ومن الشكوك فى أمر هذه الخاصية ما يظن من أن المكان الأسفل ضد للمكان الفوق. وهذا محال؛ فإن المكان لايضاد المكان من حيث ذاته، الذى هو سطح وكم. وكيف يتضاد المكانان ولا يتعاقبان بالحقيقة على موضوع واحد؛ والمكان، من حيث هو مكان، ليس بفوق ولا أسفل ؟ بل من حيث هو نهاية حركة من حيث هو طرف مسافة؛ أو من حيث هو طرف جسم حاو؛وهذه عوارض للكمية. وهذه العوارض لاتجعله بحيث يشترك الفوق والأسفل منه فى موضوع واحد فيكون مضادا بالحقيقة؛ بل الاثنان متضادان؛ أعنى كون الشئ فوق فإنه مضاد لكونه أسفل؛ وهذا غير المكان. وليس يجب، إذا كان بين هذين المكانين غاية البعد، أن يكونا متضادين؛ وإن كان التضاد يتضمن هذا الشرط؛ أو كان الناس إنما فطنوا أولا للتضاد من أمر المكان من حال مكانين بينهما غاية البعد؛ فإنهم لايقتدرون على أن يميزوا هل حال المكانين فى كونهما، وبينهما غاية البعد، هو التضاد، أو حال المتمكن، إذا كان تارة فى هذا المكان، وأخرى فى مكان آخر. ومع ذلك فلسنا نبنى القوانين فى اصطلاحات الألفاظ الحكمية على تعارف الجمهور؛ بل يجب أن نلتفت فى اعتبار معنى لفظ التضاد إلى ماتعارفناه فى استعمال لفظ التضاد بالوضع الثانى؛ وهو يدل على الحالة التى بين ذاتين مشتركتين فى موضوع شركة التعاقب لا أن ينطبع بأحدهما الموضوع، وبينهما غاية البعد. وليس يوجد فى المكانين جميع هذه الشروط. والدليل على ذلك أن المكان ، من حيث هو مكان، ومن حيث تتحصل طبيعته الشخصية، لا يحتاج إلى أن يقال إلا بالقياس إلى المتمكن؛ ومن حيث يسمى فوقا، يقال بالقياس إلى مكان آخر. ثم إن الفوقية والسفلية قد تعتبر من طريق الإضافة؛ فلا يكون فيها تضاد؛ كما لايكون فى الصغير والكبير؛ وقد تعتبر من طريق الطبيعة، حتى تكون الفوقية إما حالا للمكان فى أنه نهاية جسم وضعه الطبيعى من العالم كذا؛ فإن عرض من هذه الجهة للمكان تضاد، كان بسبب طبيعة ذلك الجسم. وسنبين أن هذا الاعتبار ما يجرى مجراه لا يجعل الجسم الذى هو فوق مضادا للجسم الذى هو أسفل، إذ الجسم الأعلى لا ضد له من وجه؛ كما ستعلم، وإما حالا للمكان، من حيث كون مكانا لجسم وضعه الطبيعى كذا. وإذا فرض أو اتفق أن كان هذا موجبا أو مقارنا لأن يكون الجسمان متضادين فى الطبيعة، كان حينئذ التضاد فى المكان لأمر فى المتمكن؛ فيكون التضاد فى المكان حينئذ بالعرض.
فيجتمع من هذا كله أن لا تضاد فى الكم. وكذلك ليس فى طبيعته تضعف واشتداد ولا تنقص وازدياد. ولست أعنى بهذا أن كمية لا تكون أزيد وأنقص من كمية، ولكن أعنى أن كمية لا تكون أشد وأزيد فى أنها كمية من أخرى مشاركة لها، فلا ثلاثة أشد ثلاثية من ثلاثة، ولا أربعة من أربعة، ولا خط بأشد خطية، أى أنه أشد فى أنه ذو بعد واحد من خط آخر، وإن كان، من حيث المعنى الإضافى، أزيد منه، أعنى الطول اضافى بل لايجوز أن تكون كمية أزيد وأشد فى طبيعتها من كمية أخرى أنقص أو أكثر منها؛ أعنى أنه ليست الثلاثية فى أنها ثلاثية وفى أنها عدد ولها حد العدد بأكثر من رباعية فى أنها رباعية وأن لها حد العدد؛ أعنى فى أنها كمية منفصلة تقدر بالآحاد. نعم قد تصير أزيد وأقل فيما يعرض لها من الإضافات المختلفات بينها.
পৃষ্ঠা ১০০