فهذا هو العلم المطلوب في هذه الصناعة وهو الفلسفة الأولى، لأنه العلم بأول الأمور في الوجود، وهو العلة الأولى وأول الأمور في العموم، وهو الوجود والوحدة. وهو أيضا الحكمة التي هي أفضل علم بافضل معلوم؛ فإنها أفضل علم أي اليقين، بأفضل المعلوم أي الله تعالى وبالأسباب من بعده. وهو أيضا معرفة الأسباب القصوى للكل. وهو أيضا المعرفة بالله، وله حد العلم الإلهي الذي هو أنه علم بالأمور المفارقة للمادة في الحد والوجود.إذ الموجود بما هو موجود ومبادئه وعوارضه ليس شيء منها، كما اتضح، إلا متقدم الوجود على المادة وغير متعلق الوجود بوجودها. وإن البحث في هذا العلم عما لا يتقدم المادة، فإنما يبحث فيه عن معنى. ذلك المعنى غير محتاج الوجود إلى المادة، بل الأمور المبحوث عنها فيه هي أقسام أربعة: فبعضها بريئة عن المادة وعلائق المادة أصلا. وبعضها يخالط المادة، ولكن مخالطة السبب المقوم المتقدم وليست المادة بمقوم له. وبعضها قد يوجد في المادة وقد توجد لا في المادة مثل العلية والوحدة، فيكون الذي لها بالشركة بما هي هي أن لا تكون مفتقرة التحقق إلى وجود المادة، وتشترك هذه الجملة أيضا في أنها غير مادية الوجود أي غير مستفادة الوجود من المادة. وبعضها أمور مادية، كالحركة والسكون، ولكن ليس المبحوث عنه في هذا العلم حالها في المادة، بل نحو الوجود الذي لها. فإذا أخذ هذا القسم مع الأقسام الأخرى اشتركت في في أن نحو البحث عنها هو من جهة معنى غير قائم الوجود بالمادة. وكما أن العلوم الرياضية قد كان يوضع فيها ما هو متحدد بالمادة، لكن نحو النظر والبحث عنه كان من جهة معنى غير متحدد بالمادة، وكان لا يخرجه تعلق ما يبحث عنه بالمادة عن أن يكون البحث رياضيا، كذلك الحال ههنا. فقد ظهر ولاح أن الغرض في هذا العلم أي شيء هو. وهذا العلم يشارك الجدل والسفسطة من وجه، ويخالفهما من وجه، ويخالف كل واحد منهما من وجه. أما مشاركتهما فلأن ما يبحث عنه في هذا العلم لا يتكلم فيه صاحب علم جزئي، ويتكلم فيه الحدلي والسوفسطائي. وأما المخالفة فلأن الفيلسوف الأول من حيث هو فيلسوف أول لا يتكلم في مسائل العلوم الجزئية وذانك يتكلمان. وأما مخالفته للجدل خاصة فبالقوة، لأن الكلام الجدلي يفيد الظن لا اليقين كما علمت في صناعة المنطق. وأما مخالفة السوفسطائية فبالإرادة، وذلك لأن هذا يريد الحق نفسه، وذلك يريد أن يظن به انه حكيم يقول الحق وإن لم يكن حكيما.
الفصل الثالث: (ج)
পৃষ্ঠা ৮