105

وقولنا: " تحصيل المضاف " لفظ نفهم منه معانى. ويجب أن نقدم قبل بيان ذلك مقدمة فنقول: إن المضاف ليس له وجود مفرد، بل وجوده أن يكون أمرا لاحقا للأشياء وتخصصه بتخصيص هذا اللحوق. والتخصيص بهذا اللحوق يفهم على وجهين: أحدهما أن يؤخذ الملحوق والإضافة معا، فذلك من مقولة ومقولة، ليس المقولة، بل هو مركب من مقولة ومقولة؛ والآخر أن تؤخذ الإضافة مقرونا بها النحو من ذلك اللحوق الخاص العقلى، ويؤخذان جميعا كعارض واحد للملحوق؛ وهذا هو تنويع الإضافة وتحصيله، فإن المشابهة مثلا موافقة ما فى الكيفية، والموافقة فى الكيفية غير الكيف الموافق، فالكيف الموافق ليس هو إضافة، بل هو شئ ذو إضافة. وأما الموافقة منسوبة إلى الكيفية فهى نوع من المضاف، مثل المساواة التى هى موافقة فى الكمية، والمماثلة التى هى موافقة فى النوع. فإذا كان التحصيل فى المضاف إنما يمكن حيث يكون المضاف أولا غير محصل فتكون إضافة مأخوذة بمعنى أعم، إذ لابد من أمر تفرض له أو إليه الإضافة؛ ثم إذا تحصل فإنما يتحصل لا محالة بتحصيل ذلك المعنى. ولو كان المعنى بحالة لكانت الإضافة بحالها. وإذا كان المضاف قد تحصل فليس تحصيله بإزاء الأمر الذى كان أولا، وهو كما كان أولا؛ ومثال ذلك أنا إذا أخذنا أولا ضعفا عدديا على الإطلاق، فهو بإزاء النصف العددى على الإطلاق، فإذا حصل العدد الذى هو الضعف حتى صارت الضعيفة محصلة فلا يثبت الجانب الآخر على حاله، فإن إطلاق ذلك الجانب، أعنى النصفية كان إنما يكون بإزاء إطلاق هذا الجانب أعنى الضعيفة؛ غير محصل. فإذ قد تحصل فبين من ذلك أن الآخر قد تحصل؛ فإنه إذا تحصل الشئ الذى هو الضعف تحصل لا محالة الشئ الذى هذا ضعفه، إذ ليس يجوز أن يكون كل شئ ضعفا لكل شئ من حيث هو ضعف محصل، فأى المضافين عرف بالتحصيل عرف الآخر به، فإن كان التحصيل لم يطرأ عليه من حيث تتحصل بها الإضافة بل من حيث يتحصل الموضوع وتركت الإضافة بحالها، فإن المضاف المقابل لا يتحصل؛ وذلك لأن طبيعة الإضافة لم تتحصل بل موضوعها. وليس إذا كانت الإضافة لا تتحصل إلا بموضوعها يجب أن يكون كلما تحصل موضوعها تحصلت الإضافة؛ ومثال هذا أنه إذا كانت الرأسية إضافة عارضة لعضو ما؛ وكان قياسه إلى ذى الرأس فيحصل هذا العضو من حيث هو جوهر؛ وكان هذا الرأس قد دخل التخصيص جوهره ولم يدخل التخصيص إضافته؛ لم يلزم أن يكون إذا عرف هذا الرأس من حيث هو هذا الجوهر محصلا، أن يعرف من ذلك أنه رأس، لأن الرأسية تركت بحالها، ولم تحصل من حيث العقل بل من حيث الحس؛ فلم يلزم أن يكون للعقل سبيل إلى تحصيل الثانى؛ إذ لم يتحصل له الأول؛ والحس لا سبيل له إلى ثان غير حاضر عند الحس بسبب أول حاضر عند الحس.فلو اجتهد حتى يحصل للعقل تخصيص هذا الجوهر، وجب أن يخصص له بعوارضه، ومن عوارضه كونه من بدن زيد، فحينئذ يتحصل للعقل ذو الرأس. فهذا حكم ما فيه موضوع وإضافة.

فأما إذا كان المضاف نفس الإضافة، فلا يتحصل أحد الطرفين إلا بتحصيل الآخر، لأنه لا وجود لأحد الطرفين غير المضاف، فيحصل من هذا أن كل شىء من باب المضاف إذا تحصل نحوا من التحصيل لا يلزم أن يتحصل مقابله فإن الإضافة لاحقة له؛ وله وجود خاص.وليس يلزم من هذا أن يكون كل ما تلحقه إضافة وله وجود خاص، فإنه لا يتحصل بتحصل مقابله؛ بل قد يتحصل إذا كان التحصيل عقليا. وأما الإضافة نفسها فإنها تتحصل فى العقل مع تحصيل موضوعها. فمن تحصيل الإضافة بتحصيل موضوعها ما ينوعها، ومنه ما لا ينوعها بل يضيفها أو يشخصها، فإن جعل حدها آخر نوعها، وإن حفظ حدها وألحق به عارضا غريبا لو لم يكن ذلك لم يبعد أن يحفظ تلك الطبيعة من الإضافة، لم ينوعه بل ربما ضيفه؛ كأبوة الرجل العادل، وأبوة الرجل الجاير، فإنهما يختلفان فى أحوال ولكن خارجة عن الماهية؛ فإن الرجل العادل لو توهمته غير عادل، لم يزل بذلك المعنى الذى هو الأبوة.

পৃষ্ঠা ১০৯