تعرف أنا حققنا أقسام الواحد، وأنت تعرف مما قد عرفت أيها أولى بالوحدة واسبق استحقاقا لها، فتعرف أن الواحد بالجنس أولى بالوحدة من الواحد بالمناسبة، وأن الواحد بالنوع أولى من الواحد بالجنس، والواحد بالعدد أولى من الواحد بالنوع، والبسيط الذي لا ينقسم بوجه أولى من المركب، والتام من الذي ينقسم أولى من الناقص. والواحد قد يطابق الموجود في أن الواحد قد يقال على كل واحد من المقولات كالموجود، لكن مفهومهما - على ما علمت - مختلف، ويتفقان في أنه لا يدل واحد منهما على جوهر بشيء من الأشياء، وقد علمت ذلك.
الفصل الثالث (ج) فصل في تحقيق الواحد والكثير وإبانة أن العدد عرض والذي يصعب علينا تحقيقه الآن ماهية الواحد.
وذلك أنا إذا قلنا: إن الواحد هو الذي لا يتكثر ضرورة، فأخذنا في بيان الواحد الكثرة. وأما الكثرة فمن الضروري أن تحد بالواحد، لأن الواحد مبدأ الكثرة، ومنه وجودها وماهيتها، ثم أي حد حددنا به الكثرة استعملنا فيه الواحد بالضرورة. فمن ذلك ما تقول: إن الكثرة هي المجتمع من وحدات، فقد أخذنا الوحدة في حد الكثرة، ثم عملنا شيئا آخر وهو أنا أخذنا المجتمع في حدها، والمجتمع يشبه أن يكون هو الكثرة نفسها. وإذا قلنا من الوحدات أو الواحدات أو الآحاد فقد أوردنا بدل لفظ الجمع هذا اللفظ، ولا يفهم معناه ولا يعرف إلا بالكثرة. وإذا قلنا: إن الكثرة هي التي تعد بالواحد، فنكون قد أخذنا في حد الكثرة الوحدة، ونكون أيضا قد أخذنا في حدها العد والتقدير، وذلك إنما يفهم بالكثرة أيضا. فما أعسر علينا أن نقول في هذا الباب شيئا يعتد به، لكنه يشبه أن تكون الكثرة أيضا أعرف عند تخيلنا، والوحدة أعرف عند عقولنا، ويشبه أن تكون الوحدة والكثرة من الأمور التي نتصورها بديا، لكن الكثرة نتخيلها أولا، والوحدة نعقلها من غير مبدأ لتصورها عقلي، بل إن كان ولا بد فخيالي. ثم يكون تعريفنا الكثرة بالوحدة تعريفا عقليا، وهنالك تؤخذ الوحدة متصورة بذاتها ومن أوائل التصور، ويكون تعريفنا الوحدة بالكثرة تنبيها يستعمل فيه المذهب الخيالي لنومئ إلى معقول عندنا لا نتصوره حاضرا في الذهن.
পৃষ্ঠা ৫২