106

فأما المساواة فإنك إن توهمت بدل الكمية فيها كيفية: لم تكن تجد المساواة وجودا، ولم تبق الإضافة بعينها موجودة. وأما الشخصية فكأبوة هذا وأبوة ذلك، بل كالجوار الذى لكل واحد من الجارين؛ فيجب أن تعلم أن ما يقولونه من حال الإضافة فى امثال هذه: أنها علاقة واحدة بالعدد موجودة لهما جميعا، هو قول ولا معنى له، بل كل واحد منهما موصوف بإضافة إلى الآخر ليست هى بالعدد إضافة الآخر إليه، بل ربما كان نوعهما واحدا كجوار هذا لذلك، وجوار ذلك لهذا؛ وربما كانا متخالفين بالنوع كالأبوة والبنوة؛ وكذلك المماسة: فإن كل واحد من الشيئين يوصف بأنه مماس لذاك الآخر ففيه مماسة لذلك، نسبة تلك المماسة إليه نفسه هى أنها فيه، وإلى الآخر أنها له، وأنها بالقياس إليه ولأجله كذلك.والآخر أيضا مماس للأول بمماسة فيه للأول، فنسبة تلك المماسة التى الآخر هو بها مماس إلى الآخر نسبة بأنها فيه، وإلى الأول نسبة بأنها له لا بأنها فيه وأنه لا يماس أحدهما الآخر بمماسة تكون فى ذلك الآخر، بل بمماسة تكون فيه نفسه لذلك الآخر، لكنهما من حيث المماسة بل من حيث العلاقة يتفقان اتفاق الشخصيات فى الأمور العامة. وهذا فليكن كافيا فى بيان أمر المضاف.

المقالة الخامسة من الفن الثانى من الجملة الأولى من كتاب الشفاء فى المنطق فى الكيفية

الفصل الأول فصل (أ) في تعريف الكيفية وأقسامها الأول

وأما الكيفية فقد جرت العادة بأن تعرف نحوين من التعريف: أحدهما أن يقال: إن الكيفية ما به يقال على الأشخاص إنها كيف هى، والآخر أن يقال: إن الكيفية ما به يقال للأشياء إنها شبيهة وغير شبيهة.

فلننظر فى حال هذين التعريفين أنهما هل يفيداننا معنى متصورا، فنقول: أما إذا كان هذا التعريف على سبيل الإحالة على المتعارف وما تجرى عادة الناس بالسؤال عنه بلفظة كيف، والجواب به إذا سئل بكيف، فأمر غير محصل فى مقولة واحدة؛ وذلك لأن الجمهور قد يسألون: كيف زيد ؟ ويتوقعون أن يجاب بأنه قائم أو قاعد؛ فيكون الجواب عن الواقع فى مقولة الوضع. ويسأل أيضا فيقال: كيف رأيت عبدالله ؟ فيحسن فى التعارف أن يجاب فيقال: رأيته ماشيا أو غاديا؛ أو رأيته يحمر أو يصفر، أو غير ذلك، ولا يتحاشون فى بلاد العرب والعجم أيضا أن يقولوا: رأيته فى مكان طيب؛ أو فوق سرير، وأمثال هذا، حتى تكون هذه الأحوال عندهم كيفيات أحوال الناس.

فالتعارف ليس يقفنا من ذلك على شىء يصرف الذهن إلى تخيل الكيفية الداخلة فى المقولة؛ بل كما أنهم يقولون " حال " ، لا للذى يسمى حالا فى قاطيغورياس فقط، بل لجميع الصفات؛ وإن كانت كميات؛ فلا يتحاشون أن يقولوا " كيفية " لغيرها، فإن كان جميع ما يسمونه كيفية على هذا الوجه هو داخل فى هذه المقولة، فالوضع داخل أيضا فى هذه المقولة.

ثم لايبعد عندى أن يستقبل كلامى واحد من هؤلاء المبرخشين فيقول: أما الوضع؛ فهو من حيث يصلح أن يكون جوابا عن سؤال كيف، فهو كيفية؛ ومن حيث هو حال لجوهر ذى أجزاء كذا، فهو وضع. فإن قال ذلك، لم نضايقه بأن نقول له: إن هذا لايمكن، ولم نؤاخده بما سلف ذكره؛ ولكنا نوجب عليه أن يجعل الوضع نوعا من الكيفية فإن الجهة التى هو بها وضع لاتجعله بحيث لا يصلح أن يكون جوابا عن سؤال: كيف الشئ؟ بل تعده لذلك؛ فلا يكون هذا كاعتبارين متباينين يصير بهما الشئ فى مقولتين؛ بل كاعتبارين أحدهما يقال على الآخر، وهو أعم منه. وإذا كان الأعم مقولة، فالأخص يدخل فيها؛ فلا يكون الأخص مقولة برأسه. فإن لم يلتفت فى هذا إلى التعارف العام، بل أريد معنى وقع عليه إصطلاح خاصى، فبالحرى أن يكون الدال بهذا اللفظ على ما أراده يكون قد عرفنا ما يريد به بالوضع الثانى. فلم يمكننى إلى هذا الوقت أن أفهم من هذا الرسم حقيقة هذه المقولة؛ ولا يبعد أن يكون غيرى قد فهم ذلك؛ أو يكون التأويل ما سنقوله بعد.

وكذلك الحال فى الشبيه وغير الشبيه؛ فإن الشبيه يستعمل استعمالا عاميا، ويستعمل استعمالا خاصيا.

পৃষ্ঠা ১১০