو له من أجل وجود ذلك الغير بإزائه؛ فذلك المعنى الذى للشىء من أجل حصول الحال التى لها ما صار الآخر معه هو إضافته، مثل الأخ: فإن حقيقة المفهوم من الأخوة لأحد الأخوين هو لأجل وجود الآخر، وهى الحال التى له بسبب ذلك، وهو كونه ابن أبى هذا الأول، فإن الأخوة هى نفس اعتباره من حيث له آخر بهذه الصفة، وإن كان قد يكون فى الإضافات هو نفس اعتبار أحد الأمرين من حيث له آخر بصفة خلاف صفته. فهذا هو كون الماهية مقولة بالقياس إلى شىء آخر.
পৃষ্ঠা ১০১